أطلقت وزارة الزراعة والغابات التركية استراتيجيات "كفاءة المياه وخطة العمل في إطار مناخي متغير" في بلد وصفته بغير الغني بالمياه الصالحة للشرب أو الزراعة، وسيبدأ العمل بالاستراتيجية الجديدة في مطلع العام المقبل.
وتحيط المياه بتركيا من 3 جهات، ويجري على أراضيها 22 نهراً و20 جدولا موسمياً، وفيها 7 بحيرات تصنف كبيرة.
وكشفت وزارة الزراعة والغابات التركية أن الاستراتيجية تشمل الأعوام الـ100 المقبلة، بهدف استغلال الموارد بشكل أمثل لمواجهة مشكلة المياه التي قد تتفاقم بفعل ظاهرة التغير المناخي، حيث سيجري تحديد موارد المياه التي ستمتلكها تركيا في المئة عام القادمة، وكيفية استخدامها وحمايتها من الخسائر التي تحصل بالحياة الحضرية، مع رفع شعار توعوي "الماء وطن"، وتوقيع بروتوكولات "الأخوّة المائية" بين البلديات التركية.
وركزت استراتيجية صون المياه بتركيا على تقليل الفاقد أولاً، إذ يبلغ متوسط الفاقد من المياه في المناطق الخاضعة لإدارة البلديات 33%، أي أن ثلث المياه النظيفة المتوفرة تضيع قبل استخدامها، في حين يراوح الفاقد العالمي بين 8 و24%، لذا رأت الوزارة التركية ضرورة تقليل هذه الخسارة إلى أقل من 25% في المناطق الخاضعة لسيطرة البلديات في تركيا.
وعندما يجري تقليل فاقد المياه من 33% إلى 25%، فلن تضيع المياه المكافئة لاحتياجات العاصمة أنقرة المائية لمدة عامين. وإذا جرى تخفيض هذا إلى 10%، فسيجري تحقيق توفير مرتفع للغاية.
وجاءت الركيزة الأخرى من إعادة تقييم طرق الاستفادة من مياه الصرف الصحي، وخصوصاً أن 44% من مياه الصرف الصحي في تركيا قابلة لإعادة الاستخدام، وهذا يعني 3 مليارات و200 مليون متر مكعب من المياه القابلة لإعادة الاستخدام سنوياً.
ومن مجمل 3.2 مليارات متر مكعب من المياه، يستخدم 65% للقطاع الزراعي، و22% للاستخدام البيئي، و10% للصناعة، و2% لتغذية المياه الجوفية، بالإضافة إلى 1% للمناظر الطبيعية و1% أخرى لموارد مياه الشرب.
ولم يفت وزارة الزراعة والغابات التركية خلال استراتيجية المياه للقرن المقبل أن تركز على مياه الأمطار، إذ ورغم استفادة الزراعة منها، لكن جزءاً كبيراً يذهب إلى المجاري أثناء غزارة الهطول وتشكل الفيضانات، ولكن، في البلدان المتقدمة، تستخدم مياه الأمطار مصدرا مهما للمياه الصالحة للاستخدام الزراعي والبشري، ما دفع الوزارة التركية لإدراج مشروعات تجميع مياه الأمطار حيز التنفيذ من خلال دعم التقنيات الحديثة والمتطورة وإطلاق التعاون مع الحكومات المحلية.
ونظراً لزيادة استهلاك المياه من خلال طرق الري التقليدية، تخطط تركيا لزيادة التوجه إلى طرق الري الحديثة ودعم المزارعين مالياً عبر منحة مالية تصل إلى 500 ألف ليرة، إلى جانب دعم الوزارة مشاريع الزراعة بالمياه في نطاق استراتيجية "الزراعة عن طريق المياه".
وتهدف الوزارة إلى تحقيق "أقصى فائدة بأقل قدر من المياه"، مع الخطط التي جرى الانتهاء منها في 6 أحواض، والتي يستمر العمل التحضيري لها في 11 حوضاً، كما جرى إعداد "خطط إدارة الجفاف"، وسيتم الانتقال إلى زراعة النباتات التي تستهلك أقل كمية من المياه في كل حوض.
كما كشفت الوزارة عن خطة تقليل تلوث المياه من خلال الإنتاج الأنظف، من أجل إعادة استخدام المياه بعد إنتاج لا يحتوي على نفايات كيميائية، واعدة بدراسات، بالتوازي مع تقليل تلوث الطبيعة وترشيد استهلاك المياه والنفايات الناتجة عن مياه الشرب.
ويرى الخبير التركي باكير أتاكجان أن بلاده بدأت تعاني، نتيجة الطقس الجاف وزيادة استهلاك المياه، من تراجع منسوب المياه الجوفية والأنهار والبحيرات، خاصة بولاية إسطنبول التي شهدت إقبالاً سكانياً خلال السنوات الأخيرة، ما زاد سكانها عن 15 مليون نسمة.
ويضيف أتاكجان، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن خطة "الماء وطن" متكاملة، لتأتي بالتوازي مع بناء السدود "ألف سد خلال عشرين عاماً، منها مئة سد خلال العام الأخير" بنتائج تعيد الأمان والأمن المائي، بعد تراجع المياه المتاحة في تركيا خلال الـ20 سنة الماضية (حصة الفرد) من حوالي 1650 مترا مكعبا للفرد في عام 2000 إلى أقل من 1350 مترا مكعبا في عام 2020.
واعتبر أن النمو السكاني وتبدل المناخ مخاطر لا بد من مواجهتها بخطط وترشيد وتقنيات، تبعد بلاده عن مخاطر المياه أو التوترات مع دول الجوار، التي تتقاسم معها مياه الأنهار، إذ يتقاسم العراق وسورية مع تركيا مياه نهري دجلة والفرات.
وحول كيفية تقليل فاقد المياه خلال العملية الزراعية، يقول الخبير التركي إن المنحة المجانية التي ستقدمها الحكومة للمزارعين للتحول إلى طرق الري الحديثة، ستنعكس وفرة على المياه، لأن المزارعين أحجموا في ما سبق نتيجة ارتفاع تكاليف الكهرباء والاستبدال (مد الأنابيب وطرق الري بالرش والتنقيط)، وبذلك تتغلب تركيا على حالات الجفاف التي تعصف بها كل خمس سنوات، ومخاطر التبدل المناخي العام الذي يؤثر على كمية الهطول المطري.
يذكر أن مخاوف تركيا من شح المياه دفعها، الشهر الماضي، ولأول مرة، لعقد "مجلس شورى المياه الأول" لمواجهة الضغوط على المياه وتراجع مناسيبها الجوفية والجارية.
وأشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال المؤتمر، إلى ضرورة حماية الموارد المائية قبل وصولها إلى حد النضوب واستخدامها بكفاءة، وإدارتها بشكل صحيح، لأن ذلك لم يعد خيارا، بل أصبح ضرورة، مشيراً إلى أن حكومته تنفذ 90 مشروعا لمياه الشرب في أنحاء البلاد، لتوفير 1.8 مليار متر مكعب إضافي من المياه سنويا.
وفي حين أشار أردوغان إلى زيادة الضغوط على منابع المياه التي سترتفع قيمتها الاستراتيجية في القرن القادم، بيّن أن موارد المياه النظيفة الصالحة للاستخدام تتناقص بسرعة بسبب الاستهلاك السريع والتلوث، في حين تتزايد الحاجة فيه إلى تلك الموارد، مبينًا أن توقعات تقرير تنمية المياه في العالم تشير إلى أن نحو 6 مليارات إنسان لن يستطيعوا الوصول إلى مياه نظيفة كافية عام 2050، خاتماً أن "تركيا ليست بلدا غنيا بالمياه، وتشير الدراسات العلمية إلى أن كمية مياهنا الصالحة للاستخدام الموجودة 1340 مترا مكعبًا للفرد سنويا".
يذكر أن تركيا تساهم باستثمارات خارجية بالمياه خارج حدودها، أهمها بالقارة الأفريقية، حيث ساهمت في وصول المياه النظيفة والصالحة للاستخدام لنحو مليوني شخص بأفريقيا عبر 512 بئرا حفرتها تركيا، كما ساهمت في تلبية احتياجات قرابة مليون ونصف مليون شخص في سورية عبر حفر 143 بئرا في المناطق التي تنفذ فيها أنشطة إغاثية إنسانية وأمنية خاصة، بحسب الرئيس التركي.