لم يتبق للمصريين من رواتبهم ودخولهم المحدودة شيئاً للإنفاق على ذويهم وأسرهم، فهناك حكومة تعطي باليمين وتأخذ بالشمال، وهناك نظام ينفق ببذخ على مشروعات وصفها بالكبرى والقومية ولا طائل من ورائها.
وهناك قفزات مستمرة في أسعار السلع تأكل الأخضر واليابس وتزيد الفقراء فقراً وبؤساً، والأخطر أنها أدت لتآكل الطبقة المتوسطة.
وهناك موجات تضخمية متوقعة قدرها صندوق النقد الدولي بأكثر من 18% وقدرتها بنوك استثمار محلية بنحو 30%، في حين قدرها تجار ومسؤولو الغرف التجارية بنحو 60% في السلع الغذائية.
وهناك زيادات مرتقبة في سعر تذكرة المترو، وسيلة النقل الأكثر شعبية في القاهرة الكبرى، وكذا في تذاكر القطارات، كما زادت تعرفة الميكروباص الوسيلة الأكثر شعبية في شوارع مصر.
ومع مضاعفة أسعار أسطوانة الغاز لتصبح 30 جنيهاً للأنشطة التجارية و15 جنيهاً للمنازل باتت كل أسعار المطاعم مرشحة للارتفاع بشدة.
ومع تفاقم مشكلة التضخم وأسعار السلع والخدمات تتآكل مدخرات المصريين في القطاع المصرفي، وتصبح سالبة، أي أن المودعين يتكبدون خسائر عن أموالهم، بدلاً من أن يحصلوا على أرباح وعوائد وأسعار فائدة.
لم يكف الحكومة الإجراءات الاقتصادية العنيفة التي قامت بها نهاية الأسبوع الماضي من خفض قيمة الجنيه مقابل الدولار بنسبة 48% وما تبعها من زيادة لأسعار المشتقات البترولية من بنزين وسولار وغاز ومازوت وغيرها بنسب تصل في بعض الأحيان لأكثر من 80%.
ولم يكفِ الحكومة الزيادات المستمرة في أسعار الكهرباء وآخرها ما تم في شهر أغسطس الماضي حيث زادت الأسعار بنسبة 40%.
ولم يكفها تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 13% على كل مراحل الإنتاج والاستهلاك، ولم يكفها خفض الدعم عن سلع رئيسية.
لم يكفها كل هذا الكم من الإجراءات التقشفية العنيفة، ولذا راحت تواصل مسلسل نهب مدخرات المصريين وبالقانون.
آخر ما تفتق عنه ذهن الحكومة هو بحث فرض ضريبة تصاعدية على رواتب المصريين يتم من خلالها التهام ما تبقى من الدخول المحدودة، والإعلان جاء على لسان رئيس الوزراء في آخر مؤتمر صحافي عقده الجمعة الماضية.
هناك من يسأل: ولماذا لا يتحرك المصريون لرفض هذه القرارات العنيفة كما فعلوا أيام السادات؟
والإجابة تكمن في القهر والخوف من الرصاص الحي والمعتقلات والسجون.
أدعوا الله أن يحفظ البلاد والعباد من نظام يدفع الناس دفعاً نحو ثورة جياع، ثورة قد تكون أعنف من الثورات التي شهدتها بلدان أخرى منها البرازيل وتشيلي والهند.
ثورة ليس موعدها 11 -11 كما يظن البعض، فثورات الجياع ليس لها موعد محدد وإنما تندلع في ثوان معدودة، ساعتها لن ينفع الندم.
حفظ الله مصر.