يواجه اليمن أزمة بدأت تتشكل منذ الأسبوع الماضي نتيجة للصراع الاقتصادي الدولي الناتج عن الحرب الروسية في أوكرانيا، وتهدد بتفاقم وضعية القطاع الزراعي في البلاد الذي يعاني عديد التحديات التي فرضتها الحرب الداخلية الدائرة في اليمن للعام الثامن على التوالي.
ولم تتوقف تأثيرات الحرب في أوكرانيا عند حدود تراجع الإمدادات من القمح والحبوب من أهم الدول المنتجة والمصدرة لها، بل يطاول التأثير عديد السلع والمواد والمستلزمات الزراعية والأسمدة، ما سيلحق تأثيرات واسعة في قطاع الزراعة الذي يعد من أكبر القطاعات التشغيلية والاقتصادية في اليمن.
الخبير الزراعي ثابت حمران يشرح لـ"العربي الجديد"، مدى تأثير الاضطراب الحاصل في سلسلة الإمدادات العالمية وفرض قيود على تصدير كثير من السلع، بالإشارة إلى أن ذلك قد يؤدي إلى مضاعفة أزمة القطاع الزراعي في اليمن من خلال شح المعروض من كثير من المستلزمات الزراعية والضرورية لكثير من المنتجات الزراعية.
ويلفت حمران إلى أن ذلك سيدفع أكثر إلى ارتفاع قياسي في تكلفة المواد الزراعية كما هو حاصل حالياً في الوقود، إضافة إلى مواد أخرى حيوية مثل البذور والأسمدة.
ويعاني اليمن من تضخم فاتورة استيراد المدخلات الزراعية التي تقدر بأكثر من 3 مليارات دولار، ومنها المبيدات التي تثير جدلاً واسعاً في اليمن مع ارتفاع حدة الانتقادات الداعية للحد من استخدامها والتركيز على الأصناف والأسمدة العضوية المناسبة للاستخدام الزراعي.
وكثير من المدخلات والمستلزمات الزراعية التي يعاني معظم المزارعين في اليمن صعوبة بالغة في توفيرها لارتفاع تكاليفها ثلاثة أضعاف خلال السنوات الخمس الماضية من الحرب، باتت مهددة بانخفاض المعروض منها في الأسواق اليمنية خلال الفترة المقبلة. وذلك بسبب فرض قيود على تصديرها إلى جانب عديد السلع والمواد الغذائية من جانب مجموعة متزايدة من كبار البلدان المنتجة التي تسعى إلى إبقاء الإمدادات الغذائية الحيوية داخل حدودها، حسب عاملين في القطاع.
أحمد الحيدي المزارع من محافظة صعدة شمال اليمن التي تعتبر من أكبر المحافظات اليمنية المنتجة للمحاصيل خصوصاً الفواكه والخضروات، يقول لـ"العربي الجديد"، إن صعوبة توفير بعض المستلزمات والاحتياجات الخاصة بالزراعة مثل البذور والأسمدة إلى جانب الوقود، يدفعهم إلى تقليص مساحة الإنتاج رغم الاهتمام الكبير من قبل الجهات العامة ومنظمات دولية في مساعدتهم وتوفير جزء من احتياجاتهم التي يجدون صعوبة بالغة في توفيرها.
بينما يقول مزارع آخر من المحافظة المتاخمة للحدود السعودية من الجهة الشمالية لليمن: أدت هذه المتغيرات الدولية الناتجة عن الحرب في أوكرانيا إلى مضاعفة أزمة ملاك الأراضي الزراعية وقد تدفعهم إلى ترك الزراعة بدلاً من مشاهدتهم منتجاتهم وهي تتعرض للتلف لعدم قدرتهم على نموها وحصادها.
وزارة الصناعة والتجارة كانت قد أصدرت قرارا وزاريا يقضي بإيقاف تصدير الخضروات والفواكه واللحوم خلال شهر رمضان تفادياً لحصول أزمة طاحنة في هذه السلع خلال موسم رمضان التجاري والاستهلاكي الذي يرتفع فيه الطلب بشكل كبير على هذه المنتجات الزراعية والحيوانية.
ويؤكد المزارع علي غوث من محافظة أبين جنوب اليمن لـ"العربي الجديد"، أنه لا يتابع ما يدور من حرب روسيا في أوكرانيا وتبعاتها في الجوانب الاقتصادية والغذائية، لكنه يلمح ذلك من خلال الارتفاع الحاصل مؤخراً في كثير من المستلزمات والمدخلات والمواد الزراعية والبذور والأسمدة.
بينما يلاحظ المزارع في محافظة ذمار عامر الزيادي في حديثه لـ"العربي الجديد"، اختفاء بعض الأصناف التي يعتمدون عليها كمزارعين، وذلك منذ الأسبوع الماضي، وهو مؤشر واضح لتضرر الأسواق اليمنية من حرب أوكرانيا والاضطراب الحاصل في سلاسل الإمداد في الأسواق العالمية.
ويتوقع أن تؤدي هذه الأزمة إلى اضطراب الأسواق المحلية وارتفاع التضخم وأسعار المواد الغذائية وتوسع مستويات الفقر والجوع وترد معيشي سيطاول شريحة واسعة في اليمن يعتمد كثير من أفرادها على العمل في القطاع الزراعي.
وتواجه الأسر اليمنية مخاطر واسعة تهدد بإضعاف قدراتها على الصمود في وجه عاصفة التردي الاقتصادي والمعيشي والأزمات المتلاحقة التي استنزفت مختلف ما كان متاحا من سبل العيش ومصادر الدخل في ظل انحدار كارثي يطاول معظم قطاعات الأعمال الاقتصادية والإنتاجية.
ويقول تاجر مواد زراعية، حميد الجعشني، لـ"العربي الجديد"، إن هناك ارتفاعا كبيرا في تكاليف استيراد المواد والمستلزمات الزراعية بسبب الحرب والحصار المفروض على اليمن والمنظومة الجبائية الواسعة المفروضة على هذه السلع المستوردة، لافتاً إلى بذلهم لجهود كبيرة كتجار مواد زراعية لتوفير احتياجات المزارعين اليمنيين في هذه الظروف الصعبة والبحث عن خطوط استيراد بديلة لتحقيق الاستقرار في الأسواق المحلية.
وتسعى بعض الجهات العامة المتخصصة في اليمن إلى تنظيم قطاع الخدمات الزراعية ووضع استراتيجية لجمع رؤوس الأموال من التجار في كيان واحد يجمعهم، وتنفيذ مشاريع استثمارية خاصة بالتصنيع والإنتاج المحلي بهدف خفض فاتورة الاستيراد من المبيدات والمدخلات الزراعية وبما يحقق نسبة من الاكتفاء الذاتي من المواد والمستلزمات الزراعية.
وتضاف المتغيرات الدولية الطارئة بسبب الحرب في أوكرانيا إلى جملة من التحديات الاقتصادية، نظراً لتعرض قطاع الإنتاج المحلي للعديد من الخسائر الاقتصادية وتدمير للبنية التحتية نتيجة لاستمرار الصراع الدائر في اليمن.