تراجع إنتاج العسل في غزة بسبب التغيرات المناخية وعدوان الاحتلال

04 مايو 2023
التغير المناخي أثر بشكل مُباشر على إنتاجية النحل في غزة (العربي الجديد)
+ الخط -

فوجئ مُربي النحل الفلسطيني حمادة حمادة، من مدينة غزة، بكمية العسل الموجودة داخل الخلايا التي يعتني بها على مدار العام، إذ لم تصل لنصف الكمية المعتادة، ما يُنذر بموسم قطاف قاسٍ وغير مسبوق.

ويرجِع ضعف الإنتاجية في موسم العسل لهذا العام لدى نحو 700 مُربي نحل فلسطيني في قِطاع غزة إلى جُملة من العوامل الطبيعية، والتي تبدأ بالتغير المناخي، الذي أَثّر بشكل مُباشر على النحل وعلى نوار أزهار الحمضيات التي يتغذى عليها، وبالتالي على أعداد خلايا النحل التي تقلصت من 35 ألفا إلى 20 ألف خلية تقريبًا، والتي انعكست بالمجمل على كميات الإنتاج.

وتأثرت أشجار الحمضيات، والتي تُعتبر المصدر الأساسي للرحيق الذي يتغذى عليه نحل القطاع بعدة عوامل، بدأت بالتغير المناخي، والتجريف الإسرائيلي الدائم للمناطق الحدودية التي تفصل غزة عن الأراضي المُحتلة، إلى جانب قصف الأراضي الزراعية خلال جولات التصعيد والحروب المُتتالية على القِطاع المُحاصر منذ عام 2006.

ويقول حمادة، الذي يمتلك منحلاً، إن موسم العسل في العام الحالي يشهد تراجعا كبيرا، إذ تواجه الحمضيات موسماً سيئاً للغاية، وهي الأشجار التي يعتمد عليها النحل بشكل كبير في غذائه، خاصة مع انعدام وجود مراع خاصة بالنحل، أو النباتات الرحيقية، باستثناء أزهار الكينيا، والتي تُزهر في الخامس عشر من مايو/ أيار من كل عام.

تأثرت أشجار الحمضيات، والتي تُعتبر المصدر الأساسي للرحيق الذي يتغذى عليه نحل القطاع بعدة عوامل، بدأت بالتغير المناخي، والتجريف الإسرائيلي الدائم للمناطق الحدودية التي تفصل غزة عن الأراضي المُحتلة

ويُرجِع حمادة، في حديث مع "العربي الجديد"، سبب تأثر أشجار الحمضيات وموسم قِطاف العسل باستبدال زراعة الحمضيات باستيرادها من الجانب المصري، والاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى التغير المناخي، وتذبذب سقوط الأمطار، والطقس المُتقلب، حيث يتسبب ذلك بتساقط الأزهار وفقدان الرحيق. ويقول: "في لحظات البرد الشديد، لا يُغادر النحل الخلايا، ويتغذى على كميات من العسل، ما يتسبب بخسائر إضافية".

ولا يعتمد حمادة في منحله الذي يضم نحو 120 خلية مُتفرقة في عدد من المناطق الشرقية على تغذية النحل بالسُكر للحصول على عسل مُنتج من التغذية الرحيقية، والتي تُنتج العسل الصافي والجيد، إلا أنه يواجه نقصاً في الكميات المُنتجة، إذ وصل إنتاج الخلية إلى كيلوغرامين من العسل، مُقارنة بـ7 كيلوغرامات في السابق.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويتشارك مُربي النحل شادي زيارة مع بقية زملاء المهنة الواقع ذاته، ويقول لـ"العربي الجديد": "أعمل في تربية النحل وإنتاج العسل منذ عام 1997، إلا أنني لم أواجه موسماً بهذا السوء، بسبب تدني كمية الإنتاج نتيجة عدم اعتدال المناخ في فصل الربيع، وعدم استقرار الأجواء، ما أثر على قدرة النحل على جمع الرحيق".

ويعتمد زيارة على مهنة تربية النحل كمصدر أساسي لرزقه هو وثلاثة من أفراد عائلته، إذ يعتني بالخلايا على مدار العام على أمل الاستفادة من الموسم خلال فصل الربيع، مُضيفًا: "في حال تأثُر الموسم، فإن تعب العام يذهب سُدى ونتعرض لخسائر كبيرة، دون الحصول على تعويضات من أي جهة".

من جانبه، يصِف مدير الجمعية التعاونية لمُربي النحل في قطاع غزة عماد غزال موسم قطاف العسل لهذا العام بالضعيف نتيجة لعدة أسباب، يتعلق أبرزها بظاهرة التغير المناخي في حوض المتوسط، والتي أثرت بالسَلب على تربية النحل.

وعن تفاصيل التأثير المناخي، يُبين غزال، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن درجة الحرارة في شهر يناير/ كانون الثاني كانت أعلى من مُعدلها السنوي، إلى جانب انحباس الأمطار لما يزيد عن 35 يوماً، ما أَدى إلى جفاف الغطاء النباتي الذي يتغذى عليه النحل، والذي يُساهِم بتطور الخلية، تمهيدا لدخولها فصل الربيع وموسم الأزهار وهي في حالة قوية، ما يزيد من إنتاجيتها، لكن وقع العكس، ما ساهم في دخول الكثير من الخلايا في موسم تزهير ضعيف، وجعل إنتاجها ضعيفا.

يُعيل قطاع العسل نحو 5 آلاف شخص، إلى جانب الحرف القريبة من المهنة، مثل النجارين الذين يصنعون براويز النحل، والخياطين الذين يُحيكون ملابس مُربي النحل وغيرهم، فيما يُعتبر قِطاع النحل حيوياً ومهماً

أما بخصوص باقي أسباب تأثر موسم النحل لعام 2023، فتتعلق بظاهرة "المُعاومة"، وفق حديث غزال، وهي ظاهرة تحدث للأشجار المثمرة، إذ تكون أزهارها وثمارها غزيرة في عام، وخفيفة في العام الذي يليه، مبينا أن أزهار الحمضيات، أو الزيتون، لم يتجاوز تزهيرها في العام الحالي نسبة 10%، ما أثر على الإنتاجية، إلى جانب تقلص الأراضي المزروعة بالحمضيات بسبب الحروب على غزة، والقصف الإسرائيلي للمساحات الزراعية.

وقلّصت تلك الأسباب عدد الخلايا، التي كانت قبل قدوم السلطة الفلسطينية إلى غزة عام 1994 تُقدر بحوالي 35 ألف خلية نحل، إلى أن وصلت في السنوات الأخيرة إلى نحو 20 ألف خلية نحل، بالإضافة إلى تراجع إنتاجية الخلية الواحدة، والتي كانت تُنتج نحو 25 كيلوغرام عسل صاف، وأصبحت لا تتجاوز إنتاجية خلية النحل في الوقت الحالي 7 إلى 8 كيلوغرامات عسل، وفق حديث غزال.

ويُعيل قطاع العسل نحو 5 آلاف شخص، إلى جانب الحرف القريبة من المهنة، مثل النجارين الذين يصنعون براويز النحل، والخياطين الذين يُحيكون ملابس مُربي النحل وغيرهم، فيما يُعتبر قِطاع النحل حيويا ومهما، حيث يعمل النحل على زيادة التلقيح الخَلقي للنباتات، مثل اللوزيات والقرعيات، ويساهم بحوالي 35% من عقد الثِمار، وبالتالي زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية الأخرى.

ويُبين رئيس قسم النحل في وزارة الزراعة بغزة إيهاب طه أن القِطاع يمتلك نحو 25 ألف خلية نحل، تتركز غالبيتها في المناطق الحدودية بسبب كثافة الغطاء النباتي، وتعود إلى حوالي 700 نحال، وتعتبر مهنتهم ومصدر دخلهم الأساسي.

ويُشير طه، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن إنتاجية الخلية تراوح بين 7 و7 كيلوغرامات ونصف كيلوغرام عسل صاف، فيما يُنتج قطاع غزة سنويا ما بين 170 و200 طن عسل صاف، إذ يتم فحص جودته دورياً للتأكد من مُطابقته للمواصفات الفلسطينية، فيما تسعى الوزارة إلى تطوير أداء ومهارات مربي النحل لتحسين إنتاجية وأعداد الخلايا في القطاع.

ويواجِه قطاع النحل، والذي يتركز وجود خلاياه في المناطق الشرقية، خطر الاستهداف الإسرائيلي المباشر، إلى جانب تهميش المؤسسات المعنية، إذ تعرض مُربو النحل لخسائر جسيمة في الحروب والظواهر الطبيعية، دون أن يتم تعويضهم، علاوة على عدم الاهتمام الكافي من قبل المؤسسات المعنية.

المساهمون