بريطانيا: ديون المستهلكين تتزايد وسط الغلاء

30 مارس 2023
أسعار البقالة ارتفعت إلى 17.5% على أساس سنوي هذا الشهر (Getty)
+ الخط -

يتزايد إقبال المواطنين في بريطانيا على الاقتراض بغية شراء احتياجاتهم الأساسية من الطعام والشراب، وسط ارتفاع تكلفة المعيشة وانخفاض القيمة الحقيقية للأجور، فيما أعلنت الحكومة مؤخراً عن إجرءات من شأنها تخفيف الأعباء المعيشية وتشجيع العمل.

وأظهر استطلاع أجرته شركة "بارنيت وادينغهام" للأبحاث وشمل أكثر من 3 آلاف موظف، أن أكثر من ثلث الأشخاص استخدموا قروضاً لشراء احتياجاتهم والتعامل مع أزمة تكلفة المعيشة، حيث قال 38% من الموظفين، إنهم استخدموا خدمة "اشتري الآن وإدفع لاحقاً" (BNPL)، بينما أكد 15% أنهم يخططون لاستخدامها في المستقبل.

وقال آخرون إنهم يفكرون في استخدام مدخراتهم الأساسية لتغطية التكاليف الإضافية، بينما كان هناك 16% يفكرون في الإنفاق من استثماراتهم وعدد مماثل قالوا إنهم سوف يسحبون معاشاتهم التقاعدية لتغطية نفقاتهم، وفق الاستطلاع الذي اطلعت عليه "العربي الجديد".

ودفع الإقبال على الاقتراض من أجل الاستهلاك، شركة الأبحاث البريطانية إلى التحذير من ارتفاع ما وصفته بـ"الائتمان الرخيص"، الذي يمكن أن يكون له أثر طويل الأجل على الانتعاش الاقتصادي في المملكة المتحدة، حيث يكافح المستهلكون المعرّضون للخطر بشكل متزايد مع الديون المتصاعدة.

وارتفع معدل التضخم على غير المتوقع للمرة الأولى منذ أربعة أشهر في فبراير/شباط الماضي، ليصل إلى 10.4% على أساس سنوي مقارنة بـ 10.1% في يناير/كانون الثاني الماضي، حيث استمرت أسعار الطاقة المرتفعة في الضغط على ميزانيات العائلات، حسبما أفاد مكتب الإحصاء الوطني في بيان، الأسبوع الماضي. وظل معدل التضخم العام في المملكة المتحدة عند مستويات من رقمين رغم تطبيق أسرع وتيرة لرفع أسعار الفائدة منذ ثلاثة عقود.

وتظهر مؤشرات أسعار المستهلكين، استمرار الأسعار عند معدلاتها المرتفعة، إذ سجل تضخم الأسعار لدى المتاجر الكبرى ارتفاعاً قياسياً، مما جعل المتسوقين يبحثون عن صفقات جيدة، حيث ترتفع أسعار البيض والحليب والجبن بشكل أسرع وسط نقص في الخضروات.

ووصلت الزيادات في أسعار البقالة على أساس سنوي إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 17.5% في الأسابيع الأربعة حتى 19 مارس/ آذار الجاري مقارنة بنفس القترة من العام الماضي، وفقًا لأحدث الأرقام الصادرة عن شركة البيانات Kantar. وتعني الزيادات الأخيرة في الأسعار أن متوسط فاتورة الأسرة السنوية لمحلات البقالة يبلغ 5617 جنيهاً إسترلينياً.

ويختار المستهلكون التسوق للحصول على أفضل الصفقات، وزيارة ثلاثة أو أكثر من أفضل 10 تجار تجزئة للمواد الغذائية كل شهر. ونقلت صحيفة "ذا غارديان" عن فريزر ماكيفيت، رئيس قسم تجارة التجزئة والمستهلكين في شركة Kantar قوله: "لسوء الحظ، إنها أخبار أسواً بالنسبة إلى الجمهور البريطاني، الذين يشهدون الشهر التاسع من التضخم في أسعار البقالة من رقمين".

وأضاف: "ذهبت الأسر إلى المتاجر ما يزيد قليلاً عن أربع مرات في الأسبوع في مارس/آذار.. هذا هو أعلى معدل شهدناه منذ بداية جائحة كوفيد ـ 19.. المتاجر الكبرى تكافح أيضا من أجل إظهار القيمة وجذب العملاء عبر أبوابها، فهذا قطاع شديد المنافسة، وإذا كان الناس لا يحبون الأسعار في أحد المتاجر، فسوف يذهبون إلى مكان آخر".

وقالت هانا جيبسون، الرئيسة التنفيذية لشركة "Ocado Retail"، إن العملاء ينفقون أقل على الأطعمة الطازجة لتجنب أي هدر، ويشترون المزيد من المنتجات المبردة والمجمدة.

ولا تزال مداخيل الناس ترزح تحت ضغوط المعيشة، على الرغم من تباطؤ التضخم مقارنة بالمستويات القياسية التي سجلها في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 عند 11.1%، وهو أعلى مستوى في 41 عاماً.

وللتخفيف من وطأة ارتفاع تكاليف المعيشة، أكد جيريمي هانت وزير الخزانة منتصف مارس/آذار الجاري، أن سقف أسعار الطاقة الذي قررته الحكومة سيظل عند 2500 جنيه إسترليني في الأشهر الثلاثة المقبلة، بهدف السيطرة على قيمة فواتير الكهرباء والغاز الطبيعي للعملاء.

ويعني هذا أن الحكومة البريطانية قررت إلغاء زيادة مخطط لها في متوسط فواتير الطاقة بقيمة 500 جنيه إسترليني، التي كان من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في إبريل/ نيسان المقبل.

ورغم استمرار أسعار المستهلكين عند معدلات مرتفعة، إلا أن وزير الخزانة، أشار إلى أن مكتب مسؤولية الموازنة (جهة الرقابة على الإنفاق الحكومي) يتوقع تراجع التضخم من 10.7% في الربع الأخير من 2022 إلى 2.9% بنهاية العام الحالي، مضيفا أن اقتصاد المملكة المتحدة سيتجنب الركود هذا العام مع تحسن النظرة المستقبلية.

لكن الأرقام الصادرة حديثاً عن مكتب الإحصاء الوطني، تظهر أن الأجور المنتظمة بالقيمة الحقيقية انخفضت بنسبة 2.4%. ما يعني أن العمال في جميع أنحاء المملكة المتحدة يحصلون على أجور أقل بالنظر إلى معدلات التضخم السائدة.

ويرى كثيرون أن مستويات الأجور غير مناسبة في العديد من الأنشطة، الأمر الذي دفع هانت، إلى التحذير من أنه سيتم تطبيق عقوبات أكثر صرامة على الأشخاص الذين يرفضون البحث عن عمل.

ولتشجيع الناس على العودة إلى العمل قال إنه سيخصص 400 مليون جنيه إسترليني للصحة العقلية والجسدية، وسيكون هناك برنامج تجريبي بقيمة 3 ملايين جنيه إسترليني لمساعدة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة على الانتقال إلى مكان العمل. وعن رعاية أطفال الأسر العاملة، قال إن الحكومة ستقدم 30 ساعة من الرعاية المجانية لكل طفل من عمر تسعة أشهر، وهذا سيقلل من تكاليف رعاية الأطفال للأسرة بحوالي 60%.

وقال أنتوني، طالب الماجستير من جامعة إسكس، لـ"العربي الجديد"، إنهم لا يحتاجون إلى التشجيع للعودة إلى العمل بل يريدون العثور على فرص تقدر أنهم خريجون جدد ولا يتمتعون بخبرات طويلة.

ويوضح أنتوني أنه خلال دراسته هذا العام تقدم إلى عشرات الوظائف ومن بينها أيضاً شركات توظيف تأخذ عمولتها في حال حصوله على وظيفة، حيث يمكن أن يعمل لمدة عامين بأجر أقل بكثير مما يستحقه، ومع ذلك جاءت جميع الردود سلبية لغاية الآن.

ويضيف: "لا يختلف وضع زملائي عني، جميعنا نكافح لدخول سوق العمل، حيث يفضّلون (الشركات) أصحاب الخبرات، ويبدو أن الوظائف الشاغرة لخريجي الجامعات أقل بكثير من أعدادنا".

وفي ظل الضغوط المعيشية شهدت البلاد موجات من الإضرابات العمالية خلال الأشهر الماضية، إذ رفضت الحكومة مطالب موظفي القطاع العام بزيادة الأجور، بحجة أن هذه الرواتب المرتفعة لن تؤدي إلا إلى مزيد من التضخم.

وقال جوناثان بويز، كبير الاقتصاديين في سوق العمل لدى معهد تشارترد للأفراد والتنمية (CIPD)، وهو رابطة لمهنيي إدارة الموارد البشرية في لندن، إنه ينبغي على صانعي السياسات طرح مجموعة واسعة من الإجراءات لتعزيز المعروض في سوق العمل.

المساهمون