الغزو الروسي لأوكرانيا يدفع أوروبا إلى حقبة جديدة من الإنفاق الضخم

الغزو الروسي لأوكرانيا يدفع أوروبا إلى حقبة جديدة من الإنفاق الضخم... مخصصات للطاقة والدفاع ومواجهة التضخم

02 مارس 2022
الحكومات الأوروبية قد تزيد لإنفاق على حماية المواطنين من الغلاء (فرانس برس)
+ الخط -

يدفع الغزو الروسي لأوكرانيا أوروبا نحو حقبة جديدة من الإنفاق الضخم، إذ ستكون الأموال الآن مطلوبة لكل شيء بدءا من البحث عن إمدادات بديلة للطاقة ومواجهة الكلف الاجتماعية الناجمة عن الغلاء وحتى تعزيز القدرات العسكرية، في إطار الاستجابة للتغيرات الجيوسياسية في المنطقة.

وبينما كانت أوروبا تستعد هذا العام، لتخفيف الأعباء المالية الناجمة عن تداعيات جائحة فيروس كورونا، التي فرضت على مختلف الدول حزم إنفاق لإنعاش الاقتصادات، أضحت في مواجهة تداعيات الحرب الروسية وارتدادات العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، ما سيؤدي إلى صعوبات إضافية لاسيما للدول المتأزمة ماليا بالأساس ويدفعها نحو مزيد من الاستدانة.

ألمانيا تخصص 112 مليار دولار

وأعلنت ألمانيا عن تخصيص 100 مليار يورو (112 مليار دولار) لميزانية الدفاع، فضلا عن مليارات الدولارات لتأمين إمدادات بديلة للطاقة لاسيما الغاز الطبيعي.

وفق وزارة الاقتصاد والمناخ، اليوم الأربعاء، فإن ألمانيا ستخصص مبلغا استثنائيا بقيمة 1.5 مليار يورو لشراء الغاز الطبيعي المسال في أقرب وقت بهدف ضمان إمداداتها من الطاقة في إطار الحرب في أوكرانيا.

وتستورد ألمانيا حالياً من روسيا أكثر من نصف الغاز الذي تستخدمه، بينما تشير برلين إلى أنها تريد خفض اعتمادها على الإمدادات الروسية في اسرع وقت ممكن.

ويشير تزايد الإنفاق في ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا، وفي أماكن أخرى، إلى احتمالية توفير تحفيز حمائي تجاه تصاعد أي تهديد من الحرب.

قال هولغر شميدنغ، كبير الاقتصاديين في فرع لندن لـ"بنك بيرنبرغ" الاستثماري ومقره هامبورغ في ألمانيا، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية: "لم يعد باستطاعة ألمانيا أن تقف وتعمل كجهة ضبط مالية.. القواعد المالية الأوروبية ستتغير.. فلقد تغيرت الأولويات".

ويوم الأحد الماضي، اقترح المستشار الألماني أولاف شولتز، دفع الإنفاق العسكري فوق هدف الناتو البالغ 2% من إجمالي الناتج المحلي. ويُعد هذا أمرا جريئا في بلد أعاق إرثه من الحرب العالمية الثانية تعزيز قوته العسكرية، ويعتز الناخبون فيه بالاحتراز المالي.

قالت فيليبا سيغل ـ غلوكنر، المسؤولة السابقة في وزارة المالية ومديرة مركز أبحاث "معهد المستقبل للتمويل الكلي" الذي يقع مقره في برلين: "يبدو أن هناك عالمين الآن: العالم العادي الذي ما يزال فيه إدخار المال هو الملك، وعالم الطوارئ الذي يكون فيه الإنفاق الكبير جزءاً من الاستجابة القوية.. سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى يعود العالم إلى طبيعته".

دفاع مشترك وتطوير شبكات الطاقة

وتحذو دول أخرى حذو ألمانيا. ففي هولندا، إحدى الدول التي يطلق عليها في أوروبا لقب (المقتصدون) التي تنصح عادةً بالاحتراز المالي، تعهدت وزير الدفاع كاجسا أولونغرن، يوم الاثنين الماضي، بتقديم خطة لزيادة الإنفاق لتصل إلى معايير "الناتو" من حوالي 1.4% حالياً.

وقال زولت دارفاس، الزميل البارز في مركز أبحاث "بروغل" ومقره بروكسل: "ستعيد العديد من الدول الأعضاء النظر في الإنفاق العسكري".

وفي السياق، قال سيباستيان دوليان، مدير "معهد الاقتصاد الكلي وأبحاث دورة الأعمال" لسياسات الاقتصاد الكلي الذي يقع مقره في ألمانيا: "ما هو واضح للجميع هو أننا بحاجة إلى إنفاق المزيد على الدفاع.. لطالما فضل الاتحاد الأوروبي البناء على الأدوات الموجودة.. سيكون منطقياً إعادة تفعيل صندوق (الجيل القادم للاتحاد الأوروبي) بشكل كامل لتمويل مشاريع الدفاع المشتركة أو ترقيات شبكة الطاقة".

ويمكن أن يبشر تحرك المستشار الألماني، لتسريع بناء محطتين للغاز الطبيعي المسال بمزيد من الاستثمار في هذا المجال ومجالات أخرى، نحو ما يسمى باتحاد الطاقة الذي يتوق إليه مسؤولو الاتحاد الأوروبي.

وقد يكون التكامل بشكل أفضل عاملاً مساعداً، إذ تمتلك إسبانيا حوالي ثلث قدرة الكتلة على استيراد الغاز الطبيعي المسال، لكن روابط النقل إلى بقية القارة محدودة.

حماية المواطنين من التضخم

وبصرف النظر عن البنية التحتية للدفاع والطاقة، فمن الممكن أن يؤدي الصراع إلى إنفاق آخر. ففي هذا الأسبوع، أشار محافظ بنك البرتغال المركزي ماريو سينتينو، إلى أن الحكومات قد تحتاج إلى حماية المواطنين من المزيد من التضخم الذي تغذيه تكاليف الوقود.

وأوضح سينتينو وفق بلومبيرغ: "إذا لزم الأمر، ينبغي إنشاء آليات لدعم الدخل على المستوى المالي لمواجهة تلك الصعوبات".

وفي المستقبل، هناك تكلفة مالية أخرى يمكن أن يواجهها الاتحاد الأوروبي، إذا انتهى الصراع بطريقة ما دون ضم أوكرانيا إلى روسيا. إذا نجح طلبها الذي قدمته، يوم الاثنين الماضي، للانضمام إلى الكتلة، فقد يلزم تخصيص برنامج إنفاق كامل لإعادة بناء البلاد.

وأعلن المستشار الألماني أمام "البوندستاغ" (المجلس التشريعي الاتحادي)، يوم الأحد الماضي: "بغزو أوكرانيا، نحن في حقبة جديدة.. هذا الواقع الجديد يتطلب استجابة واضحة.. ولقد قدمناها".

المساهمون