بريكس.. الأمل القادم من الجنوب

11 يونيو 2024
وزراء خارجية دول مجموعة "بريكس بلاس" - نيجني نوفغورود/روسيا 11 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- العالم يواجه نظاماً أحادياً يسيطر عليه مجلس الأمن الدولي والدول الخمس الدائمة العضوية، مما يبرز الحاجة لإيجاد توازن جديد يعزز العدالة والديمقراطية، خصوصاً في ظل الأزمات مثل قطاع غزة.
- تكتل "بريكس" يعد بديلاً قوياً لتحدي هيمنة الغرب، حيث يسعى لتوسيع نفوذه وتعزيز مكانته كقوة عالمية من خلال "بريكس بلاس"، مما يشير إلى إمكانية تحقيق عالم متعدد الأقطاب.
- على الرغم من التحديات والانتقادات، بما في ذلك الخلافات الداخلية والتخوف من هيمنة الصين، يظل التكتل أملاً للدول النامية والناشئة في تحقيق تكامل اقتصادي وإعادة توزيع القوى على الساحة الدولية نحو نظام أكثر عدالة.

لا شيء يغري الدول الناشئة ومهضومة الحقوق، كما كسر ظلم مجلس الأمن الدولي وعصا الفيتو، لأن العالم فعلاً، أكثر وأكبر من خمس.

كما أن لا شيء يعيد التوازن للعالم المقلوب، بواقع هيمنة القطب الواحد، سوى إيجاد تكتل، يفرض قوته الاقتصادية والعسكرية، ليعيد للعالم المختلّ بعض صوابه. إذ الذي يمر، وبقطاع غزة على وجه التحديد، أفقد العالم، كل العالم الثقة بالعدالة والديمقراطية وتحصيل الحقوق المشروعة غبر التفاوض أو قاعات المحاكم. بل ثمة أحداث أخلّت حتى بآخر حدود الأمن والمنطق، فأن تعاقب واشنطن المحكمة الجنائية الدولية "القرار الجمهوري عن مجلس النواب" لطلبها إصدار مذكرات اعتقال بحق مجرمي الحرب بإسرائيل "نتنياهو وغالانت" رغم قتل عشرات آلاف الأطفال والنساء والمجازر الممتدة منذ ثمانية أشهر، فذاك بسط منطق القوة وتعاطي الاستقواء على العالم بأسره، وغيّب كل ما له علاقة بالقانون والحقوق والحريّات.

كذلك يكتمل ثالوث الحاجة، من الاقتصاد وهيمنة دول على الحصرية واستئثارها بالثروات، ولو عبر الاحتلال، وتحكمها بالتجارة وفرض الدولار عملة محددة للتبادلات وأسعار المعادن والخامات، منذ عام 1946 ولم تعرف عملة أخرى زحزحته، رغم إصدار اليورو عام 1999 ومحاولات التبادل بالعملات المحلية، بين بعض الدول أو ضمن بعض التحالفات، ما يزيد من ضرورة تكتل بديل لمجموعة السبع، التي تقودها دول غربية بصورة أساسية، وتمثل تحولاً كبيراً في ديناميكيات القوة العالمية.

ولكن، أي تكتل يمكن أن يواجه الولايات المتحدة، المتربعة، ما بعد الحرب العالمية الثانية، على عرشي الاقتصاد والعسكرة، وتتفرّد مما بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي، عام 1991 على عرش العالم بعد إزالة القطب الثاني.

هذا إن لم نقل، وهو الواقع بطبيعة الحال وبالدلائل، إن الدول الأوروبية تدور مرغمة بفلك واشنطن ومربوطة مصائرها بقرار البيت الأبيض، بشكل أو بآخر، خصوصاً بعد توريط القارة العجوز بحرب أوكرانيا واستمرار الاستنزاف والغوص بمستنقع المجهول. ما يعني أن التكتل، أو حلم كسر أحادية القطبية، لا بد أن يتضمن دولاً وقوى، اقتصادية وعسكرية، مغطاة بدبلوماسية وسياسة، يمكن أن يواجه الحلف الغربي الشمالي، إن لم نقل يزيحه عن عرش الهيمنة وفرضه قواعد لعبة لا تمتّ إلى المنطق والحقوق وسيرورة التاريخ بصلة.

ربما المرشح الأبرز، إن لم نقل الوحيد حتى اليوم، مجموعة "بريكس" بعد وعي الدول المؤسسة مخاطر الشمال وهيمنته، وفتحها باب التوسع، عبر "بريكس بلاس"، ليكون الحلف العتيد أكبر وأكثر من قادر على مقارعة الشمال، بما فيه من أحلاف وتحالفات، عسكرية كالشمال الأطلسي واقتصادية كمجموعة السبع.

قصارى القول: مرت مجموعة "بريكس" بمخاضات ولم تزل، منذ أول اجتماع لوزراء خارجية الدول الأربع "روسيا، الصين، البرازيل والهند" في أيلول 2006 ومن ثم الاجتماع التمهيدي للمؤسسين عام 2008 قبل إعلان التأسيس الرسمي في يونيو/ حزيران عام 2009 باسم "بريك" قبل أن تنضم جنوب أفريقيا بالعام التالي، ويصبح اسم المجموعة "بريكس".

بيد أن سني التأسيس الأولى، اتسمت بالهدوء مقتصرة على الحيلة التسويقية فيما بين الأعضاء، مع التركيز على تحقيق معدلات نمو اقتصادية عالية، قبل ما يسمى الصحوة الجيوسياسية المتزامنة مع المتغيرات في العلاقات الدولية والأزمات العالمية، لنرى في عام 2017، ما يمكن وصفه بكشف النيات من خلال طرح فكرة "بريكس بلس" الذي تلاه، حتى قمة اليوم، السعي العلني لما بعد الغايات الاقتصادية والتنموية المتجلي بتطلعات سياسية تتعلق بمحاولة تحقيق عالم متعدد الأقطاب، بعد كسر هيمنة الشمال الاقتصادية والعسكرية والسياسية.

وأمس الاثنين انطلق بمدينة نيجني نوفغورود الروسية، اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة "بريكس بلاس" لتكون "تركيا والبحرين وبنغلاديش وبيلاروسيا والجزائر وإندونيسيا وكازاخستان وكوبا ولاوس وموريتانيا ونيجيريا وتايلاند وسريلانكا وفنزويلا وفيتنام" إلى جانب الدول المؤسسة للمجموعة "الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا"، قبل أن تنضم مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات إليه مطلع العام الجاري.

ما يزيد من التوقعات، وربما الآمال، بكبر وقوة "بريكس" بواقع خطّي التوسع، إذ دفعت الأزمات الدولية والتحولات الجيوسياسية والانحياز لدرجة القهر، الكثير من الدول النامية إلى طلب الانضمام إلى المجموعة، بعد تنامي ملامح انتشارها بوصفها لاعباً مهماً في الساحة الدولية. بالتوازي مع دعوات "بريكس" الدول المؤثرة، سكانياً وجغرافيا واقتصادياً، كما السعودية وتركيا، إلى الانضمام للمجموعة، رغم ما قد يرخيه التوسع، من اختراق أو ازدواجية، بعد انضمام دول تقيم علاقات واتفاقيات استراتيجية مع الغرب، كما السعودية، أو عضو في أكبر حلف أوروبي أميركي "ناتو" كما تركيا، علّ الفائدة تفوق هاتيك المخاطر أو الظنون، لتحقيق تكامل اقتصادي وتوازن يخرج الدول الناشئة من سطوة الغرب وسيطرته وشروط مؤسساته المالية المجحفة.

نهاية القول: ربما بمجموعة "بريكس" ومؤسسيها الأربعة تحديداً، كل عيوب الاستبداد أو دعم المستبدين، كذلك، قلما وقفت دول المجموعة متحدة، بوجه ظلم غربي أو مناصرة صاحب حق مستضعف، لكن ذلك مبرر ربما، لأنها تنتظر اكتساء الريش ونظام مؤسسي يكرس الأمل وزيادته فيها، خصوصاً بعد التهافت للانضمام والتوسع إثر التصدع في النظام الدولي والحيف في المؤسسات الخاضعة للنفوذ الغربي، فأن تبلغ المجموعة 42% من سكان العالم ومساحتها 27% من إجمالي مساحة اليابسة على الأرض وتستحوذ على نحو 31.5% من الناتج الإجمالي العالمي وتزيد مساهمات دولها على 23% من الاقتصاد العالمي، بحسب تقديرات عام 2023، مقابل 30.7% لمجموعة السبع ومن المُتوقَّع أن تصل هذه النسبة إلى 33% بحلول عام 2025.

فهذا يعني، بعد انضمام 23 دولة تقدمت بطلبات رسمية، بينها 8 دول عربية، أن تكتل الجنوب المتشكل من جغرافيا مختلفة وضاربة بالحضارة، يمكن أن يزيح، أو يكافئ على الأقل، تكتل الغرب المهيمن ويعيد ولو بعض توازن لعالم مقلوب يزيد حلف الشمال من عوامل تفجيره كل يوم. من دون التنكر طبعاً، للعوامل السلبية بالمجموعة الحلم، من اختلاف طبيعة الأنظمة السياسية بين دول المجموعة وتوجهاتها الاقتصادية أو التخوف من هيمنة الصين، أو حتى من سياسات الإغراق وغياب التنسيق في الأسواق.

إلا أنه، خصوصاً بعد أوجاع الانحياز الغربي الذي تبدى فجوره خلال الحرب على غزة، فضلاً عن استمرار تجويع الفقراء حول العالم، تبقى التناقضات ومواطن الضعف التي تحملها "بريكس" محتملة وقابلة للانحسار والتصويب، ويزيد الأمل بولادة قطب ثانٍ يعيد التوازن لموازين القوى العالمية المختلة، أو، على الأقل، يمهّد الحلف الجديد للانتقال إلى نظام عالمي جديد، يؤجل الانفجار الماثل، إن لم نقل يلغيه.

المساهمون