تركيا والتحكم بصمام نقل الغاز الروسي إلى أوروبا

21 أكتوبر 2022
الرئيس الروسي قدّم عرضه لتصدير الغاز إلى نظيره التركي في كازاخستان (Getty)
+ الخط -

تلقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحويل طرق إمدادات دول الاتحاد الأوروبي بالغاز لتمر عبر تركيا، وإنشاء أكبر مركز للغاز المتجه إلى القارة في تركيا بالكثير من الاهتمام، حيث أعطى تعليمات فورية لوزارة الطاقة التركية بالبدء في دراسة جدوى المشروع.

والغريب أن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، فاتح دونماز، ظهر متفاجئاً من مقترح بوتين، حيث علق خلال مشاركته في منتدى "أسبوع الطاقة الروسي" المنعقد قبل أيام في موسكو قائلا: "هذه أول مرة نسمع فيها بهذا المقترح، المقترح يحتاج للكثير من الدراسة والبحث والتأني لمعرفة آلية تطبيقه وإمكانية ذلك".

وهو الأمر الذي دفع الكثير من المحللين إلى البحث وراء الأسباب التي دفعت الرئيس التركي، للقبول السريع بالعرض الروسي، فذهب بعضهم إلى القول إنها ورقة اقتصادية مهمة ستدفع نحو طاولة الانتخابات التركية القادمة، ومن شأنها أن تعطي بعض الأمل للمواطن التركي الذي يئن على إثر موجة الغلاء المتفاقمة والناجمة عن الانخفاض المتوالي لليرة، بالإضافة إلى العوامل الدولية الأخرى، لا سيما أن العوامل الاقتصادية سيكون لها التأثير الأكبر في قرار الناخب الذي تدهورت أوضاعه المعيشية بصورة كبيرة خلال الثلاثة أعوام الماضية.

وذهب آخرون إلى أن الترحيب السريع من أردوغان يرجع لجملة من المزايا الاقتصادية والسياسية التي من المنتظر أن تحصل عليها الدولة التركية حال تنفيذ المقترح، وتؤكد العديد من خطوط أنابيب الغاز التي تمر عبر الأراضي التركية نحو الجانب الأوروبي المتعطش للغاز تلك المزايا الكبيرة التي تحققت بالفعل من الخطوط السابقة، والتي يمكن مضاعفتها خلال فترة قصيرة حال رؤية المقترح للنور.

تتعدد المزايا المتوقعة لتنفيذ المقترح الروسي بنقل الغاز إلى أوروبا عبر الأراضي التركية

مزايا ضخمة

تتعدد المزايا المتوقعة لتنفيذ المقترح الروسي بنقل الغاز إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، أولى المزايا تتعلق بالجانب الجيوسياسي، حيث من المنتظر أن يزداد الدور التركي الإقليمي والعالمي عمقاً وتأثيراً، مما سيعمل على الحفاظ على المصالح الاستراتيجية التركية، ويشكل ورقة قوة ستستخدم في الكثير من الملفات التركية الشائكة مع جيرانها وفي مقدمتها ملف غاز المتوسط.

وتمتد المزايا كذلك إلى الجوانب الاقتصادية، حيث يعد تأمين احتياجات الاقتصاد النامي من الغاز الطبيعي أمراً شديد الأهمية، لا سيما في ظل التطلعات التركية باستمرار تنامي معدلات النمو والتوسع الكبير في أرقام الصادرات، علاوة على الطموحات السياحية الهادفة لشغل أحد المراكز السياحية الخمسة الأكبر في العالم.

ومن المعروف أن تركيا تستورد أكثر من 90% من احتياجاتها السنوية من الطاقة من الخارج، بفاتورة تقدر بنحو 40 مليار دولار، كما أنها تحتاج لنحو 60 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا تقريباً، يتكلف استيرادها حوالي 12 مليار دولار، الأمر الذي يعني أن مركز تجميع الغاز المقترح سيعمل أولا على اطمئنان تركيا نحو توفير احتياجاتها المحلية للصناعة وللاستهلاك المنزلي.

وطبقا لتصريحات أردوغان فإن تركيا وفق المقترح لن تكون منصة إمداد فقط، بل أيضاً سوق لتحديد الأسعار، الأمر الذي يعني أن المكاسب التركية ستتخطى رسوم العبور في خطوط الأنابيب إلى أرباح محتملة وفق بورصة الأسعار العالمية، وتجدر الإشارة هنا إلى أن أوروبا كانت تعتمد على الغاز الروسي بنحو 40% من احتياجاتها، وأن أي مصدر آخر للغاز ربما سيرفع السعر نحو 3-4 أضعاف السعر العالمي، مما يجعل الخيار التركي شديد الأهمية للجانب الأوروبي في ظل المعطيات الراهنة.

ومما يؤكد الأرباح التركية المتوقعة حال تنفيذ المقترح، الوضع الحالي للاتفاقيات التركية الروسية، والتي تقضي بدفع تركيا لنحو 25% من وارداتها من الغاز الطبيعي من روسيا بالروبل، علاوة على منح تركيا تخفيضات عن السعر العالمي تصل إلى 25%، وانسحاب تلك الاتفاقيات القديمة على المقترح الجديد سيسهم ولا شك في تحسن قيمة العملة التركية ووقف نزف قيمتها، علاوة على إعادة ترميم الاحتياطيات التركية من النقد الأجنبي وإضفاء بعض التحسن على عجز الميزان التجاري.

الاستخدام الأمثل للإمكانات اللوجستية

يمر عبر الأراضي التركية العديد من خطوط الغاز الطبيعي لتوصيلها إلى أوروبا، ومن بينها خط تاناب والذي افتتح عام 2018 وتكلف 7 مليارات دولار والمخصص لنقل الغاز من أذربيجان عبر تركيا إلى أوروبا، ويساهم في نقل 16 مليار متر مكعب سنوياً، تستهلك منها تركيا 6 مليارات محلياً ويعبر الباقي للأراضي الأوروبية، ومن المنتظر رفع طاقته إلى 23 مليار متر مكعب بحلول عام 2023.

يمر عبر الأراضي التركية العديد من خطوط الغاز الطبيعي لتوصيلها إلى أوروبا

كما يمر كذلك عبر الأراضي التركية خط السيل التركي بقدرته البالغة 15.7 مليار متر مكعب، والذي يتكون من خطين أحدهما يغذي تركيا، بينما يتوجه الآخر لتغذية أوروبا، وكذلك يمر خط باكو/ تبليسي/ أرضروم عبر الأراضي التركية ليغذي أوروبا بنحو 8.1 مليارات متر مكعب من الغاز، علاوة على بعض الخطوط الأخرى المخصصة للاستهلاك المحلي التركي.

يعكس تواجد تلك الخطوط إمكانات تركية كبيرة لنقل الغاز، وهو الأمر الذي قد يشير إلى إمكانية تزايد الكميات المنقولة عبرها بعد تنفيذ المقترح، يضاف إلى ذلك الإمكانات التخزينية الكبيرة الواقعة في منطقة سيلفري شمال إسطنبول، علاوة على الخط الجديد المخطط افتتاحه بنهاية العام الحالي لنقل الغاز المنتج من حقل سكاريا المحلي، والذي يمكن استخدامه هو الآخر كحلقة وصل مع خطوط أخرى في سياق تحقيق هذا الهدف.

وقد رجّح الرئيس التركي أن تكون منطقة تراقيا شمال غربي البلاد الأنسب لمقترح إنشاء مركز دولي لتوزيع الغاز، وأضاف "سنقوم بإنشاء مركز الغاز في تركيا بالمكان الأنسب بمشيئة الله، ولدينا مركز توزيع وطني لكن الجديد سيكون دوليًا".

مخاطر محتملة لتنفيذ الاقتراح

يمكن قراءة مفاجأة وزير الطاقة التركي بشأن المقترح الروسي في إطار العديد من المخاطر المحتملة والتي من المؤكد أنها داهمته عقب تساؤلات الصحافيين، ومن بين تلك المخاطر العقوبات الضخمة علي الدولة الروسية من الجانب الأوروبي والأميركي، والتي سترى ولا شك أن المقترح سيفتح نافذة لتهرب روسيا من تلك العقوبات، وربما هددت تركيا بفرض عقوبات اقتصادية، وهو الأمر الذي حدث فعلياً منذ أسبوعين، مما اضطر العديد من البنوك التركية لحظر التعامل ببطاقة مير الائتمانية الروسية، والتي اعتبرت كالتفاف على عقوبة روسيا بإخراجها من اتفاقية سويفت، رغم تأكيد البنوك التركية السابق أنها لأغراض السياحة والتسوق فقط.

كما أن أخطار توقف الحرب في أية لحظة قد تعرقل تنفيذ المقترح، لا سيما إذا ما صاحبته عودة تدفق الغاز ولو جزئياً نحو القارة العجوز، كما يكثر الحديث مؤخراً عن الاستعداد البشري التركي في مجال الخبرات الفنية والتقنية لا سيما في بورصات الغاز، ولكن المرجح أن تتغلب تركيا على ذلك ولو بالاستعانة مؤقتاً بكوادر روسية.

أخطار توقف الحرب الأوكرانية في أية لحظة قد تعرقل تنفيذ المقترح الروسي

لا شك أن تحول تركيا عبر هذا المقترح إلى مركز عالمي للغاز الطبيعي أمر له الكثير من المزايا السياسية والأرباح الاقتصادية، ولكنه محفوف كذلك ببعض المخاطر، فالأمر يتعدى كونه اتفاقاً بين دولتين على نقل الغاز إلى الانتقال إلى بؤرة الحرب الدائرة بداية في أوكرانيا، لذلك من المهم التحوط الشديد ضد الآثار المحتملة خاصة على الاقتصاد التركي الناشئ.

المساهمون