الولايات المتحدة تمدد "قانون قيصر" حتى 2029: عرقلة نهوض الاقتصاد السوري

17 ديسمبر 2024
سوق في دمشق، 10 ديسمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تمديد العقوبات وتأثيرها: مددت الولايات المتحدة العقوبات على سوريا حتى 2029 بموجب "قانون قيصر"، مما يزيد من التحديات الاقتصادية ويؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الأساسية، مما يزيد من معاناة الشعب السوري.

- الدعوات لرفع العقوبات: هناك دعوات متزايدة من خبراء ومدافعين عن حقوق الإنسان لرفع العقوبات، مشيرين إلى أنها تعيق إعادة الإعمار وتؤثر سلباً على الاقتصاد السوري بعد التغيير السياسي.

- الآثار الإنسانية والاقتصادية: العقوبات تسببت في انخفاض قيمة العملة وارتفاع التضخم، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 800% بين 2019 و2021، مما فاقم الظروف الإنسانية والاقتصادية.

على عكس المتوقع تماماً، مددت الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية على سورية، المفروضة منذ ديسمبر/ كانون الأول 2019، ضمن "قانون قيصر"، وذلك حتى عام 2029، بعدما انتهى مفعوله في 17 يونيو/ حزيران 2024. 

ورغم الموقف الرسمي، بدأت صحف ومراكز أبحاث أميركية تنشر تقديرات تشير إلى أن عدم تفكير الكونغرس في تخفيف العقوبات الآن يشبه "سحب البساط من تحت أقدام سورية، كي تنهض اقتصادياً، في وقت تحاول فيه الوقوف على قدميها".  

موقع "إنترسيبت" الاستقصائي الأميركي أشار إلى أن إعادة بناء سورية وإخراجها من رماد الحرب الأهلية المدمرة، الذي سيأخذ وقتاً طويلاً، يمكن أن يختصره الغرب لو رفع العقوبات عن "سورية الجديدة"، التي كانت مفروضة أصلاً على نظام بشار السابق. وأوضح أن هناك طريقة واحدة لمساعدة السوريين الذين يتطلعون إلى البدء بإعادة بناء سورية الجديدة، ويعانون من شحّ الأموال، للحصول على الموارد اللازمة لبناء مستقبل مستقر ومزدهر، هي "إنهاء العقوبات الأميركية".  

وأقرّ مجلس النواب الأميركي، يوم 12 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، "قانون تفويض الدفاع الوطني"، ويتضمن تمديد عقوبات "قانون قيصر" حتى عام 2029، ما سيشكل عقبة وتداعيات، ويزيد التحديات الاقتصادية التي يواجهها النظام الجديد في سورية.  

ويقول المحللون والمشرعون الأميركيون إن إنهاء العقوبات قد يبدأ بتقديم الإغاثة إلى السوريين وتعزيز اقتصادهم، لكن الطريق إلى هذه الإغاثة يمر عبر واشنطن، أي الكونغرس والرئيس الأميركي. وطالب خبراء ومدافعون عن حقوق الإنسان، الإدارة الأميركية بإنهاء العقوبات المفروضة على سورية على الفور، وقبل تصديق مجلس الشيوخ والرئيس جو بايدن على تمديد العقوبات.  

أسباب إبقاء قانون قيصر

وقال ديلاني سيمون، المحلل البارز في "مجموعة الأزمات الدولية": "إن عدم تفكير أميركا في تخفيف العقوبات في الوقت الحالي يشبه سحب البساط من تحت أقدام سورية في الوقت الذي تحاول فيه الوقوف على قدميها". وأكد أن العقوبات تؤثر بشدة في الاقتصاد السوري، وكان من المفترض أن ينتهي قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية لعام 2019 في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2024، لكن الكونغرس مدده ليصبح ساري المفعول، ما يضر بالنمو السوري.  

واعتبر "سيمون" أن تصنيف الدولة السورية والثوار الذين يقودون البلاد حالياً باعتبارهم "منظمات إرهابية" يخلق عقبات ضخمة أمام التجارة السورية والنمو.  

وأكد أنه كان على مجلس النواب أن يراعي قبل تمديده العقوبات، لأن سقوط الأسد يستوفي شروطاً معينة في قانون قيصر، وبالتالي فالرئيس يستطيع التنازل عن العديد من العقوبات على سورية. أكد أن هناك "تأثيراً مخيفاً" للعقوبات على الكيانات السورية التجارية الخاصة، وأنه رغم محاولة تقليص الأضرار باستمرار المساعدات الإنسانية، إلا أن هذه الأمور الإنسانية لا تستطيع أن تولّد اقتصاداً كاملاً بمفردها.  

ويعتقد سيمون أن الولايات المتحدة والحكومات الأخرى التي تفرض العقوبات ستضع خطة لإلغاء هذه التدابير في نهاية المطاف، لذا يطالب الولايات المتحدة بأن تتخذ خطوة فورية تتمثل بإصدار ترخيص عام يسمح بالأنشطة التجارية، لا المساعدات الإنسانية فحسب، في سورية.  

وقال روبرت فورد، السفير الأميركي لدى سورية في عهد الرئيس باراك أوباما، لموقع "إنترسيبت" إنه بصرف النظر عن المخاوف من "هيئة تحرير الشام"، إلا أن إلغاء أميركا بعض العقوبات سيكون لفتة طيبة، وخصوصاً تلك العقوبات التي تستهدف قطاع البناء.  

وقال السفير السابق "فورد": "إن الحجة القائلة بأن العقوبات الثانوية على سورية لم يكن لها تأثير في المدنيين السوريين غير دقيقة"، لأن العقوبات أدت إلى تأخير مشاريع البناء، وانخفاض بناء المساكن لعامة السوريين، وهذا يعني أيضاً انخفاض الوظائف وانخفاض الأجور. أيضاً العقوبات على منتجات الطاقة، وعدم بيع النفط والبنزين لسورية، ساعدا في رفع أسعار الطاقة في سورية، وهذا أيضاً أثر في الجمهور، وفق "فورد".  

الظروف تغيرت

وفي مؤتمر صحافي يوم 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، قبل سقوط نظام الأسد، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إن سياسة الولايات المتحدة تتمثل بمعارضة إعادة الإعمار في سورية إلى أن يحدث "تقدم لا رجعة فيه نحو حل سياسي".  
ويقول نواب كونغرس وخبراء ومدافعون عن حقوق إن تلك اللحظة (سقوط النظام وحل سياسي جديد) قد حانت بالفعل، ومن ثم يجب اغتنامها.  

ودفع هذا اثنان من المشرعين، هما النائب جو ويلسون، والنائب بريندان بويل، لكتابة رسالة لإدارة بايدن يوم 11 ديسمبر/ كانون الأول 2024، يحثانها فيها على تخفيف بعض العقوبات المفروضة على سورية، بعدما تغير نظام الأسد.  

ودعا المشرعون إدارة بايدن إلى إبقاء العقوبات على المسؤولين السابقين في حكومة الأسد فقط، وتعليق أجزاء من قانون قيصر، وتحديداً تلك التي أدرجت قطاعات كاملة من الاقتصاد في القائمة السوداء ومنعت إعادة الإعمار.  

وجاء في الرسالة: "إن هناك حاجة إلى نهج متعمد ومتدرج لرفع العقوبات وضوابط التصدير المفروضة على سورية"، بحسب "وكالة رويترز". أيضاً طالبت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، ومقرها لاهاي بهولندا، في رسالة للإدارة الأميركية، 16 ديسمبر/ كانون الأول 2024، برفع جميع العقوبات المفروضة على سورية "بعدما سقط نظام الأسد".  

أكدت أن العقوبات الاقتصادية والسياسية "ارتبطت بجرائم النظام الأسدي المخلوع ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ولم يعد هناك أي مبرر لفرض العقوبات على مؤسسات الدولة باعتبارها وسيلةً لردع النظام ومعاقبته وتحقيق التغيير السياسي، لأن هذا تحقق الآن".  
وأوضح البيان أن الاستمرار في فرض هذه العقوبات الآن بعد رحيل النظام السابق "قد يحولها من أدوات للمحاسبة إلى عقبات تقف في طريق التعافي الاقتصادي السوري".  

كذلك طالبت "شبكة العلاقات الدولية الإلكترونية" (E-International Relations)، في رسالة للغرب بتاريخ 16 ديسمبر/ كانون الأول، برفع العقوبات عن سورية، معتبرةً أنه "حان الوقت لرفع العقوبات ذات الطابع الاقتصادي عن سورية بعد سقوط نظام الأسد"، خصوصاً مع حلول موسم الأعياد المسيحية للسوريين. وأكدت أن العقوبات بسبب مخاوف وحسابات سياسية، من هيئة تحرير الشام، لا ينبغي أن تعرقل تعافي سورية.  

وبعد ساعات من سقوط نظام الأسد، قال رئيس الائتلاف السوري، هادي البحرة، لموقع "CNBC"، إن رفع العقوبات عن سورية سيكون من أول مطالب المعارضة بعد تسلمها مقاليد الحكم في البلاد، ورفع بنك سورية المركزي من القائمة السوداء ليتمكن التجار من التحرك.  

وأدت عقود من الضغوط الاقتصادية الأميركية، التي حفزها في الأغلب المشرعون المتشددون، إلى جعل سورية واحدة من أكثر الدول التي تخضع لعقوبات قاسية في العالم، حيث صُنِّفَت الحكومة السورية (نظام الأسد) نفسها على أنها "دولة راعية للإرهاب" منذ عام 1979، لكن الحرب الاقتصادية اشتدت في عام 2011، عندما اندلعت الحرب الأهلية.  

وفي عام 2019، أقرّ الكونغرس قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين، الذي وسّع بشكل كبير قدرة الولايات المتحدة على فرض عقوبات على الأفراد والشركات والحكومات لممارسة الأعمال التجارية مع نظام الأسد. وزعم المؤيدون أن القانون صُمم للتخفيف من الضرر المحتمل الذي قد يلحق بالمدنيين السوريين، ويتجنب معاقبة المساعدات الإنسانية، خصوصاً الإمدادات الطبية والغذائية المخصصة للاستخدام المدني، على حد تعبير "مؤسسة بروكينغز".  

لكنّ تقريراً للمقرر الخاص للأمم المتحدة صدر عام 2023 أكد أن "الامتثال المفرط المتزايد" للعقوبات، وبخاصة قانون قيصر، كان له "آثار سلبية خطيرة" على مجموعة واسعة من حقوق الإنسان المجتمعية والاقتصادية.  

ونتيجة للعقوبات الأميركية التي تستهدف قطاعات كاملة من الاقتصاد وجميع البنوك الكبرى في سورية، هبطت قيمة العملة السورية وارتفعت معدلات التضخم إلى عنان السماء، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الظروف الإنسانية والاقتصادية المزرية بالفعل على الأرض. وبين عامي 2019 و2021، ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية في سورية بنسبة 800 في المئة، وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.  

المساهمون