تفاؤل المستثمرين بنجاح عقار مضاد لكورونا يدفع الأسواق لانتعاش قياسي

11 نوفمبر 2020
فايزر وبيونتيك تزفان النبأ الأهم للاقتصادات العالمية (Getty)
+ الخط -

بعث الإعلان عن لقاح يحتمل أن يتم اعتماده قريباً لجائحة كورونا، التفاؤل في أوساط المستثمرين أمس الثلاثاء. ولليوم الثاني على التوالي تواصلت الرهانات في أسواق الأسهم العالمية على صفقات الشراء، بعد شهور من التردد والخوف والحذر الذي دفع كبار المستثمرين لتكديس السيولة. وعاشت أسواق المال أمس، ما يشبه الانقلاب، وتحركت معنويات المستثمرين من الإحباط والنظرة السلبية للمستقبل إلى تفحص السوق، بحثاً عن المكاسب الكبرى في القطاعات التي كانت منبوذة طوال الشهور الماضية . وتركزت الرهانات على الأسهم التي ضربتها جائحة كورونا بشدة خلال الشهور الماضية، وتعاني شركاتها من الإفلاس في قطاعات الطيران وخدمات السفر والسياحة و النفط. 

ويذكر أن شركتي "فايزر" (Pfizer) و"بيونتيك" (BioNTech)، أعلنتا ظهر الاثنين، أن اللقاح ضد فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" الذي تعملان على تطويره "فعال بنسبة 90%"، بعد التحليل الأولي لنتائج المرحلة الثالثة من التجارب السريرية، وهي الأخيرة قبل تقديم طلب ترخيصه. ووصف الرئيس التنفيذي لشركة فايزر، البرت بورلا، اللقاح المحتمل بأنه أكبر تقدم طبي في المئة عام الماضية. وقال إن شركته ليس لديها أية مخاوف بشأن السلامة.

وفي أعقاب هذا الإعلان، استفادت العديد من القطاعات التجارية من التفاؤل بعودة النشاط الاقتصادي والتجاري العالمي إلى مساره الطبيعي، كما سجلت مؤشرات البورصات العالمية ارتفاعات قياسية لم تشهدها خلال عقود. وحسب البيانات المالية اليابانية، ارتفع مؤشر" نيكاي 225" الرئيسي في طوكيو، أمس الثلاثاء إلى أعلى مستوياته في 29 عاماً، كما سجلت مؤشرات   السوق الأميركي الرئيسية ومؤشر "فوتسي ـ 100" في لندن ومؤشر ستوكس فرانكفورت ارتفاعات قياسية مستفيدة من أنباء اللقاح، واندفاع المستثمرين لتنفيذ صفقات شراء ضخمة على أمل تحقيق أرباح من الأسهم التي ضربتها جائحة كورونا. وما رفع من مصداقية اللقاح توجه الولايات المتحدة لإصدار ترخيص له في غضون أسابيع قليلة. كما رحب الرئيس الأميركي (الخاسر في الانتخابات الأخيرة) دونالد ترامب في تغريدة، بهذا الإعلان معتبراً أنه "نبأ رائع". من جانبه، أكد الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن أنه يرى مؤشر "أمل" في إعلان شركتي "فايزر" و"بيونتيك" محذّراً من أن "المعركة ضد الفيروس" لا تزال طويلة. 

ويتوقع خبراء أن يلعب الإعلان عن اللقاح دوراً رئيسياً في تغيير السياسات المالية والنقدية والاقتصادية في العالم. ووصفه البروفسور جيمس تشالمرز من جامعة دندي في اسكتلندا بأنه يمثل "انقلاباً في المعركة ضد جائحة كورونا". ويتوقع مستثمرون في أميركا أن يقود اللقاح الذي يتزامن استخدامه مع الحزمة المالية التحفيزية المتوقعة في يناير/ كانون الثاني بنحو تريليوني دولار، إلى إجراء تعديل في السياسة النقدية الأميركية، خاصة وأن هنالك توقعات بأن يقود نجاح اللقاح والتحفيز المالي إلى زيادة معدل التضخم في الولايات المتحدة خلال العام المقبل، وبالتالي إجبار مصرف الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) على زيادة معدل الفائدة المصرفية. 
كما يُتوقع أن يلعب اللقاح دوراً في تحفيز الطلب على الطاقة، وأن يرفع تبعاً لذلك أسعار النفط والغاز الطبيعي. وحتى منتصف نهار أمس الثلاثاء، كانت أسعار النفط وأسهم الشركات النفطية الكبرى في اميركا وأوروبا من أكبر المستفيدين إلى جانب شركات الطيران والسفر والترفيه والفنادق والخدمات المصاحبة لصناعة السفر. وكسب خام برنت في نهاية تعاملات يوم الاثنين 2.95 دولار في لندن، كما تواصلت المكاسب أمس على الرغم من مبيعات جني الأرباح التي تعرض لها النفط في بداية تعاملات أمس الثلاثاء. وحسب بيانات بلومبيرغ في منتصف الظهيرة أمس الثلاثاء، كسب خام برنت 48 سنتاً ليرتفع إلى 42.88 دولارا، وجرى تداول خام برنت القياسي عند قرابة 43 دولارا للبرميل، كما ارتفع سعر خام غرب تكساس 37 سنتاً إلى 40.66 دولارا. ودفعت أنباء اللقاح بعض تجار النفط للتهافت على شراء العقود المستقبلية، خاصة الخامات الخفيفة أو ما يطلق عليه في السوق اسم "سويت كرود" الذي يستخدم بكثافة من قبل المصافي في وقود الطائرات. في هذا الصدد، قال راسل هاردي الرئيس التنفيذي لشركة فيتو، كبرى شركات الوساطة السويسرية في تجارة النفط أمس الثلاثاء، إن أسعار النفط ستتجه صوب نطاق يتراوح بين 45 و49 دولاراً للبرميل أو حتى 50 دولاراً في الأشهر القليلة المقبلة. من جانبه راجع مصرف "سيتي غروب" توقعاته لسعر الخامات في العام المقبل. وقال في مذكرة لزبائنه يوم الاثنين، إنه رفع توقعاته لكل من خام برنت وخام غرب تكساس بنحو 5 دولارات. وقدر أن يبلغ سعر خام برنت في المتوسط 54 دولاراً في العام المقبل، بينما قدر أن يبلغ خام غرب تكساس 49 دولاراً للبرميل. 

وعلى صعيد المصارف التجارية التي عانت بشدة خلال النصف الأول من العام من أزمات مخصصات الديون والأصول الخطرة، كما خسرت أسهمها معدلات تراوحت بين 25 و45%، فمن المتوقع أن يكون للقاح أثر إيجابي كبير على ربحيتها خلال العام المقبل. وقد واصلت أسعار أسهم المصارف التجارية الكبرى ارتفاعها في سوق "وول ستريت". ويعني نجاح اللقاح، في حال اعتماده رسمياً، محاصرة جائحة كورونا، وبالتالي تراجع المخاطر المالية بالنسبة للقروض التي منحتها للشركات والأعمال التجارية التي تقف على حافة الإفلاس أو أفلست بالفعل. 
في هذا الشأن، قال المسؤول المالي في مصرف "غولدمان ساكس"ستيفن شير، في مؤتمر في لندن، إن "أخبار العقار جيدة للبنوك". ومن المتوقع أن ترتفع أسعار المصارف بمعدلات كبرى، خاصة المصارف الأميركية التي راكمت سيولة ضخمة من عمليات التحفيز المالي والنقدي خلال العام الجاري ولديها قرابة 3.7 تريليونات دولار. ومن المتوقع أن يقود اللقاح إلى نمو سريع في الاقتصادات الكبرى في أميركا وآسيا وأوروبا. وحتى الآن، حجزت الدول الأوروبية وأميركا مئات الملايين من الجرعات. وحسب بيانات بلومبيرغ، ارتفع سعر سهم مصرف "جي بي مورغان" بنحو 14% كما ارتفع سعر سهم مصرف "بانك أوف أميركا" كذلك بنسبة 14%. في المقابل، ارتفعت أسهم بعض المصارف المثقلة بالقروض التجارية بنسب تراوحت بين 20 إلى 25%. ويتوقع مصرفيون أن يقود نجاح اللقاح إلى زيادة الربحية للمصارف، ويمنحها المساحة الاستثمارية الواسعة والمتنوعة داخل الولايات المتحدة وأوروبا وخارجها. وبالتالي يتوقع مصرف "غولدمان ساكس" أن تتمكن المصارف الأميركة من خفض نسبة الأموال المرصودة لتغطية مخاطر الديون. كما يتوقع مصرفيون أن يحدث العقار تغييراً كبيراً في السياسة النقدية في العالم. وحتى الآن، تعاني المصارف التجارية في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان من تدني هامش الربحية بسبب الفائدة الصفرية والسالبة أحياناً، أي تحت الصفر، والتي تتبعها البنوك المركزية لتحفيز الاستثمار ومنح القروض للشركات والأعمال التجارية. وتشير بيانات مصرفية أميركية إلى أن رفع الفائدة بنسبة واحد في المئة سيرفع دخل البنوك الأميركية بنحو 22 مليار دولار. 
يُذكر أن أسهم شركات النفط الأميركية الكبرى، وعلى رأسها أكسون موبيل وشيفرون ارتفعت يوم الاثنين بنحو 14%. كما كسبت أسهم شركات الطيران الأميركية نحو 25%. ومن المتوقع أن يشهد الأسبوع الجاري تعاملات ضخمة على شركات البواخر السياحية والفنادق الكبرى التي ضربت بقوة المدن الكبرى، خاصة في لندن ونيويورك. وعلى الرغم من أن العقار المضاد لأسوأ جائحة شهدها العالم، لن يكون متاحاً إلا لمجموعة محدودة من الدول في الشهور المقبلة، إلا أنه كان له تأثير فوري في رفع المعنويات الاستثمارية.

المساهمون