تجارة الفائدة من طوكيو إلى بكين

29 اغسطس 2024
رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في مؤتمر صحفي، 31 يوليو 2024 (أندرو هارنيك/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في 5 أغسطس، شهدت الأسواق انهيارًا بسبب تجارة الفائدة بالين الياباني، حيث قام المستثمرون ببيع الأصول ذات المخاطر وارتفع الين.
- بلومبيرغ أشارت إلى أن تجارة الفائدة باليوان الصيني قد تكون أكثر حصانة، نظرًا لسياسة البنك المركزي الصيني النقدية الهادئة وتوقعات انخفاض قيمة اليوان.
- رغم انهيار تجارة الفائدة بالين، حققت تجارة الفائدة باليوان عائدًا بنسبة 0.5%، بفضل قيود بنك الشعب الصيني التي تحد من حجم الصفقات وتحقق استقرارًا نسبيًا.

في الخامس من أغسطس/آب الحالي، شهدت أسواق الأسهم حول العالم، ومنها السوق اليابانية والأميركية، شبه انهيار، بسبب عمليات الصفقات التمويلية المعروفة باسم تجارة الفائدة أو ما يطلق عليه Carry Trade، والتي سمحت للمستثمرين الكبار وصناديق التحوط بالاقتراض بعملات منخفضة الفائدة مثل الين الياباني، للاستثمار في أصول ذات عوائد أعلى. ومع رفع بنك اليابان (المركزي) الفائدة مرتين في أقل من خمسة أشهر، وزيادة التقلبات في السوق، توجه المستثمرون إلى إقفال هذه الصفقات، مما أدى إلى بيع سريع للأصول ذات المخاطر، وارتفاع حاد في قيمة العملات الممولة مثل الين. 

سبّب هذا التحول المفاجئ عدمَ استقرار واسعاً في الأسواق، كما سبّب خسائر ضخمة لحاملي الأسهم حول العالم، وانهارت تقريباً تجارة الين التي كانت تحظى بشعبية كبيرة مع ارتفاع قيمة العملة اليابانية. وقالت وكالة بلومبيرغ بعد ذلك إنه من المرجح أن تكون النسخة الأقل شهرة من هذه الاستراتيجية أكثر حصانة ضد هذا النوع من الصدمات، في إشارة إلى إمكانية تكرار الاستراتيجية نفسها، مع إحلال الين الياباني باليوان الصيني.

وقالت وكالة بلومبيرغ إن بنك رويال الكندي اعتبر أن الصفقات التي تنطوي على اقتراض اليوان الصيني لشراء أصول ذات عائد أعلى يمكن أن تكون أكثر مرونة مع احتفاظ البنك المركزي الصيني بسياسته النقدية الهادئة. وأكد البنك الكندي أن تجارة الفائدة ستختلف لو تمت باليوان بدلًا من الين، معللاً ذلك بأنها تنطوي بشكل أساسي على تعاملات اقتصادية حقيقية، تخص المصدرين والشركات متعددة الجنسيات بدلاً من المضاربين كما كان الحال في تجارة الين.

وتعزز فكرة تجارة اليوان في الوقت الحالي توقعات باستمرار انخفاض قيمة العملة الصينية أمام الدولار، وأمام سلة من العملات الرئيسية، نظراً إلى سعي بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) لتخفيف سياساته النقدية، وهو ما يفترض ألا يسمح بارتفاع كبير في سعر اليوان. وقال البنك الكندي إن "اقتصاد الصين يعاني، ومن المتوقع على نطاق واسع أن تستمر معاناته لبعض الوقت، وقد أشار بنك الشعب الصيني بالفعل إلى أنه سيخفف السياسة النقدية أكثر في الأشهر المقبلة".

وحققت تجارة الفائدة التي تنطوي على اقتراض اليوان والاستثمار في سلة من ثماني عملات الأسواق الناشئة عائدًا بنسبة 0.5% خلال الربع الحالي، على الرغم من خسارة البديل الممول بالين لنحو 7%، وفقًا للبيانات التي جمعتها بلومبيرغ. وامتد انهيار تجارة الفائدة بالين، في أعقاب قرار بنك اليابان في 31 يوليو/تموز برفع الفائدة، بصورة جزئية، إلى اليوان. وفي حين قفز الين بنسبة 6.8% خلال الأسبوع المنتهي في الخامس من أغسطس، ارتفع اليوان بنسبة 1.7% خلال الفترة نفسها. ويؤدي الارتفاع في قيمة عملة تمويل تجارة الفائدة (الين أو اليوان) إلى تقليص العائدات المحققة.

ورصد الاقتصاديون مجموعة من الاختلافات التي يمكن أن تحمي أصحاب تجارة اليوان من مصير نظرائهم في تجارة الين، كان أولها القيود الجزئية التي يفرضها بنك الشعب الصيني على قابلية عملته للتحويل، حيث تحد السلطات من تدفقات العملات الأجنبية الداخلة والخارجة. وهذا أمر شديد الأهمية، كونه يحد تلقائيًّا من حجم صفقات تجارة فائدة اليوان مقارنة بصفقات الين، كما يساعد على تحقيق استقرار نسبي لقيمة العملة، ما يمنحها جاذبية إضافية باعتباره مرشحًا محتملًا لتجارة الفائدة.

وفي حين تم استثمار الصفقات الممولة بالين عبر مجموعة واسعة من الأسواق الخارجية، فإن النسبة الأكبر من الصفقات التي تستخدم اليوان المقترض سيتم الاحتفاظ بالدولار المقابل لها من قبل المصدرين الصينيين والشركات متعددة الجنسيات. وتمت تجربة تجارة الفائدة باليوان الصيني من قبل عدة مرات، ولكنها لم تنجح بالقدر الملحوظ إلا خلال عام 2022، بعد أن دفعت زيادات أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) عوائد السندات الأميركية إلى ما فوق التكاليف الصينية بصورة ملحوظة. وجمع وقتها المصدرون الصينيون والشركات متعددة الجنسيات أكثر من 500 مليار دولار من حيازات الدولار منذ عام 2022.

ومع ذلك، قد يكون الحجم الإجمالي للصفقات الممولة باليوان محدودًا لأن بنك الشعب الصيني لديه الأدوات الكافية لمنع التراكم المفرط للمراكز المضاربة. وهذا يعني أن هناك احتمالات كبيرة لعودة تجارة الفائدة إلى الانتشار من جديد، وإن كان المرشح الأكبر الآن للتمويل هو اليوان.

ونصحت العديد من البنوك وشركات إدارة الثروات المستثمرين باقتراض اليوان وبيعه والاستثمار في الأصول الدولارية، مؤكدين وجود فرص ربحية كبيرة في هذا النوع من الاستثمار، في تجاهل واضح لما حدث في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، والذي اقترب بالأسواق من أكبر كوارثها المالية.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

في بداية دخولي عالم الاستثمار، قالوا لنا إن ما يحرك الأسواق دائماً هو الخوف والطمع، كونهما يلعبان عادة دورًا محوريًّا في توجيه سلوك المستثمرين. الطمع يدفع المستثمرين نحو تقبل المخاطر والاستثمار في الأصول مرتفعة العائد، على أمل تحقيق مكاسب كبيرة في وقت قصير. ومن ناحية أخرى، يأتي الخوف ليلعب دوره عند حدوث تقلبات أو الاقتراب من الأزمات، مما يدفع المستثمرين إلى بيع أصولهم بشكل جماعي لتجنب الخسائر، وهو ما يؤدي إلى انهيارات سوقية مفاجئة، وينتج عنه تضخيم آثار الأزمات الاقتصادية. ويقول الخبراء إن سيطرة الخوف والطمع بصورة مبالغ فيها على المتعاملين غالبًا ما تكون وراء تفاقم الفقاعات السوقية وزيادة التقييمات بشكل غير منطقي.

وبعيداً من أسواق المال العالمية، تقول الحكمة العربية "لا تسلم الجرة في كل مرة"، وهو ما يعني أن النجاة والحظ الجيد ليسا مضمونين في كل مرة يتم فيها تجربة الشيء نفسه أو اتخاذ المخاطرة نفسها. وهذا يفرض علينا جميعاً تجنب الإفراط في الثقة في أي أداة استثمارية، خاصة في عالمنا الحالي، الذي يشهد كل يوم كماً هائلاً من التطورات، كانت في السابق تحتاج إلى شهور وربما إلى سنين، لحدوثها.

المساهمون