في خطوة تحد جديدة أعلنت المملكة العربية السعودية، وغيرها من أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك+)، أمس الأحد، المزيد من التخفيضات في إنتاج النفط بحوالي 1.16 مليون برميل يوميا، رغم المحاولات المتتالية من الادارة الأميركية للضغط على المملكة لزيادة الإنتاج أملا في الحد من ارتفاع الأسعار.
وفي أول أيام الأسبوع، ارتفع سعر خام برنت بأكبر نسبة ارتفاع فيما يقرب من العام، حيث قفز 4.75 دولارات، مثلت أكثر من 6% من قيمته قبل إعلان قرار خفض الإنتاج.
وانتقدت واشنطن القرار، حيث أكد منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، اليوم الاثنين، أن تخفيضات منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) للإنتاج "لا يُنصح بها نظراً للضبابية في السوق".
وذكر كيربي أن "البيت الأبيض أوضح ذلك لأوبك"، بحسب "رويترز"، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع المنتجين والمستهلكين لضمان النمو وخفض الأسعار للمستهلكين.
وقال محللون إن هذا الخفض يضاف إلى ما أعلنته روسيا من خفض نحو 500 ألف برميل يوميًا من إنتاجها من مستويات إنتاج فبراير/شباط، حتى نهاية العام، وهو ما يجعل التخفيضات الطوعية لأعضاء أوبك+ تتجاوز 1.6 مليون برميل يوميًا.
وأشاروا إلى أن قرار "أوبك+" ربما يكون رداً على ما أعلنته وزيرة الطاقة الأميركية جنيفر جراهولم من إمكانية أن يستغرق الأمر عدة سنوات لكي يتم تعويض المخزونات التي قررت الإدارة الأميركية الإفراج عنها خلال الأشهر الماضية.
وتمثل قرارات خفض الإنتاج، من مجموعة الدول التي تنتج ما يقرب من 40% من الإنتاج العالمي، أهمية خاصة للرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يستعد لإطلاق حملة إعادة انتخابه، حيث يأمل في القضاء على معدل التضخم المرتفع، قبل الوصول إلى موعد الانتخابات.
وفي أكثر من مناسبة، أكد جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي، أن ارتفاع أسعار الطاقة، ومنها النفط، كان العامل الرئيسي لارتفاع معدل التضخم في أميركا.
وتوقع تاماس فارجا، محلل الأسواق في وسيط تعاقدات النفط "بي في إم"، أن يتسبب قرار المنظمة الأخير في ارتفاع الأصوات المطالبة بمعاقبة "أوبك+" في الكونغرس، والمؤيدين لنشريع "نو أوبك" أو "NOPEC".
والتشريع المقترح سيكون من شأنه أن يضع الدول الأعضاء في "أوبك+" أمام إجراءات قانونية محتملة، تتهمها بالاحتكار.
وانتقدت إدارة بايدن، في العديد من المناسبات، مجموعة أوبك+ لخفضها الإنتاج، مشيرة إلى ما يسببه ذلك من ارتفاع للأسعار في أميركا، الأمر الذي يزيد من الصعوبات التي تواجهها الأسر الأميركية.
ووجهت الإدارة اتهامات لبعض الدول التي اعتبرتها تتعاون مع روسيا، الواقعة تحت العقوبات.
وتؤدي القيود المفروضة على الإنتاج إلى انخفاض العرض، ومن ثم ارتفاع أسعاره، الأمر الذي يوفر الأموال التي تحتاجها روسيا لتمويل حربها على أوكرانيا.
وفي أعقاب اتخاذ أوبك+ قرارا في أكتوبر/تشرين الأول، قبل أقل من شهر من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، بخفض إضافي في إنتاج النفط بمليوني برميل يومياً، تصاعد التوتر ما بين الولايات المتحدة والغرب عامة من ناحية، والدول المنتجة للنفط والسعودية خاصة من ناحية أخرى، ما دفع الرئيس الأميركي وإدارته إلى تهديد السعودية صراحة بـ"العواقب".
وجاء الرد حاسما وجماعيا بعدها، باسم كافة دول الخليج المنتجة لنحو 20% من إنتاج النفط العالمي وكميات ضخمة من الغاز، عبر بيان مجلس التعاون الخليجي الذي دعم السعودية في وجه التهديدات التي تتلقاها من إدارة بايدن.
وقالت حكومة السعودية وقتها إن الخفض الأخير في الإنتاج النفطي يهدف إلى "الحفاظ على سوق نفط مستدام"، لكن البيت الأبيض اتهم الرياض بالانحياز إلى جانب روسيا في حربها ضد أوكرانيا، وحذر من أن الولايات المتحدة تتطلع إلى "إعادة تقييم" علاقتها مع المملكة نتيجة لذلك.
وفي يوليو/تموز الماضي، زار بايدن المملكة، واجتمع بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ليقول البيت الأبيض بعد عودته لواشنطن: "نتوقع أن يزيد كبار منتجي النفط في تحالف (أوبك+) إنتاج الخام، في أعقاب رحلة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط".
كما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير للصحافيين: "سنقيس النجاح في الأسبوعين القادمين... نتوقع أن تكون هناك زيادة في الإنتاج"، مضيفة أن تلك مسؤولية "أوبك+".
وبعدما توقعت الأسواق زيادة بنحو 500 ألف برميل يومياً، قررت أوبك+ زيادة ضعيفة، لم تتجاوز مائة ألف برميل يومياً، الأمر الذي تسبب في ارتفاع الأسعار وقتها، واقترابها مرة اخرى بعد فترة وجيزة من مائة دولار للبرميل.
وبعد ثلاثة أسابيع، قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان لوكالة "بلومبيرغ" إن لدى تحالف "أوبك+" الوسائل للتعامل مع التحديات، مثل إمكانية خفض إنتاج النفط.
وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، في مارس/آذار 2022، وبالتزامن مع ملامسة سعر برميل النفط من حام برنت سعر 140 دولارا للبرميل، أعلنت "أوبك+" الاستمرار في استراتيجيتها المتمثلة في الزيادة الطفيفة لإنتاج النفط، رغم الضغوط الغربية من أجل زيادة الإنتاج.
واضطر البيت الأبيض وقتها لإعلان خطة لسحب ما يصل إلى مليون برميل يوميا من الاحتياطات الاستراتيجية الأميركية.
أيضاً كانت العلاقة بين "أوبك+" والرئيس السابق دونالد ترامب معقدة، وسيطرت عليها الخصومة في كثير من الأحيان، حيث اعتاد ترامب انتقاد المنظمة لتسببها في ارتفاع أسعار النفط، الأمر الذي قال إنه يضر المستهلكين الأميركيين.
وهدد ترامب باتخاذ إجراءات ضد أوبك، بما في ذلك فرض رسوم جمركية على واردات النفط، إلا أن رغبته الدائمة في الحفاظ على علاقة وثيقة مع المملكة العربية السعودية منعته من ذلك.
وفي عام 2020، تسببت جائحة كوفيد في انخفاض حاد في الطلب على النفط، ومن ثم انهيار أسعاره، الأمر الذي هدد بالإضرار بصناعة النفط الأميركية. وحث ترامب وقتها أوبك على خفض الإنتاج لدعم أسعار النفط، وهو ما قامت به.