الموازنة الأعلى في تاريخ العراق تواجه تحديات ضخمة

18 يناير 2023
أكثر من 115 مليار دولار إيرادات النفط في 2022 (فرانس برس)
+ الخط -

مع إعلان الانتهاء من كتابة أعلى موازنة سنوية في تاريخ العراق بقيمة نقدية تتجاوز 200 تريليون دينار، (نحو 140 مليار دولار)، ضمّت موازنة 2023 في بنودها أكبر شق تشغيلي في تاريخ البلاد والذي يقدر بـ 80 تريليون دينار، شاملاً المصروفات الحكومية ورواتب الموظفين، فيما حُدد سعر برميل النفط ضمن الموازنة بأرقام تقديرية لا تتجاوز الـ 70 دولاراً وفق سعر الصرف الثابت 1460 ديناراً للدولار الواحد.
ويرى مختصون بالشأن الاقتصادي أن الحكومة العراقية لم توضح الرؤية الاقتصادية في ما يتعلق بموضوع سعر برميل النفط، إذ رغم رفع الحرب الروسية الأوكرانية أسعار النفط، فإنّها مرشحة للهبوط خلال فترة قريبة.
ويؤكد المختصون أنّ الحكومة ستكون أمام حرجٍ كبير في ظل عدم امتلاكها بدائل مالية، بخاصة مع ارتفاع رواتب موظفي الدولة ضمن مشروع الموازنة المرتقب من 42 تريليون دينار إلى 60 تريليونا مما يرهق إلى حد كبير الموازنة العامة، ويشكل عبئاً كبيراً على حجم الإيرادات المالية.

عجز كبير
نشر النائب في البرلمان العراقي، مصطفى سند، وثيقة على حسابه الشخصي في "تويتر" بيّن من خلالها أن حجم النفقات ضمن الموازنة العراقية لسنة 2023 يقدر بـ269 تريليون دينار عراقي، بينما يقدر حجم إيرادات الدولة بـ 148 تريليون دينار.

وأضاف سند في تغريدته أنّ حجم العجز المالي الذي تشهده الموازنة يقدر بـ 121 تريليونا، مما يخالف قانون الإدارة المالية الذي يؤكد على ألّا تتجاوز نسبة العجز في الموازنة 3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
في المقابل، قال بيان لوزارة المالية العراقية، أمس الثلاثاء، إنّ "وزارة المالية رصدت العديد من المعلومات المغلوطة وغير الصحيحة المتداولة بشأن حجم النفقات والإيرادات المتوقعة ضمن مسودة مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2023".
وأكدت الوزارة بحسب البيان، أن "تلك المعلومات لا تعدو كونها جملة من الاقتراحات الواردة من قبل الوزارات والجهات غير المرتبطة بها، وليس الشكل النهائي لمضمون قانون الموازنة". وأضاف البيان أنّ "مشروع قانون الموازنة ما زال في طور الإعداد، والمناقشات بصددها مستمرة مع مختلف الجهات الرسمية المعنية لإنضاج قانون الموازنة بعد تضمينها المنهاج الحكومي المصادق عليه من قبل مجلس النواب، كما أنّ العمل جارٍ على إعداد المسودة النهائية للمشروع ومن ثم تقديمها إلى مجلس الوزراء للنظر بشأنها والأخذ بالتوصيات بحسب ما تفرضه الظروف الاقتصادية الراهنة للبلد". وتابع البيان، أن "العمل جارٍ على إعداد مسودة الموازنة النهائية".
ودعت الوزارة وفقاً للبيان، الرأي العام والمختصين والإعلاميين كافة، إلى تلقي المعلومات والأخبار من مصادرها الرسمية المعروفة، من خلال موقع الوزارة الإلكتروني والصفحات الرسمية المعتمدة التابعة لها".

الدور التشريعي
طالب عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، جمال كوجر، الحكومة بالإسراع في إرسال الموازنة إلى البرلمان لقراءتها وإقرارها بالسرعة الممكنة. وقال كوجر في حديث صحافي، إن تأخير إقرار الموازنة ينعكس سلباً على السوق المحلية، ويعطل المشاريع الاقتصادية التي ستنعكس سلباً على المواطن العراقي.

وأشار كوجر إلى أنّ تأخير الموازنة جاء نتيجة لحداثة الحكومة، فضلاً عن المشاكل والعوائق والصراعات السياسية، مشدداً على أهمية الإسراع في إرسال الموازنة إلى مجلس النواب للتصويت عليها، لأنّ أغلب المشاريع الخدمية والدرجات الوظيفية متعلقة بها.
من جانبه، قال عضو اللجنة المالية النيابية في البرلمان العراقي، معين الكاظمي، إنّ الموازنة قد تصل إلى البرلمان مطلع الأسبوع المقبل، وإن اللجنة المالية ستعكف على دراستها، وستكون هناك قراءتان أولى وثانية لإجراء بعض التعديلات لتتم المصادقة عليها نهاية شهر فبراير/ شباط المقبل. وبيّن الكاظمي، لـ"العربي الجديد"، أنّ الموازنة التشغيلية المتضمنة مرتبات موظفي الدولة ارتفعت من 42 تريليون دينار إلى 60 تريليوناً، ما يرهق الموازنة العامة في المستقبل.
وأكد أنّ وضع رواتب الموظفين بهذا الحجم سيحدث مشكلات جسيمة في حال هبوط أسعار النفط العالمية، مشدداً على ضرورة إيجاد موارد أخرى غير النفط، عبر دعم القطاع الخاص والاستثمار والنهوض بالواقع الزراعي والصناعي.

الموازنة الأعلى في تاريخ العراق
أوضح الباحث الاقتصادي، نبيل جبار التميمي، أن حجم الموازنة المتداول من خلال بعض التسريبات يؤكد وجود موازنة ضخمة قد تكون هي الأعلى بتاريخ العراق قد تتجاوز حاجز الـ 200 تريليون دينار. وأضاف التميمي، لـ"العربي الجديد"، أن الجانب التشغيلي من الموازنة سيزيد عن 80 تريليون دينار وصولاً إلى أكثر من 100 تريليون دينار، وهو مبلغ كبير جداً، عادة ما تكون تلك الموازنات التشغيلية حاكمة في الإنفاق الحكومي، وأن يكون سعر النفط بـ 57 دولاراً لكلّ برميل كحد أدنى لتمكين الحكومة من توفير تلك الموازنات.
وأوضح الباحث الاقتصادي أنّ صاحب القرار في العراق لا يدرك حجم التأثيرات الاقتصادية العرضية للموازنات الضخمة التي قد تساهم في زيادة التضخم بالأسعار بشكل أو بآخر.
وتوقع التميمي تعطل تنفيذ الموازنة خلال الفترة المقبلة إذا استمرت الأزمة لعدة أشهر قادمة، وأنّ المعالجات تستوجب وقتاً إضافياً، مما يدفع البنك المركزي نحو طباعة المزيد من العملة المحلية خلال الفترة القادمة، لتعزيز حسابات الحكومة، وهو إجراء لا يخلو من المخاطرة. ولفت إلى أنّ الحكومة ستعتمد في الموازنة على سعر الصرف الثابت بقيمة 1460 ديناراً لكلّ دولار، وقد تفترض الحكومة سعر نفط بين 60 - 70 دولاراً لكلّ برميل، وهو سعر تخميني مبني على الحدود الدنيا للتوقعات السعرية للنفط.

أوضح الباحث الاقتصادي، نبيل جبار التميمي، أن حجم الموازنة المتداول من خلال بعض التسريبات يؤكد وجود موازنة ضخمة قد تكون هي الأعلى بتاريخ العراق


وشهدت الإيرادات النفطية قفزة هائلة خلال العام الماضي، إذ أكد بيان صادر عن وزارة النفط العراقية بداية الشهر الجاري أنّ البلاد حققت "أكثر من 115 مليار دولار من تصدير النفط الخام لعام 2022" بكمية مليار و209 ملايين برميل، بحسب إحصائية أولية. أمّا معدّل التصدير اليومي فقد بلغ 3 ملايين و320 ألف برميل، وفق البيان.
ويأتي تحقيق العراق لهذه الإيرادات في ظل ارتفاع سعر برميل النفط تأثراً بالحرب الروسية في أوكرانيا، ومع إبقاء دول تحالف أوبك+ على حصص إنتاجها كما هي. وتعدّ هذه الإيرادات الأعلى منذ عام 2020، وانتشار كورونا الذي أثّر على أسعار النفط. ورغم الإيرادات النفطية الهائلة سيواجه العراق صعوبات اقتصادية بالغة ويحتاج إلى مشاريع بنى تحتية عديدة بعد سنوات من الحرب.

أبرز التحديات
أكدت الاقتصادية العراقية، سلام سميسم، أن الموازنة الاتحادية المرتقبة تواجه العديد من التحديات، أهمها، عدم استقرار سعر صرف الدولار الذي يؤثر على طبيعة تقييم الموازنة. وأضافت سميسم، أن من بين التحديات مشكلة حصة إقليم كردستان العراق من الموازنة، وأن هذا التحدي يخضع لعوامل سياسية، فضلاً عن أن البنك الدولي ألزم العراق باحتساب سعر برميل النفط بـ 64 دولارا. وأكدت سميسم أن جميع هذه التحديات يتم حلها من خلال الاتفاق السياسي وليس الاقتصادي، إلا أن القفزة المرتقبة للإنفاق على الرواتب تزيد العبء على الموازنة وتزيد حجم الترهل الوظيفي.
وشددت على أن الموازنة لم تختلف من ناحية صياغتها عن السنوات الماضية، لأنها تمضي بنفس المشاكل والاختلالات، من خلال الإنفاق على الأمن والدفاع، فضلاً عن أكثر الرواتب والنثريات الجانبية. ولفتت سميسم، إلى أن الموازنة العامة للدولة لسنة 2023 لا تحمل في طياتها أي جانب يؤدي إلى التطور التنموي والاستثماري، مع عدم وجود تخطيط صحيح وانتشار الفساد على أفق واسع.