الصين تقلب التوقعات بمؤشرات على الانتعاش... والأسواق حائرة بين واشنطن وبكين

21 فبراير 2023
صندوق النقد توقع أن ينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 5.2% العام الجاري (Getty)
+ الخط -

بينما كانت أسواق المال والسلع الأولية تميل إلى التحوط بشدة خلال عام 2023 في ضوء توقعات النمو العالمية المتشائمة لأكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين، أضحت الأسواق حائرة بعد مرور نحو ستة أسابيع على بداية العام الجديد بين هرولة بكين نحو الانتعاش عبر سياسات نقدية واقتصادية مرنة، ومواصلة واشنطن سياسة التشديد النقدي الهادفة لكبح التضخم والتي تدفع نحو تباطؤ الاقتصاد الأميركي وتقود الكثير من دول العالم إلى الانكماش.

ويقلب الاقتصاد الصيني طاولة التوقعات المتشائمة التي أصدرتها المؤسسات المالية العالمية، خاصة صندوق النقد الدولي، خلال الأشهر الماضية، حيال النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إذ تنفض بكين غبار الأضرار التي تسببت فيها قيود مكافحة فيروس كورونا على مدار السنوات الثلاث الماضية، عبر محفزات حكومية عدة لتعزيز نشاط الشركات وزيادة الاستهلاك في البلد الذي يتجاوز عدد سكانه 1.4 مليار نسمة.

وضخت المؤسسات المالية في الصين 4.9 تريليونات يوان (719 مليار دولار) من القروض الجديدة في يناير/كانون الثاني الماضي، وفق بيانات صادرة عن بنك الشعب الصيني، فيما أبقت البنوك معدل فائدة الإقراض المعيارية دون تغيير للشهر السادس على التوالي، وذلك بعدما حافظ البنك المركزي على سياسته النقدية وسط علامات على انتعاش الطلب على قروض الشركات بشكل خاص.

قال بنك الشعب (المركزي)، أمس الإثنين إن سعر الفائدة الأساسي للقرض لمدة عام واحد مستمر عند 3.65%. كما جرى الإبقاء على معدل فائدة قروض السنوات الخمس، وهو معيار لفائدة الرهون العقارية، عند 4.3%. وقد يكون انتعاش الائتمان علامة على التعافي في بعض القطاعات بعد التخلي عن تطبيق سياسة "صفر كوفيد".

وأظهرت أحدث استطلاعات مديري المشتريات أن نشاط التصنيع والخدمات توسع للمرة الأولى خلال أربعة أشهر، في حين ارتفع السفر والإنفاق خلال عطلة رأس السنة القمرية الجديدة (أواخر يناير/كانون الثاني إلى منتصف فبراير/شباط).

وبلغ حجم الإقراض الجديد متوسط وطويل الأجل المقدم للشركات الشهر الماضي 3.5 تريليونات يوان، مما يعادل ثلاثة أضعاف المبلغ في ديسمبر/كانون الأول الماضي. كما بلغت القروض الجديدة متوسطة وطويلة الأجل للأسر، وهي مؤشر على الرهون العقارية، 223 مليار يوان، مقارنة بـ185 مليار يوان في ديسمبر/كانون الأول.

أعرب خبراء من صندوق النقد الدولي عن تفاؤلهم بشأن توقعات النمو الاقتصادي للصين في 2023. وفي وقت سابق من فبراير/ شباط الجاري، حدث صندوق النقد الدولي توقعاته الاقتصادية العالمية وتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 5.2% العام الجاري، بزيادة 0.8% عن توقعاته في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 البالغة 4.5%.

وقال ستيفن بارنيت، الممثل المقيم البارز لصندوق النقد الدولي في الصين، خلال ندوة في الصين حول الوضع الاقتصادي العالمي، وفق وكالة شينخوا، أمس، إن الصين ستظل واحدة من الدول الكبرى التي تشهد أقوى نمو هذا العام، وستبلغ مساهمتها في النمو الاقتصادي العالمي 30%.

وقال لي شين، نائب الممثل المقيم لصندوق النقد الدولي في الصين، إنه مع تحسين وتعديل سياسات الوقاية من الوباء في الصين، تتحسن مؤشرات مثل النقل وإجمالي مبيعات التجزئة للسلع الاستهلاكية ومؤشر مديري المشتريات التصنيعي، مما يشير إلى أن تفاؤل السوق آخذ في الازدياد.

وبعد نحو 3 سنوات من القيود الصحية الصارمة، أنهت بكين فجأة في ديسمبر/كانون الأول 2022 سياسة "صفر كوفيد" التي أضرّت بالاقتصاد وأثارت احتجاجات واسعة.

وسجل العملاق الآسيوي نمواً بنسبة 3% فقط العام الماضي، ليعد الأدنى في نحو 40 عاماً. وفي الفترة بين عامي 2020 و2022، سجل الاقتصاد الصيني متوسط نمو سنوي قدره 4.5%، متجاوزا المتوسط العالمي البالغ 1.8% وأعلى من الاقتصادات الكبرى الأخرى.

وتوقع المحللون الاستراتيجيون في بنك الاستثمار العالمي "غولدمان ساكس" في مذكرة، أمس، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية، أن تحقق إعادة فتح الاقتصاد أرباحاً غير متوقعة للشركات، لتقفز الأسهم الصينية بنسبة 24% عن المستويات الحالية.

وقال المحللون: "سيتحول التركيز الرئيسي في سوق الأسهم تدريجياً من إعادة الفتح إلى الانتعاش، حيث من الممكن أن يتحول محرك المكاسب المحتملة من التوسع المتعدد إلى نمو الأرباح".

وفي مقابل خطوات الصين الرامية إلى الانتعاش، تبدو الولايات المتحدة ماضية في سياسة التشديد النقدي لكبح التضخم والتي تدفع نحو تباطؤ النمو في أكبر اقتصاد في العالم. ونهاية يناير/كانون الثاني الماضي، توقع صندوق النقد الدولي أن يسجل الاقتصاد الأميركي نمواً بنسبة 1.4% في 2023، بينما سجل 2.1% العام الماضي.

وتبدو أسواق النفط أبرز مؤشر على رصد حيرة الأسواق العالمية بين زخم النمو في الصين وسياسة التشديد النقدي التي تقودها الولايات المتحدة لكبح التضخم، والتي تقود النمو العالمي إلى الانكماش.

وارتفعت أسعار النفط، أمس، بعد خسارة أسبوعية، حيث يوازن المستثمرون بين الإشارات المتشددة من الاحتياطي الفيدرالي المتعلقة بمواصلة رفع أسعار الفائدة وبين علامات على انتعاش الطلب المستمر من الصين بعد التخلي عن "صفر كوفيد". وصعد خام برنت ليتداول حول 83.4 دولارا للبرميل، فيما دار خام غرب تكساس الوسيط الأميركي لشهر مارس/ آذار عند نحو 77 دولارا للبرميل، بينما كان الخامان قد انخفضا بنحو 4% الأسبوع الماضي.

ورغم أن النمو الصيني أقل كثيراً مما سجله قبل عقد من الآن والذي وصل إلى نحو 11% و12%، إلا أن بكين تراهن على الصعود تدريجياً لنفض غبار الأضرار التي خلفتها جائحة كورونا وتباطؤ الاقتصاد العالمي.

فالإغلاقات التي تواصلت منذ مطلع 2020، واشتداد القبضة الحديدية للسلطات في بكين على الاقتصاد، لم تؤثر فقط على "مصنع العالم"، بل باتت تدفع بكثيرين ممن يحركون العجلة المالية الصينية الضخمة نحو التفكير بهجرة رؤوس أموالهم إلى الخارج، بحسب تقرير نشرته صحيفة Japan Times بالتعاون مع نيويورك تايمز في 12 يناير/كانون الثاني الماضي.

لكن تعقيدات الأوضاع الصينية خلال الأشهر الماضية، دفعت الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى انتهاج محاولات جديدة للحفاظ على مليارديرات الصين، بعدما أصبح الامتعاض واضحاً، ووصل صداه إلى ما هو أبعد من البر الصيني الرئيسي، بما في ذلك شنغهاي، بحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز.

وشكل العام الماضي علامة فارقة في معاناة الاقتصاد الصيني على مستوى التحديات الهيكلية، والتي زادت منها مجموعة القيود الصارمة لكورونا حتى ديسمبر/كانون الأول الماضي. وتضم الصين ثاني أكبر عدد مليارديرات بعد الولايات المتحدة، وبعض هؤلاء بات أكثر توجساً كما أغلبية الطبقة الثرية من سياسات الحكومة المركزية في بكين الرامية إلى إخضاع أجزاء كبيرة من قطاعات اقتصادية على غرار التكنولوجيا والخدمات لرقابة غير مسبوقة.

ورسمت مؤشرات النمو للعام الماضي صورة قاتمة للعام الجاري، إذ أعرب لوغان رايت رئيس قسم مركز الأبحاث، والشريك في شركة روديوم، عن تشاؤمه حول مستقبل الاقتصاد الصيني وتوقع أن يكون النمو الاقتصادي الفعلي حول الصفر "وربما يكون سالباً''.

وأضاف وفق ما نقلته صحيفة "إنفورماسيون" الدنماركية الشهر الماضي، أن "التكتم الرسمي (للحزب الشيوعي الحاكم في بكين) عن الوضع الكئيب سيكون بلا جدوى مستقبلا".

لكن قبضة بكين لإحكام رقابتها على الشركات الكبرى وتحرك رؤوس الأموال تخف من أجل تحفيز الأنشطة ودفع النمو الاقتصادي نحو الصعود ما يقلب كل التوقعات المتشائمة. وخففت لجنة تنظيم الأوراق المالية، مطلع الأسبوع الجاري، حدة القيود المفروضة على الشركات المحلية التي تسعى لإجراء طروحات عامة أولية في الخارج، بعدما أثار الانتعاش الاقتصادي الاهتمام المتجدد بأصول البلاد.

وأشارت اللجنة إلى أنها ستدعم إدراج الشركات الصينية التي تسعى لبيع الأسهم في الخارج، لكنها لفتت إلى أنه يتعين على الشركات الالتزام بقواعد الصين عند الكشف عن البيانات الشخصية واتخاذ الخطوات اللازمة لحماية أسرار الدولة. ومن شأن هذه الخطوة أن تساعد على إحياء مسار للشركات وللمستثمرين الصينيين للاستفادة من الأسواق المالية العالمية مرة أخرى.

المساهمون