وسط دمار واسع في عدة مدن شرق ليبيا بسبب العاصفة دانيال، انتعش تجار الكوارث والأزمات الذين قفزوا بأسعار السلع الضرورية إلى معدلات قياسية، في ظل غياب شبه تام للرقابة الحكومية.
وأكد سكان محليون في مدينة البيضاء لـ"العربي الجديد" أن أسعار بعض السلع الأساسية تضاعفت إلى أكثر من خمسة أضعاف، وشمل الارتفاع السلع الغذائية والدوائية والنقل وصل إلى الإيجارات والملابس.
وفي منطقة درنة، قال المواطن عبد السلام فركاش، البالغ من العمر 55 عاما لـ"العربي الجديد" إن الأسعار ارتفعت بشكل حاد، وسط استغلال البعض للفاجعة وغياب الرقابة الحكومية، مشيرا إلى أن سعر كيلوغرام الطماطم الأخضر وصل إلى 15 دينارًا أي ما يعادل 3 دولارات، وقبل الأزمة لم يتعد سعره دينارين، كما ارتفع زيت الطعام إلى 25 دينارًا.
وأضاف أن استغلال حاجة الناس إلى الغذاء والدواء، أصبح شيئا محزنا، قائلا إن قنينة الماء سعة 5 لترات قفزت إلى 30 دينارًا.
ومن جانبه أكد المواطن سعد الفارسي، أن السلع في ارتفاع متواصل، موضحا لـ"العربي الجديد" أن الكثير من الأسر لم يصلها المؤن والمساعدات الإنسانية من طعام وشراب. وقال: لا يمكن الخروج من المنطقة، لا أملك أوراقا رسمية أو جواز سفر حيث ذهبت كلها مع السيل، مطالبًا بضرورة وضع حلول عاجلة لوضعهم المعيشي المتدهور.
وأشارت السيدة آمنة عبد القوي إلى أن المتضررين لا يملكون شيئا، وهناك من يستغل أوضاعهم برفع الأسعار. وقالت لـ"العربي الجديد": "خسرنا كل شيء فلا نقود للشراء، وما زلنا نعاني من أزمات معيشية عديدة باستثناء عودة الكهرباء وخدمات الإنترنت لدرنة".
وفي سياق متصل، أطلقت منظمة الأمم المتحدة، نداء دولياً للحصول على مبلغ إضافي قدره 66 مليون يورو، من أجل تقديم مساعدة فورية لحوالي 250 ألف شخص من أكثر الأشخاص تضررا من الفيضانات في ليبيا.
يأتي ذلك وسط حزن وفاجعة يمر بها الليبيون، مع توديعهم ضحايا كارثة فيضانات درنة والمنطقة الشرقية التي أودت بحياة نحو آلاف الأشخاص، حسب بيانات رسمية.
أما في سوق الكريمية بالعاصمة طرابلس أكبر الأسواق في ليبيا، يقول تاجر الجملة فرحات المسلاتي، لـ"العربي الجديد"، إن أسعار السلع الأساسية ارتفع بعضها بنسب بسيطة لا تتجاوز 2% مثل السكر والأرز، ولكن باقي السلع الغذائية تعتبر أسعارها مستقرة ولا يوجد بها ارتفاع مثل الماء والبيض وغير ذلك.
ورأى المحلل الاقتصادي وئام المصراتي أن الحكومة تعثرت في إدارة الأزمة. وأوضح لـ"العربي الجديد" أن السلع ارتفعت إلى خمسة أضعاف عمومًا، ووصول بعض السلع إلى معدلات قياسية غير مسبوقة وسط غياب السلطات المحلية التي لم تتدخل بشكل كاف للسيطرة على السوق. وقال: "أحد أسباب ارتفاع أسعار السلع الهشاشة الأمنية التي تعانيها البلاد، وعدم توفير إمدادات كافية من السلع للمناطق المتضررة".
وأصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، تعليماته لوزارة المالية بصرف مرتب شهر إضافي للموظفين الذين تحال مرتباتهم إلى مراقبات الخدمات المالية بالبلديات المنكوبة بالتنسيق مع وزارة الحكم المحلي، على أن تتخذ الإجراءات خلال الأسبوع الحالي.
وتضرر نحو 1500 مبنى من إجمالي 6142 مبنى في درنة من جرّاء العاصفة دانيال التي ضربت المدينة قبل أسبوع، وفق تقديرات أولية أصدرها، الفريق المكلف من حكومة الوحدة الوطنية بحصر الأضرار في المدينة المنكوبة.
وقدرت لجنة الطوارئ التابعة لحكومة الوحدة الوطنية من خلال صور الأقمار الصناعية، عدد المباني المدمرة بشكل تام في درنة بنحو 891 مبنى، وتضرر 211 مبنى بشكل جزئي، وغمر الوحل نحو 398 مبنى، فيما غمرت السيول والفيضانات مساحة تقدر بستة كيلومترات مربعة في المدينة.
وفي سياق متصل، أعلنت شركة البريقة لتسويق النفط توزيع أسطوانات الغاز المنزلي مجانا في عدد من الأحياء في مدينة درنة والمناطق المجاورة، التي ضربتها العاصفة.
واجتاحت العاصفة عدة مناطق شرق ليبيا، أبرزها مدن درنة والبيضاء والمرج وسوسة، متسببة في أضرار بشرية ومادية فادحة.
وتمكنت الشركة العامة للكهرباء من إرجاع 90% من المحطات الكهربائية للخدمة في المناطق المتضررة جرّاء السيول والفيضانات شرق البلاد. وأكد الناطق باسم شركة الكهرباء وئام التائب حاجة عدد من المحطات الفرعية إلى أعمال التنظيف والصيانة لإعادة تهيئتها وإرجاعها للخدمة.
ودعت منظمة الإغاثة الإسلامية المجتمع الدولي إلى الاستجابة الفورية للاحتياجات العاجلة للأسر المتضررة من الفيضانات، بما في ذلك توفير المأوى خلال حالات الطوارئ، والغذاء، والمياه النظيفة، والتحويلات النقدية، والرعاية الصحية الأولية.
ومع عدم انتهاء جهود الإنقاذ وانتشال جثث ضحايا العاصفة دانيال والفيضان الذي نتج عنه في مدينة درنة الليبية وباقي مدن الجبل الأخضر، تغيب إلى الآن أي إحصائيات عن حجم الخسائر المادية. وبشكل عام، فقد قضى الفيضان في درنة على ربع المدينة وجرفه بالكامل نحو البحر.
وتشكل السدود تحدياً آخر أمام عودة الحياة في درنة، فقد انهار سدا الوادي الذي يفصل المدينة عن المياه المنحدرة من سفوح الجبل، وكان انهيار السدين المتسبب الرئيسي في اختفاء أحياء كاملة عن خريطة المدينة المشيدة أساسا على ضفتي الوادي الشرقية والغربية، ما يطرح سؤالا عن مدى قدرة المدينة على الحياة، وهي في انتظار موسم الشتاء الممطر في عموم الجبل الأخضر.
وتطرح كل هذه الوقائع مجموعة أسئلة تأتي في مقدمتها تكلفة إعادة البناء، بخاصة أن حال المدينة حتى قبل العاصفة كانت تتطلب ذلك، ولو بدرجة أقل، فمنذ التسعينيات كانت المدينة تتعرض لأنواع مختلفة الأسباب من التخريب.
تشكل السدود تحدياً آخر أمام عودة الحياة في درنة، فقد انهار سدا الوادي الذي يفصل المدينة عن المياه المنحدرة من سفوح الجبل
وعدا عن المعونات الدولية التي وصلت إلى ليبيا من دول كثيرة، ومساعي مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة لجمع 71 مليونا كمساعدة فورية، فقد أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، عبد الحميد الدبيبة الثلاثاء الماضي، عن تخصيص ملياري دينار (446.4 مليون دولار) لصالح صندوق إعمار مدينتي بنغازي ودرنة، ونصف مليار دينار لصالح البلديات المتضررة. كما صوّت مجلس النواب يوم الخميس الماضي على إقرار ميزانية طوارئ بقيمة 10 مليارات دينار ليبي، لمعالجة آثار الفيضانات في المناطق المتضررة.
ويصف أستاذ التمويل ومؤسس سوق المال الليبي، سليمان الشحومي، ما حصل بالكارثة الكبيرة، ويقدر أن هذه الظروف لم تشهد ليبيا مثيلها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وانتهاء الاحتلال الإيطالي. وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، يقدر الشحومي أن إعادة إعمار درنة والمناطق المتضررة الأخرى تحتاج إلى مشروع قومي كبير، ويتوقع أن يفوق التدخل في المدينة المبالغ المرصودة من مجلس النواب وحكومة طرابلس، معلقاً: "هذا مشروع طويل قد يستغرق 3 إلى 5 سنوات كمشروع وطني شامل لإعادة الإعمار. وربما تتجاوز تكلفته 5 مليارات دولار بشكل مبدئي".
والاستفسار الوجيه حسب رؤية الشحومي وفي ظل الانقسام الحكومي هو "عمن سيتولى إعادة الإعمار". ووفق رؤية أستاذ التمويل، وعند توفر الموارد المالية "بالإمكان الاستعانة بالبنك الدولي". ويرفض الشحومي بعض الآراء المطالبة بتشكيل لجنة دولية لإدارة أزمة تداعيات العاصفة، ويرى في المقابل إمكانية الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير أو البنك الأوروبي لإعادة التعمير والتنمية.