- النظام السوري يواجه انتقادات بسبب سياساته الاقتصادية، بما في ذلك سحب الدعم عن السلع الأساسية، مما يزيد الأزمة الاقتصادية ويضع عبءًا على المستهلكين.
- هذه السياسات تؤدي إلى ركود تضخمي وتراجع في الإنتاج والتصدير، مما يشير إلى الحاجة الماسة لإعادة النظر في نهج الدعم والتدخل الاقتصادي لتحقيق التوازن.
أضاف رئيس النظام السوري بشار الأسد، عبر كلماته وحواراته، مدارس جديدة للفلسفة، تعدت، بعد خلطه الواقعية بالمثالية، جدليات جنس الملائكة وأسبقية البيضة والدجاجة، ووصل، جراء ما بعد البراغماتية، لضمان صمت الحضور والمخاطبين أو الرد بثناء ومديح يصل إلى حدود التأليه، وهو المطلوب والمشتهى، كما شاهدنا خطيب مسجد التقوى بمشروع دمر في العاصمة دمشق، بعد صلاة العيد قبل أيام، وقت قال لبشار الأسد: "ماذا سنحكي أمام سيادتك، الله يزيدكم من مدده ويديم فكركم، فلسفة اقتصاد سياسة وعلم اجتماع.. الله يحفظكم ويديم فضلكم".
وما قاله "شيخ السلطان" كرره بعض علماء الاقتصاد، في حين لاذ الباقون بالصمت، حين جلدهم بشار الأسد، خلال لقائه أخيراً، أساتذة الاقتصاد البعثيين من مختلف الجامعات الحكومية، بمحاضرة اقتصادية تتعلق بفلسفة الدعم ومستحقيه ونظريات هوية الاقتصاد.
ورغم أن كلام سيادته، المخصص لشرائح خاصة وذات مستوى علمي وثقافي محدد، ويصلح لاقتصاد الصين والسودان بالقرن الخامس قبل الميلاد والقرن الثاني والعشرين، إلا أنه وخلال تعليمه الاقتصاد لأساتذة الاقتصاد، حاول هذه المرة وبتواضع، أن يكون محدداً وواضحاً عبر ملامسه مشكلة بعينها، وهي الدعم.
وعبر السلاسة والبساطة المعهودتين عن سيادته قال: "عندما نتحدث عن الدعم على أنه ينطلق من أيديولوجيا أو من دافع خيريّ، فإنه لن يكون ناجحاً ولا توجد دولة أو مجتمع يسير في هذا النهج، ولكن عندما نرى الدعم جزءاً من الاقتصاد، عندها فقط يتحول إلى حالة مفيدة"، ليحار الأكاديميون الاقتصاديون بما يردون، رغم يقينهم أن هدف هذه المحاضرة، هو سحب الدعم عمّا تبقّى من سلع ومنتجات، بعد سحب الدعم عن حوامل الطاقة جميعها وتبعها الخبز والأسمدة والسلع التموينية.
وأذكرها كما التو، وقت استدعانا رئيس مجلس الوزراء، نحن الإعلاميين الاقتصاديين عام 2006، ليحمّلونا مهام ترويج سحب الدعم وبدء التحول بالنهج الاقتصادي إلى "اقتصاد السوق الاجتماعي" الذي تكلّف بهندسته وتسويقه وقتذاك نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، عبد الله الدردري.
ومنذ ذاك وحتى اليوم، يعاني الاقتصاد السوري من الخلط والتيه، إذ لم يحافظ على هوية "التحوّل الاشتراكي" ولم يصل إلى اقتصاد السوق، وإن بصيغته الاجتماعية التي أسسها لودفيغ إيرهارد بحكومة المستشار الألماني كونراد أديناور بعد الحرب العالمية الثانية.
ولأن فكر الإتاوة وذهنية الجباية تسيطر على عصابة بشار الأسد، فقد حاولوا، وما زالوا، الجمع بين الأنماط الاقتصادية لما فيه مصلحة النظام، من دون إعارة أدنى اهتمام للمستهلك أو مصالح الصناعيين وبقائهم على قيد الإنتاج والمنافسة. فرأينا، خاصة في سنوات ما بعد الثورة، رفعاً تدريجياً عن دعم المستهلك بالخبز والمحروقات والمقننات "سكر وأرز" وإعاقة الاقتصاد عبر رفع الدعم عن المواد الأولية المنتجة بالقطاع الحكومي أو الكهرباء والفيول والمازوت الصناعي، حتى وصل الحال إلى ركود تضخمي بواقع انعدام القدرة الشرائية رغم تراجع إنتاج ما تبقى من منشآت، بعد هروب جلّ المشروعات والرساميل لدول الجوار.
ولئلا نقع بفخ التعميم و"الفزلكة" التي يستخدمها بشار الأسد ونعيب عليها، سنشير إلى كهرباء الشركات الصناعية فقط، بعد صدور أول فاتورة أمس، بزيادة بين 100 و120% عن فاتورة الشهر الماضي، بعد الرفع الأخير الذي أصدرته حكومة النظام، والتي انعكست مباشرة على تكاليف الإنتاج بين 5 و25%.
فهذا الرفع وزيادة أكلاف الإنتاج سيتم تحصيله من المستهلك ولا بديل سوى إغلاق المعمل، لأن المنشآت ومهما وصلت إلى حدود التخويف والمتاجرة بالوطنية، لا يمكن أن تستمر بالعمل بخسارة، بعد هزيمة المنافسة بالأسواق الخارجية جراء ارتفاع الأسعار المرافق، لأسباب كثيرة، لتراجع جودة المنتج السوري.
ما يعني يا سيادة الرئيس، وببساطة وبعيداً عن التنظير والفلسفة، تحميل الصناعي والمستهلك مسؤولية تأمين موارد الخزينة ومبلغ الموازنة العامة التي تشهد، منذ سنوات، تراجع حصة الدعم وانعدام تنفيذ الشق الاستثماري وغياب قطع الحساب لمعرفة ما تم إنفاقه وتنفيذه أو قيمة العجز الحقيقية، وهذا مناقض تماماً لمفهوم الدعم الذي أفردت له محاضرتك.
نهاية القول: تتسابق الدول، بما فيها المعتمدة نهج الليبرالية المنفلشة، على التدخل الاستثماري للتوازن الإنتاجي ودعم التصدير، لما فيه من عوائد مالية وتسويق سمعة وهيبة البلد قبل الإنتاج، ودعم قروض الصناعيين عبر فوائد شبه صفرية ودعم الزراعة والصناعة لضمان التصدير وامتصاص البطالة.
وتتسابق الدول حتى لدعم المستهلكين عبر حزم ضمان اجتماعية وطرائق منافسة تضبط الأسواق والأسعار، من دون أن تمن أو تتاجر بواجباتها وحقوق شعوبها، في حين بشار الأسد الذي سحب الدعم حتى عن الخبز في بلد وصل الجوعى فيه إلى أكثر من 80%، بعد أن قتل الصناعة وأجهز على التصدير، يؤثر المتاجرة بالدعم غير الموجود ويقترح نظريات اقتصادية تؤلم منظّري الفكر الاقتصادي التقليدي وتعذّب كارل ماركس بقبره.