بين اختفاء السكر وندرة البصل والطماطم تحول الثوم إلى قائد جديد لموجات الغلاء الرهيبة التي تهيمن على الأسواق المحلية، بعد أن بلغ أرقاماً فلكية، إذ تضاعف سعر كيلوغرام الثوم البلدي الأبيض والأحمر من مستوى 30 جنيهاً إلى 70 جنيهاً خلال أسبوع واحد، تبعه ارتفاع بسعر الثوم المستورد من الصين من 70 جنيهاً إلى 120 جنيهاً.
ويختفي البصل المحلي من الأسواق ويظهر القليل منه كبير الحجم أو المبتور ومخلفات الموسم الزراعي المنتهي مايو/ أيار الماضي، بسعر 25 و30 جنيهاً للكيلوغرام، وتوزع الطماطم النادرة بسعر 25 جنيهاً بالمناطق المتوسطة، ويختفي أثرها بالأحياء الشعبية، التي تحتاجها بشدة، مع عدم وجود بدائل رخيصة من الطماطم المطبوخة (الصلصة).
والتهمت أسعار الطماطم والبصل والثوم ميزانية معظم الأسر التي تصارع أزمة اقتصادية طاحنة، لا تسمح لها بالحصول على وجبة شعبية رخيصة.
التهمت أسعار الطماطم والبصل والثوم ميزانية معظم الأسر التي تصارع أزمة اقتصادية طاحنة، لا تسمح لها بالحصول على وجبة شعبية رخيصة
وجاء قرار شركات السكر الحكومية برفع سعر توريد السكر من 14 جنيهاً للكيلو إلى التجار والموزعين إلى 31.4 جنيهاً للكيلوغرام دفعة واحدة، قبيل موسم توريد قصب السكر وتشغيل المصانع بكامل طاقتها التي تنتج نحو 2.8 مليون طن تكفي 90% من حاجة البلاد من السكر سنويا، لتثير اضطرابا هائلا في الأسواق.
أضاف القرار أزمة لسلعة حيوية، في بلد يحتفي أهلها بصناعة الحلويات مع احتفالات شعبية بالمولد النبوي (بعد غد الأربعاء) ما دفع شركات التوزيع إلى وضع السكر على قائمة خاصة، لمنع بيع أكثر من 5 كيلوغرامات للأسرة، بسعر 34 جنيهاً للكيلوغرام، وعرضت محلات تشارك في معارض المنتجات الشعبية بالتعاون مع الغرف التجارية بيع السكر بسعر 31.5 جنيهاً للكيلوغرام وبحد أقصى يبلغ كيلوغرامين للفرد.
وتعكس موجة الغلاء حالة اضطرابات شديدة تمر بها الأسواق، مواكبة لتحركات حكومية برفع رواتب العاملين في الدولة وقطاع الأعمال وأصحاب المعاشات، في ظل تراجع الجنيه، وحالة عدم الاستقرار السياسي التي تواكب الدعوة إلى انتخابات رئاسية، أدت إلى تأجيل برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يعلم المواطنون أن البلاد ستشهد عقب الانتهاء منه حالة غلاء فاحش، مع تراجع جديد في قيمة الجنيه، وسط توقعات بزيادة جديدة لأسعار الكهرباء والوقود والخبز والأرز ووسائل النقل ومستلزمات الإنتاج.
قال وزير المالية المصري محمد معيط، إنّ الحكومة أحالت قوانين الزيادة المقررة للعاملين بالدولة وأصحاب المعاشات، إلى مجلس النواب لاعتمادها، فور انعقاده في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، على أن تصرف، مع رواتب نفس الشهر. وفي وقت سابق قدر الوزير تكلفة حزمة المساعدات سنوياً، بنحو 60 مليار جنيه.
تعكس موجة الغلاء حالة اضطرابات شديدة تمر بها الأسواق، مواكبة لتحركات حكومية برفع رواتب العاملين في الدولة وقطاع الأعمال وأصحاب المعاشات
ووفق المشروع المعروض على البرلمان سيرتفع الحد الأدنى للدخل من 3500 إلى 4 آلاف جنيه، مع زيادة حد الإعفاء الضريبي على الدخل بنسبة 25%.
وتستهدف الحكومة مساعدة الأسر الفقيرة والمتوسطة على مواجهة الزيادة في أسعار السلع الأساسية، وتنشيط الاستهلاك، وتحريك الأسواق من حالة الركود التي تواجهها، منذ عدة أشهر، بعد أن زادت حدتها مع استمرار القطاع الصناعي والإنتاجي غير المنتج للنفط، عند مستوى أقل من 50 نقطة، للشهر 32 على التوالي، وفقاً لمؤشر "ستاندرد آند بورز" الشهري، لمديري الشركات غير المنتجة للنفط.
يرجع خبراء الارتفاع الكبير في أسعار الخضراوات والفاكهة خلال الأيام الماضية، إلى تفضيل التجار التوجه بما لديهم من إنتاج للأسواق الدولية، خاصة الدول المجاورة والخليج، للاستفادة من فروق قيمة العملة، التي ترفع العائد من المبيعات بنسبة 120%.
يعتبر اقتصاديون الزيادة المقررة من الحكومة غير كافية لأن تمكّن الحاصلين عليها من مواجهة التضخم، لضعف الزيادة في الأجور والمعاشات بصفة عامة، كما أنها ستترك باقي أفراد المجتمع في حالة ضعف أكبر لقوتهم الشرائية، لعدم قدرتهم على مواجهة زيادة الأسعار، أو توفير جزء من الدخل، لاستثماره في توليد فرص عمل جديدة، في أي من القطاعات الإنتاجية والخدمية.
يشير المحللون إلى أن استمرار سياسات التشدد النقدي التي يتبعها البنك المركزي، منذ فبراير/ شباط 2022، وقبوله مستويات عالية من التضخم، بلغت 40%، لن تساهم في خفض الأسعار، قبل منتصف العام المقبل، عند النقطة التي يستهدفها البنك المركزي، في العودة إلى معدلات تضخم مقبولة رسمياً.
ارتفع التضخم إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، في أغسطس/ آب الماضي، للشهر الثالث على التوالي، ليصل إلى 37.4% بأسعار المستهلكين بالمدن مشارفا على 40%، في الريف والحضر. قفزت معدلات التضخم متأثرة بزيادة أسعار المواد الغذائية والمشروبات، التي ارتفعت بنسبة 71.4% على أساس سنوي.
من المنتظر أن تجري الحكومة تخفيضا جديدا للعملة قبل نهاية العام، لمواجهة تزايد الواردات المتراكمة في الموانئ
من المنتظر أن تجري الحكومة تخفيضا جديدا للعملة قبل نهاية العام، لمواجهة تزايد الواردات المتراكمة في الموانئ والتي يقدرها مستوردون بنحو 5.5 مليارات دولار، بما يمثل 16% من الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي، مع وجود مخاطر بعدم قدرة الحكومة على تسييل الأصول المتوقعة من بيع الشركات العامة، حيث باعت أصولا بنحو 1.6 مليار دولار، حتى يوليو/ تموز الماضي، بينما تستهدف بيع 7 شركات بقيمة 4.6 مليارات دولار بنهاية عام 2024.
خفضت الحكومة قيمة الجنيه 3 مرات، منذ فبراير/ شباط 2022، ما أدى إلى فقده أكثر من 50% من قيمته، مقابل الدولار، مع استمرار ضغوط السوق السوداء، بما يرفع سعر الدولار بنسبة 20% عن المعدلات الرسمية ليستقر عند 41 جنيها مقابل الدولار، بينما يدير البنك المركزي سعرا آخر للصرف مستقرا عن 31 جنيها.
تلجأ الشركات الصناعية والتجارية والأسر إلى تدبير حاجتها من الدولار من السوق السوداء، كما تحمل البنوك الموردين المسموح لهم باستيراد توافق عليها الحكومة، عمولات تدبير عملة ترفع الدولار إلى مستويات السوق السوداء، بما يحمل المستهلكين مباشرة أية زيادة تطرأ على تكاليف الواردات والتشغيل.
أيد رئيس لجنة الزراعة بمجلس الشيوخ المصري، عبد السلام الجبلي، قرار وزير التموين على مصيلحي، بتخلي الحكومة عن توزيع الأرز على بطاقات التموين، قائلا في تصريحات صحافية إن دخول الحكومة كمنافس للتجار في شراء مليون طن أرز العام الماضي، تسبب في أزمة مع زيادة الطلب، والمنافسة مع التجار وارتفاع سعره بالأسواق، وكان أولى بها أن تعمل على توجيه الدعم المقرر للأرز، إلى زيت الطعام الذي يأتي من الخارج.
يبين الجبلي أن الأرز ينتج محليا ويكفي احتياجات المواطنين، داعيا أن يقتصر دور الحكومة على عدم تصدير الأرز للخارج، حتى لا تحدث فجوة بين الإنتاج والاستهلاك فترفع سعره، مع ندرته بالأسواق.
يرجع خبراء الارتفاع الكبير في أسعار الخضراوات والفاكهة خلال الأيام الماضية، إلى تفضيل التجار التوجه بما لديهم من إنتاج للأسواق الدولية
وطلبت لجنة الزراعة بمجلس النواب من الحكومة، توفير الأسمدة للمزارعين بسعر موحد، بغض النظر على مساحة الملكية، لمواجهة وجود أكثر من سعر لنفس المنتج بالأسواق، مع زيادة الكميات المطروحة بالأسواق، لمواجهة زيادة الطلب مع التوسع الزراعي، وخاصة بالأراضي الجديدة.
يبرر أصحاب المصانع، تخبط سوق الأسمدة، ووجود أكثر من سعرين للأسمدة، بأن الحكومة تورد إليهم الغاز الطبيعي، بسعرين أحدهما محلي، مقابل تسلمها الكميات المنتجة لحساب الجمعيات الزراعية والبنك الزراعي، والآخر بالدولار، الذي يصدر للخارج، أو يباع خارج الحصص المقررة لملاك الأراضي بمساحة أقل من 25 فدان.
وتمتلك مصر 9.5 ملايين فدان من الأراضي الزراعية، لها مصادر ري دائمة، يعتمد 90% منها على مياه نهر النيل، و10% تروى بالمياه الجوفية، مع مليوني فدان من الأراضي الصحراوية التي تعتمد على الخلط بين مياه النيل والصرف الصحي المكرر وقليل من الأمطار الموسمية.