"بلومبيرغ": الإمارات تراكم الصفقات في أفريقيا لمنافسة الصين وفرنسا

21 مارس 2024
الليثيوم والكوبالت والنحاس من الموارد الطبيعية المستهدفة بالاستثمار (جونيور كنا/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الإمارات تعهدت بتعزيز استثماراتها في أفريقيا في 2021، مستهدفة قطاعات مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، في خطوة لتوسيع نفوذها الجيوسياسي ومنافسة قوى عالمية.
- تدخلت الإمارات في الشؤون السياسية الأفريقية، مثل دعم خليفة حفتر في ليبيا وتقديم مساعدات مالية لدول مثل مصر والسودان، لتعزيز مكانتها كشريك استراتيجي.
- تسعى الإمارات لاستغلال الموارد الطبيعية الأفريقية لدعم تحولها نحو الاقتصاد الأخضر وتأمين أمنها الغذائي، من خلال استثمارات في الطاقة المتجددة والزراعة.

سعياً وراء النفوذ الجيوسياسي، تعهدت الإمارات عام 2021 بالتوسع بقوة في أسواق تتجاوز آفاقها المعتادة مثل أفريقيا.

ومنذ ذلك الحين، التزمت باستثمارات أكبر في اقتصادات أفريقيا أكثر من أي دولة أخرى، وهي الآن تتنافس على النفوذ مع لاعبين راسخين مثل الصين وفرنسا، وفقاً لتقرير موسّع حول الموضوع نشرته شبكة "بلومبيرغ" الأميركية اليوم الخميس.

وتراكم الإمارات حضورها في القارة السمراء بجهود مشتركة على مستوى الحكومة والقطاع الخاص معاً.

وقد بادرت الإمارات الشهر الماضي لإنقاذ لاقتصاد المصري من خلال صفقة بقيمة 35 مليار دولار، وهو رقم يمثل 7% من الناتج الاقتصادي السنوي للإمارات، وستكون على استعداد لاستثمار مبلغ مماثل في دولة أفريقية مختلفة إذا أتيحت لها فرصة جديدة لتقديم نفسها، وفقاً لما نسبت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية إلى مسؤول مطلع على خطة إنقاذ مصر طلب عدم الكشف عن هويته.

وفي حين أن أرقام الاستثمار الأجنبي المباشر هذه تحسب الأموال التي تم التعهد بها والتي لم يتم إنفاقها بالضرورة، بناء على الصفقات التي يشهدها، قال أكبر بنك في أفريقيا إنه واثق أيضاً من أن الإمارات مرشحة لتصبح من أكبر مصادر الاستثمار الأجنبي في القارة على مدى 5 سنوات مقبلة.

وفي هذا الصدد، قال الرئيس التنفيذي لمجموعة "ستاندرد بنك غروب" المحدودة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، راسم زوك لـ"بلومبيرغ"، إن النمو "ليس خطياً"، مضيفاً: "قبل عامين، كان النمو مذهلاً، وفي العام الماضي كان لا يزال في خانة العشرات بشكل مريح، إنما خلال عامين أو ثلاثة قادمة سنشهد عودة إلى النمو في الثلاثينيات وما فوق".

ومع تضاؤل التمويل الصيني للبنية التحتية وتراجع المشاركة الغربية، اقترنت التدفقات النقدية من أبوظبي بنشاط دبلوماسي منسق، في نهج ينعكس بدرجة أقل في جارتيها السعودية وقطر. وقد نقلت هذه الطموحات الإمارات إلى ما هو أبعد من مجال النفوذ التاريخي لدول الخليج في شمال أفريقيا، ومن القرن الأفريقي المجاور إلى كل ركن من أركان القارة.

حول هذه النقطة، قال المحاضر في قضايا أمن الشرق الأوسط في كلية "كينغز كوليدج" في لندن، أندرياس كريغ، إن ما كانت تمارسه الإمارات من خلال هذه الصفقات هو نوع من "فن الحكم المرتكز على الشبكة" (network-centric statecraft). وسعياً وراء النفوذ، يحاول الإماراتيون "وضع أنفسهم كبوابة إلى أفريقيا لروسيا والصين، ولكن أيضاً للدول الغربية".

خريطة الاستثمارات الإماراتية في أفريقيا

وتعهدت الإمارات بضخ 52.8 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر عام 2022، عندما تصدرت لأول مرة تصنيفات الاستثمار، وهو ما يتجاوز مساهمات بكين بمقدار 20 مرة ومساهمات الولايات المتحدة بسبع مرات، وفقاً لبيانات من "إف دي أي ماركتس" fDi Markets. وقد انخفض هذا الرقم إلى 44.5 مليار دولار عام 2023، أي نحو ضعف نظيره في الصين التي حلت في المرتبة الثانية.

وتتركز هذه الاستثمارات أساساً في الطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية والتكنولوجيا والعقارات والزراعة. وأضاف زوك من "ستاندرد" أنه بعد جائحة كوفيد، "أُعيد تقييم السوق، لذلك هناك نقطة دخول مثيرة للاهتمام للغاية للعديد من المستثمرين الآن".

الإمارات وخطة الإنقاذ المصرية.. شريان حياة مالي؟

ووسعت خطة الإنقاذ المصرية الشهر الماضي استراتيجية الإمارات المتمثلة في تقديم شرايين حياة مالية كبيرة للدول الأفريقية، بعدما قدمت في السابق لمساعدة السودان وإثيوبيا. 

وإلى جانب هذه الصفقات، وقعت أبوظبي عشرات اتفاقيات الاستثمار منذ عام 2019 مع دول أبعد، مثل زامبيا وزيمبابوي وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

وبعيداً من تدفقات الاستثمار، لعبت الإمارات أيضاً دوراً في الشؤون السياسية الداخلية لأفريقيا. فقد دعمت خليفة حفتر في حرب ليبيا، والرئيس الإثيوبي أبي أحمد في حربه على متمردي تيغراي.

ووفقاً لتقرير مسرّب للأمم المتحدة، دعمت مليشيا قوات الدعم السريع في السودان، حيث تتسبب حرب أهلية وحشية في أكبر نزوح داخلي في العالم واتهامات بارتكاب جرائم حرب، مع أن الإمارات تنفي تزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

كما ركزت الشركات التي تتخذ الإمارات مقراً لها في المقام الأول، على الاقتصادات الأفضل نمواً في أفريقيا، حيث تزيد البنية التحتية القوية والتوسّع الاقتصادي الطلب على الطاقة، وفقاً لرئيس الشؤون الحكومية والبنية التحتية في "إي واي أفريكا" EY Africa، سانديل هلوفي.

وتشمل هذه الدول مصر والمغرب وجنوب أفريقيا وكينيا، التي أصبحت في فبراير/شباط الدولة السادسة التي توقع اتفاقية تجارة حرة خاصة مع الإمارات، بعد الدول ذات الثقل الاقتصادي مثل الهند وإندونيسيا.

وتخطط شركة "إيه إم إي إيه باور" AMEA Power LLC، مقرها دبي، والتي تطوّر مشاريع في أكثر من 12 دولة أفريقية، لإنفاق مليار دولار على مشاريع الطاقة المتجددة في القارة هذا العام.

وفي هذا المجال، قال رئيس مجلس إدارة "شركة النويس للاستثمارات المحدودة" المالكة لمنطقة آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، حسين النويس: "إنهم بحاجة إلى الطاقة، وهم ينعمون بالموارد"، بما في ذلك وفرة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية. ووفقاً للبنك الدولي، فإن ما يقل قليلاً عن نصف سكان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لا يحصلون على الكهرباء.

البحث عن النحاس والليثيوم والكوبالت في أفريقيا

وسيكون النحاس والليثيوم والكوبالت من وسط وجنوب أفريقيا حاسماً، سواء بالنسبة للتحوّل إلى الطاقة الخضراء الذي تأمل الإمارات في قيادته أو لجهودها لتنويع اقتصادها بعيداً من النفط والغاز الذي غذى صعودها السريع. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، دفعت "الشركة الدولية القابضة"، وهي المجموعة التي تبلغ قيمتها 240 مليار دولار والتي يسيطر عليها شقيق الرئيس الشيخ محمد بن زايد، 1.1 مليار دولار مقابل حصة قدرها 51% في مناجم موباني للنحاس في زامبيا.

وقد تم تعزيز هذا التركيز على مصادر الطاقة المتجددة في قمة المناخ الأفريقية في سبتمبر/أيلول، وهو المؤتمر الذي انعقد في كينيا والذي سبق انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) الذي استضافته دبي، والذي أعلن فيه سلطان أبوظبي أحمد الجابر عن تمويل بقيمة 4.5 مليارات دولار للمناخ في القارة.

ومن المقرر أن تقود ذلك "مصدر"، شركة الطاقة المتجددة المملوكة للدولة والتي يرأسها الجابر، في حين تعهدت شركة AMEA التي يرأسها النويس بمبلغ مليار دولار في استثمارات في الأسهم كجزء من الصفقة، وهي علامة على كيفية تحرك القطاعين العام والخاص معاً في البلاد.

وقال النويس إن "الإمارات تنظر إلى هذا باعتباره فرصة، وباعتباري مستثمراً، رأيت ذلك بطريقة كبيرة. تلك القارة غنية بجميع أنواع الموارد، لكن لسوء الحظ لم يتم تطويرها بالكامل بعد".

واشترت "مصدر" عام 2022 أيضاً حصة في شركة الطاقة المتجددة بجنوب أفريقيا، "ليكيلا باور"، وهي إحدى أكبر شركات الطاقة الخضراء في أفريقيا.

تنافس إماراتي سعودي على توسيع النفوذ الاقتصادي في أفريقيا

والإمارات ليست الدولة الخليجية الوحيدة التي تسعى إلى توسيع نفوذها في أفريقيا. وقد بذلت السعودية وقطر جهوداً مماثلة في السنوات الأخيرة، حيث حشدتا موارد الدولة والقطاع الخاص. فقد وقعت شركة "أكوا باور"، مقرها الرياض، مذكرة تفاهم لاستثمار 10 مليارات دولار في صناعة الطاقة المتجددة في جنوب أفريقيا على مدى السنوات العشر المقبلة.

أما الإمارات فقادت استثماراتها في أفريقيا "موانئ دبي العالمية"، وهي شركة الخدمات اللوجستية التي تتخذ دبي مقراً وتدير الآن 9 موانئ بالقارة، في بلدان مثل السنغال وأنغولا وجنوب أفريقيا.

وهذا هو الوجود الأكثر وضوحاً للبلاد في أفريقيا، حيث وقعت أولى صفقاتها في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ووقعت أحدث صفقاتها مع تنزانيا في أكتوبر/تشرين الأول.

وفي العام 2022، اشترت شركة "إمبيريال لوجيستيكس" Imperial Logistics الجنوب أفريقية مقابل 890 مليون دولار، مما أتاح لها الوصول إلى القنوات اللوجستية والمستودعات في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

لكن الإمارات تتطلع أيضاً إلى أفريقيا للتعويض عن نقاط ضعفها، بما في ذلك اعتمادها على الواردات الغذائية. وفي إطار الجهود الرامية إلى تحقيق الأمن الغذائي، استحوذت الشركات الإماراتية على أراضٍ زراعية في السودان وزيمبابوي وأنغولا، حيث وقعت "شركة دبي للاستثمار" وشركة "إي20" E20 للاستثمارات ومقرها أبوظبي في يوليو/تموز الماضي، اتفاقاً لتطوير 3750 هكتاراً من مزارع الأرز والأفوكادو، وهي مساحة تعادل نحو 5500 ملعب كرة قدم.

(بلومبيرغ)

المساهمون