القطاع الزراعي في لبنان يدفع ضريبة توترات الحرب

29 يناير 2024
شكّلت الزراعة العصب الاقتصادي للقرى الحدودية اللبنانية (الأناضول)
+ الخط -

يومياً، يتكبّد القطاع الزراعي في لبنان خسائر فادحة نتيجة القصف المتقطع على الحدود الجنوبية بين "حزب الله" وإسرائيل منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهو ما يزيد الأزمة الاقتصادية اللبنانية تعقيدا.

وعلى وقع حرب إسرائيلية مدمّرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، تشهد الحدود الإسرائيلية اللبنانية منذ اليوم التالي توترا وتبادلا متقطعا للنيران بين الجيش الإسرائيلي من جهة و"حزب الله" وفصائل فلسطينية من جهة أخرى، وهو ما خلّف قتلى وجرحى على جانبي "الخط الأزرق" الفاصل.

وعلى مدى السنوات الماضية، شكّلت الزراعة العصب الاقتصادي للقرى الحدودية اللبنانية، ويُعدّ سهلا مرجعيون والوزاني الأكثر شهرة، إذ يرفدان السوق المحلية بحوالي 30% من حاجته.

لكن منذ 8 أكتوبر الماضي، توقف المزارعون في الجنوب عن الذهاب إلى حقولهم، ولحقت بهم خسائر فادحة، وأدى عدم طرح المحاصيل الجنوبية في الأسواق الداخلية إلى رفع أسعار الخضار بشكل لافت.

وقال مزارعون التقتهم وكالة "الأناضول" في منطقة مرجعيون إنهم لم يتمكّنوا من زراعة حقولهم للموسم الشتوي، ولم يتمكنوا من جني محاصيل موسم الخريف، بينما تشكل الزراعة مصدر دخل لحوالي 70% من سكان الجنوب.

ورصدت وزارة الزراعة، بحسب ما صرح به وزيرها عباس الحاج حسن في 22 يناير/ كانون الثاني الجاري، 613 حريقا على مساحة 210 كلم في الأراضي الزراعية جنوبي لنبان.

ودمرت غارات الجيش الإسرائيلي نحو 800 هكتار من الأراضي الزراعية، بما في ذلك أكثر من 50 ألف شجرة زيتون عمر بعضها 300 عام، فيما نفقت الآلاف من رؤوس الماشية، بينها أغنام وماعز وأبقار، بحسب الوزير.

وشدد على أنه "في هذه المرحلة، من المستحيل تقديم أرقام دقيقة حول حجم الأضرار، حيث يتواصل القصف الإسرائيلي يوميا".

ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عبر تقرير في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2023، فإن "أكبر الخسائر لحقت بالقطاع الزراعي، الذي يشكل 8% من الناتج المحلي الإجمالي، واكتسب أهمية كبرى في أعقاب الأزمة الاقتصادية، مع رفع مساهمته في الاقتصاد من 3% عام 2019 إلى 9% عام 2020".

وأفاد التقرير الأممي بأن جنوبي لبنان "يساهم بنحو 21.5% من إجمالي المزروعات في لبنان، وتشكل الزراعة فيه مصدر دخل رئيسيا للعديد من الأسر".

كارثة على المزارعين

من جانبه، قال المزارع شاهين حنا شاهين (69 عاما): "لا أستطيع الذهاب إلى أرضي في سهل مرجعيون التي تعرضت للقصف، وهي تقع على بعد 3 كلم من الحدود مع إسرائيل".

وتابع: "لدي 35 دونما مزروعة فاكهة الأفوكاتو والجوز، الذي لم أستطع جنيه بسبب القصف المتواصل على أرضي، حيث أصيبت مضخات وأنابيب الري بأضرار كبيرة".

بنبرة حزينة، أضاف شاهين: "لم أتمكن من جني سوى (ما يعادل) 15 صفيحة من حقول الزيتون من أصل مئة صفيحة مقدرة، بسبب هروب العمال أثناء القصف الإسرائيلي على الحقول".

وأردف: "جراء الحرب الدائرة منذ 8 أكتوبر، تكبدت خسائر بما لا يقل عن 20 إلى 30 ألف دولار، ولدي ديون للتجار حيث كنت أستدين لزراعة أرضي".

والدموع في عينيه، أعرب شاهين عن أسفه لأن الدولة لا تعوضه عن الخسائر، متسائلا: "مَن يدفع عني الديون؟.. لن نزرع الأرض بعد الآن، وخاصة أن الحرب قد تطول إلى ما بعد الصيف".

مشاكل قطاع الدواجن

ولا تقتصر الأضرار في الجنوب اللبناني على القطاع الزراعي، إذ قال فؤاد الحمرا، وهو صاحب مزرعة دواجن في مرجعيون، إن "القطاع الحيواني يعاني مشاكل كثيرة بسبب القصف والموجهات المستمرة.. الدواجن تموت عند سماع صوت القصف".

وأضاف الحمرا: "كما أن تجار العلف (طعام الدواجن) لا يأتون إلى المنطقة بسبب الخطر الذي تسببه المواجهات، إضافة إلى أننا واجهنا صعوبة بتصريف الإنتاج، لأن المنطقة لا يوجد فيها أحد.. الجميع نزحوا إلى المناطق الأخرى".

كما "نواجه مشكلة بالتخزين في البرادات (الثلاجات)، لأنه لا وجود للكهرباء؛ لذلك خفضنا الإنتاج في المزرعة إلى 80 بالمئة، وإذا طالت الحرب سنتوقف عن العمل كليا"، كما أردف.

بدون موسم الحبوب

"أضرار القطاع الزراعي في الجنوب كبيرة نتيجة عدم وصول المزارعين إلى محاصيلهم لقطفها"، وفقا لمدير المركز الزراعي التابع لوزارة الزراعة في قضاء مرجعيون فؤاد ونسة.

وأفاد بأن "موسمي الزيتون والجوز لم يُقطفا بسبب عدم تمكن المزارعين من الوصول إلى حقولهم، إضافة إلى موسم الحبوب الذي لم يُزرع هذا العام، وهذا سيدخلنا في مشكلة أخرى قد تؤدي الى عدم وجود مواسم مثل القمح وغيره".

ونسة تابع: "لا توجد أرقام رسمية للخسائر حتى الآن، بسبب عدم تمكن الوزارة من الوصول لمسح الأضرار، ونقدر الأضرار في الثروتين الحيوانية والنباتية بحوالي 80%".

وبالنسبة إلى مربي المواشي، قال إن "جزءا كبيرا من المربيين نقلوا كل المواشي إلى مناطق ساحلية وآمنة، وسيواجهون مشكلة تصريف إنتاجهم من الحليب ومشتقاته في مناطق نزوحهم".

فوسفور أبيض

وبحسب المستشار الإعلامي في الحركة البيئية اللبنانية (غير حكومية) مصطفى رعد، فإن "نتائج فحوصات أجراها فريق مشترك من وزارة البيئة ومختبر البيئة والزراعة والغذاء في الجامعة الأميركية ببيروت أظهرت وجود نسب عالية من مادة الفوسفور الأبيض (حارق ومحرم دوليا) في 8 مواقع جنوبية قصفها العدو الإسرائيلي".

رعد أوضح أن "نتائج الفحوصات أظهرت وجود 40 ألف جزئية بالمليون، وهو معدل أعلى بـ400% من المتوسط الطبيعي، وهو 100 جزئية في المليون".

كما أظهر "المسح أن هناك حوالي 460 هكتارا احترقت بسبب مادة الفوسفور الأبيض وهي أشجار زيتون، أشجار معمرة، أعشاب برية.. أكثر من 40 ألف شجرة زيتون احترقت في المواقع التي شملها المسح"، كما ختم رعد.

(الهكتار = 10 آلاف متر مربع)، (الدونم = 1000 متر مربع)

(الأناضول)

المساهمون