العدوان يشوّه أسواق غزة... خسائر للتجار وغلاء قياسي

09 يناير 2025
فلسطينيون يتسوّقون بين مبانٍ مدمرة في غزة (حسن الجدي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يشهد قطاع غزة ارتفاعًا غير مسبوق في الأسعار بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر، مما أدى إلى تضرر القطاعات الاقتصادية بنسبة 93% وتعطل سلاسل التوريد وتدمير البنية التحتية وارتفاع تكاليف النقل والوقود واحتكار السلع.

- يعاني المواطنون من تهاوي قدرتهم الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار واستنزاف مدخراتهم، بينما يواجه التجار صعوبات في العمل نتيجة ارتفاع تكاليف البضائع والنقل وغياب الرقابة الرسمية.

- نقص الإمدادات يؤدي إلى شح السلع الأساسية، حيث لا يتجاوز عدد الشاحنات الداخلة 13-15% من الاحتياجات، مما يفتح المجال للتحكم في الأسعار واستغلال حاجة الناس.

 

تواصل ارتفاع الأسعار في قطاع غزة إلى نسب غير مسبوقة في الوقت الذي تعاني فيه مختلف الشرائح المجتمعية من الأوضاع الاقتصادية الصعبة، بفعل التداعيات الكارثية على كل القطاعات الاقتصادية التي تضررت بنسبة 93% منذ بدء العدوان.
ولم يتسبب الدخول الجزئي بين الحين والآخر لبعض أصناف البضائع من تخفيف الأزمة، بفعل تواصل ارتفاع الأسعار، نتيجة دخول السلع الأساسية بنسب شحيحة لا تلبي سوى نحو 13% من الاحتياج الفعلي للمواطنين، في ظل المقتلة الإسرائيلية المتواصلة منذ 15 شهراً، في الوقت الذي تتفاقم فيه الأوضاع المعيشية والاقتصادية سوءاً يوماً تلو الآخر.

أسباب الغلاء في غزة

يعود ارتفاع الأسعار خلال الحرب على غزة إلى مجموعة من الأسباب الاقتصادية واللوجستية، التي تؤدي إلى اختلال العرض والطلب وعرقلة الأسواق، ومن أبرزها تعطل سلاسل التوريد، وتدمير البنية التحتية الاقتصادية، وارتفاع تكلفة النقل والوقود، واحتكار السلع، إلى جانب تقلبات أسعار العملات، وضعف الدعم الخارجي والإمدادات الدولية.
وترجع هذه الحالة إلى تفاعل العوامل الاقتصادية والإنسانية واللوجستية والتي تزيد بمجموعها من صعوبة حصول المواطنين على احتياجاتهم الأساسية، مما يفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية في القطاع.

ولم يفلح الدخول المحدود لبعض أصناف البضائع مؤخراً وفي أوقات متباعدة في السيطرة على حالة الغلاء، الأمر الذي أدى إلى تواصل معاناة نحو مليوني نازح فلسطيني يعيشون في مراكز ومدارس ومخيمات النزوح، وسط أوضاع اقتصادية ومعيشية وبيئية وصحية وأمنية غاية في السوء.
وكان الفلسطيني، أسعد مهاني، الذي يعمل في مجال بيع البقوليات والمواد الغذائية في سوق دير البلح، وسط قطاع غزة، يأمل في أن يساهم دخول بعض الأصناف الأساسية في خفض أسعارها، إلا أن ذلك لم يحدث نتيجة الشح الشديد في البضائع، وتعطش الأسواق لكميات أكبر من تلك التي يجري السماح بدخولها.
ويبين مهاني لـ"العربي الجديد" أن تواصل ارتفاع الأسعار دفعه إلى خفض كمية البضائع التي يتاجر فيها لعدم قدرته على شراء الكميات اللازمة لعمله. ويضيف: "توقعنا أن يساهم الدخول الأخير لبعض الأصناف في خفض أسعارها، إلا أن ذلك لم يحدث بفعل عدم قدرة البضائع القليلة على ري ظمأ الأسواق وحاجة المواطنين".

تهاوي القدرة الشرائية

ويشير مهاني إلى أن حالة الغلاء التي يتسبب فيها الاحتلال الإسرائيلي نتيجة التحكّم في أصناف ونسب البضائع، إلى جانب احتكار بعض التجار الأصناف الأساسية، يترافق مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة للمواطنين والتي لا تُمكنهم حتى من شراء الأصناف بأسعارها الطبيعية، بسبب استنزاف طول أمد الحرب لأموالهم ومدخراتهم، بينما يزيد تضاعف أسعار البضائع من عمق الأزمة.
صاحب بقالة، خالد أبو سمرة، يوضح أنه توقف عن العمل لفترة جراء خسارة محله التجاري ونزوحه برفقة أسرته، إلا أنه عاد للعمل تدريجياً على بسطة شعبية لتوفير المتطلبات الأساسية لعائلته، فيما لم يتمكن من توسيع عمله، بفعل الارتفاع الشديد في أسعار البضائع، بحجة النسب المرتفعة للنقل والتنسيقات والعمولات المطلوبة للتكييش (الحصول على سيولة نقدية) وشراء البضائع.
ويلفت أبو سمرة لـ"العربي الجديد" إلى أن تذبذب الأسعار وعدم استقرارها أدى إلى خسارته عدة مرات، بفعل المضاربة الشديدة في بعض الأصناف، إلى جانب إتاحة بعض التجار أصنافاً من السلع عبر التطبيقات البنكية، فيما لا يتمكن من توفير معظم بضائعه سوى عبر الدفع النقدي، الذي يزيد من تكلفة ثمن البضائع، ويجعلها غير قادرة على منافسة البيع عبر الدفع الإلكتروني.
ويوضح أبو سمرة أن المتسبب الأساسي في انفلات الأسواق بجانب غياب الرقابة الرسمية، يعود إلى المنع الإسرائيلي لدخول البضائع بشكل كاف ومنتظم، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام التلاعب والاحتكار والتحكم في الأسعار وفي آلية البيع والشراء، بينما يتحكم كذلك في أصناف السلع الموجودة والمختفية من الأسواق والبسطات الشعبية التي باتت المصدر الأساسي لرفد الأسر باحتياجاتهم، في ظل قصف وتدمير معظم المحال التجارية.

إمدادات ضعيفة لأسواق غزة

في الإطار، يوضح الصحافي والباحث الاقتصادي، أحمد أبو قمر، أن عدد الشاحنات التي تدخل إلى قطاع غزة من شماله حتى جنوبه لا يتجاوز 13 – 15% في أفضل الأحوال مقارنة بعدد الشاحنات التي كان يجري ضخها قبل بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ما يعني أن الكميات لا تزال قليلة، ولا يمكنها سد الاحتياجات المتزايدة.

ويوضح أبو قمر لـ"العربي الجديد" أن الحديث كان يدور قبل الحرب عن حاجة غزة لقرابة 400 شاحنة يومياً، بينما يجري منع دخول الشاحنات منذ بداية الحرب، وفي حال استثناء فتح المنافذ لدخول الشاحنات، لا يتجاوز السماح سوى بدخول 40 إلى 50 شاحنة، وهو ما يعرف بسياسة التقطير في عدد الشاحنات الواردة.
ويبين أن الاحتلال يتبع في الوقت ذاته سياسة الإغراق لبعض السلع، "ففي الوقت الذي تفتقر المحافظات الوسطى والجنوبية لسلعة الطحين الأساسية وغلاء أسعارها لنحو 15 ضعفاً، يجري إغراق محافظتي غزة والشمال بالطحين، وهي بالمجمل خطة إسرائيلية لزيادة التنغيص على المواطنين، وزيادة معاناتهم خلال الحرب الجارية".

ويعود ارتفاع الأسعار، وفق رؤية أبو قمر، إلى سببين، الأول هو انعدام الأمن الذي يدفع التاجر إلى دفع تكاليف إضافية لتأمين بضاعته، فيما يتمثل السبب الثاني بالعدد القليل للتجار المسموح لهم باستيراد البضائع، حيث تفتح هذه الجزئية الباب واسعاً أمام التحكم في الأسعار، من خلال حاجة الناس، أو استعمال مساحة التوريد الخاصة بهم لاستغلال تجار آخرين ممن لم يحصلوا على تصاريح توريد، عبر بيع حصة من مخصصات الاستيراد الخاصة بهم مقابل مبالغ مالية كبيرة. ويقول: "كل هذه التكاليف تحسب في النهاية على المستهلك".

ويلفت كذلك إلى التأثيرات الكبيرة لشح السيولة، وتداعياتها الصعبة على ارتفاع الأسعار، وأبرزها ارتفاع نسب "التكييش" جراء إغلاق البنوك، وبيع السيولة من بعض التجار المحتكرين بمقابل نسبة تصل إلى حوالي 30% من نسبة المبالغ المراد صرفها، إلى جانب العملات المهترئة، نتيجة عدم رفد السوق بعملات جديدة، بسبب إغلاق المعابر والتي خلقت أزمة نتيجة رفض التاجر والزبون التعامل بها لعدم قدرتهم على تصريفها.
ويرى أبو قمر ضرورة قيام سلطة النقد بإدخال السيولة اللازمة للتخفيف من حدة أزمة شح السيولة، إلى جانب قيام وزارة الاقتصاد بمتابعة الأسواق ومحاربة سياسة الاحتكار.

المساهمون