طرحت الحكومة الأردنية مشروع موازنة العام المقبل 2022، وسط تحذيرات من التفاؤل المفرط لبنودها التي لا تعكس ما تعانيه البلاد من تداعيات جائحة كورونا ومخاوف السلالة الجديدة "أوميكرون" على الاقتصاد، وبخاصة الانكماش وتباطؤ أداء مختلف القطاعات وارتفاع مشكلات الفقر والبطالة والمديونية.
واستعاد خبراء اقتصاد في سياق تصريحاتهم لـ"العربي الجديد" ما قامت به إحدى الحكومات السابقة بإقرار موازنة غير واقعية والتوسع في الإنفاق والمبالغة بتقدير الإيرادات والمنح الخارجية، وهو ما لم يتحقق، ما اضطر ذات الحكومة إلى إعادة تقديراتها وعدم القدرة على تنفيذ عدد كبير من المشاريع الرأسمالية التي اقترحتها.
وكشف مشروع الموازنة العامة للعام المقبل عن تسجيل إيرادات عامة متوقعة حتى نهاية 2022 بنحو 8.9 مليارات دينار أردني ونفقات إجمالية بمقدار 10.6 مليارات دينار أردني وبعجز مقدّر بـ1.75 مليار دينار، (الدينار = 1.41 دولار).
ومن أبرز ما اشتملت عليه الموازنة التي سيناقشها مجلس النواب وسيقرها قبل نهاية العام الحالي ارتفاع النفقات الرأسمالية بنسبة كبيرة لتبلغ 1.55 مليار دينار مقابل نحو 1.08 مليار دينار في العام الماضي.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي والمسؤول السابق لحملة صنع في الأردن، موسى الساكت، لـ"العربي الجديد": نأمل أن تكون التقديرات الواردة في مشروع الموازنة للعام المقبل واقعية، وأن تعكس حالة التحسن الاقتصادي وبدء التعافي من الجائحة وتحقيق معدل نمو جيد.
وأضاف الساكت أن ارتفاع النفقات الرأسمالية أمر مهم لكونه سيساهم في تنشيط بيئة الأعمال وتحريك مختلف القطاعات وتوفير فرص العمل ولكن المحاذير تكمن في عدم قدرة الحكومة على توفير هذا المبلغ وتعذر تنفيذ المشاريع في مختلف القطاعات.
وأشار إلى أن ارتفاع النفقات الرأسمالية بأكثر من 500 مليون دينار، أي نحو 700 مليون دولار، ليس بالسهل على موازنة تشكل النفقات الجارية غالبيتها، وخاصة بند الرواتب والتقاعد، وتعاني أيضاً من ضغوط الدين العام وفوائده.
وقال وزير المالية الأردني، محمد العسعس، إن العجز الأولي التقديري للموازنة حتى نهاية 2021 سيصل إلى 3.5% وسينخفض إلى 3.1% مع نهاية عام 2022، وإن الحكومة كانت تستطيع خفض هذا العجز أكثر، لكنها ارتأت تعزيز النفقات الرأسمالية.
وأضاف العسعس في تصريحات، أخيراً، أن إجمالي الدين العام للأردن سيصل بنهاية العام الحالي إلى نحو 29.4 مليار دينار، وذلك بعد استثناء ما يحمله صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي مقابل نحو 30.7 مليار دينار أردني مع نهاية 2022. وتقدر ديون المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي على الحكومة بنحو 6 مليارات دينار.
وقال إن أهم معالم مشروع الموازنة العامة 2022 توقع رفع تغطية الإيرادات المحلية للنفقات الجارية بما نسبته 88.5% لعام 2022 مقابل 74% سجلت لعام 2020، ورفع أيضاً الإنفاق الرأسمالي إلى ما نسبته 43.6% في عام 2022.
وفي المقابل، قال المحلل الاقتصادي، حسام عايش، لـ"العربي الجديد": يبدو أن الحكومة تجاهلت وهي تعد موازنة العام المقبل استمرار تداعيات جائحة كورونا وسط تصاعد المخاوف من تطورات السلالات الجديدة للوباء التي باتت تهدد العالم بمزيد من الإجراءات القاسية من إغلاقات للحدود وربما إعادة فرض الحظر، ما يؤثر في الاقتصاد العالمي برمته.
وأضاف عايش أن من أهم الموارد الأساسية لخزينة الدولة عوائد السياحة والضرائب والرسوم المتأتية من بعض الأنشطة الاقتصادية والخدمية ومداخيل الأفراد، مشيراً إلى أن الحكومة قدرت ارتفاع عائدات الضرائب بنحو 500 مليون دينار، في الوقت الذي أعلنت فيه عدم وجود أي توجه لرفع الضرائب خلال العام المقبل.
وتوقعت الحكومة تحصيل ضرائب بنحو 6 مليارات و89 مليون دينار في عام 2022 استناداً إلى تعزيز إجراءات محاربة التهرب الضريبي وتكثيف عمليات الرقابة والتدقيق.
وقال عايش إن السؤال الذي يُطرح في هذا السياق: كيف يمكن توقع ارتفاع عائدات الضرائب دون زيادتها مع توقع عدم انتعاش الاقتصاد والقطاعات المختلفة بالشكل المطلوب بسبب تداعيات كورونا وعدم اتضاح الرؤية حول الوباء للأشهر المقبلة؟
وتوقع وزير المالية الأردني تسجيل نسبة نمو في 2022 بنسبة 2.7%، قياساً بنسبة نمو حقيقي 2% مع نهاية 2021. وقدر مشروع الموازنة نسبة التضخم بنحو 1.6% مع نهاية 2021 وفي 2022 بمقدار 2.5%.
وقال عضو اللجنة المالية في مجلس النواب، ضرار الحراسيس، لـ"العربي الجديد" إن هناك العديد من المفاصل المهمة التي سيقف عليها النواب لدى مناقشة الموازنة، وخاصة ما يتعلق ببنود الإيرادات الضريبية والاستفسار من الحكومة عن الفرضيات التي بنت عليها ارتفاع هذه العوائد.
وأضاف أنه سيُناقَش أيضاً ارتفاع النفقات الرأسمالية وضرورة التزام الحكومة ما يرد في الموازنة، لأن تحريك الاقتصاد وتوفير فرص العمل يحتاجان فعلاً إلى المشاريع الرأسمالية، مؤكداً أن مجلس النواب لن يسمح بأي ارتفاعات على الضرائب والرسوم، بل سيعمل على تخفيض المفروض منها على السلع الأساسية.
وتواجه الحكومة الحالية برئاسة بشر الخصاونة، انتقادات على مختلف الأصعدة، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وتفاقم المشكلات الاجتماعية حيث تجاوزت نسبة الفقر 27%.