الدين الحكومي المتزايد يهدد سلامة الاقتصاد الأميركي

19 مايو 2024
وزارة الخزانة الأميركية - واشنطن 22 فبراير 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- ارتفع الدين الحكومي الأميركي بنسبة تقريبية 50% منذ بداية جائحة كوفيد-19، متجاوزًا 34.5 تريليون دولار، وهو ما يزيد عن 120% من حجم الاقتصاد، مما أثار قلقًا كبيرًا في وول ستريت والاقتصاد الأميركي.
- جيروم باول، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي، أكد على الحاجة لمعالجة العجز الهيكلي الكبير، مع توسع القلق بشأن الديون ليشمل الشركات الحكومية والمالية الكبرى.
- التقديرات تشير إلى ارتفاع الديون المستحقة على العامة إلى 116% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العقد المقبل، مع توقعات بعجز في الميزانية يصل إلى 2.6 تريليون دولار بحلول 2034، مما ينذر بتحديات كبيرة للاقتصاد الأميركي ويحتم على السياسيين التعامل بجدية.

ارتفع الدين الحكومي الأميركي بنسبة تقترب من 50% مقارنة بما كان عليه في الأيام الأولى لظهور وباء كوفيد 19، الأمر الذي تسبب في تصاعد مستويات القلق في وول ستريت، وعلى الاقتصاد الأميركي برمته.

وتجاوزت قيمة سندات الدين الفيدرالي الأميركي هذا العام مستوى 34.5 تريليون دولار، أي أكثر مما كانت عليه في مارس/آذار 2020 بنحو 11 تريليون دولار، وهو ما مثل نسبة 120% من حجم الاقتصاد الأميركي الذي يعد أكبر اقتصاد في العالم.

وحتى وقتٍ قريب، لم يتم التعبير عن القلق بشأن هذه الأرقام الضخمة إلا خلال المناوشات الحزبية، وكذلك من الهيئات الرقابية مثل لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة. ومع ذلك، ففي الأيام الأخيرة، امتدت الأحاديث إلى الشركات الحكومية والمالية ذات الثقل، حتى أن إحدى الشركات البارزة في وول ستريت تساءلت عما إذا كانت التكاليف المرتبطة بالديون تشكل خطرًا كبيرًا على ارتفاعات سوق الأسهم، التي سجلت مؤشراتها الرئيسية هذا الأسبوع مستويات قياسية جديدة.

وقال رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي جيروم باول في تصريحات يوم الثلاثاء أمام جمهور من المصرفيين في أمستردام: "إننا نعاني من عجز هيكلي كبير، وسيتعين علينا التعامل مع هذا عاجلاً أم آجلاً، والأمر سيكون عاجلاً أفضل من آجلاً". ورغم أن باول تجنب سابقاً التعليق على مثل هذه الأمور، فقد شجع مستمعيه على قراءة التقارير الأخيرة لمكتب الميزانية بالكونغرس حول الوضع المالي للبلاد.

وقال: "يجب على الجميع أن يقرأوا الأشياء التي تنشر حول عجز الميزانية الأميركية ويجب أن يشعروا بقلق بالغ من أن هذا أمر يحتاج المشرعون المنتخبون من المواطنين إلى التعامل معه عاجلاً وليس آجلاً".

الاقتصاد الأميركي والديون والعجز

وتنذر بيانات البنك المركزي الصادرة حديثاً، والتي يتم التعامل معها في الكونغرس، بالسوء لأنها تحدد المسار المحتمل للديون والعجز. وتشير تقديرات الوكالة الرقابية التابعة للكونغرس إلى أن الديون المستحقة على عامة الناس، والتي تستبعد الالتزامات الحكومية الداخلية، يبلغ مجموعها حاليا 27.4 تريليون دولار، وهي مرشحة للارتفاع من النسبة الحالية، والمقدرة بـ99% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى 116% على مدى العقد المقبل. وقال مكتب الميزانية في الكونغرس في آخر تحديث له إن ذلك سيكون "أكبر من أي مستوى تم تسجيله في أي وقت مضى في تاريخ البلاد".

وكان ارتفاع العجز في الميزانية سبباً في تفاقم الديون، ويتوقع مكتب الميزانية في الكونغرس أن يزداد الأمر سوءاً، خلال السنوات القادمة. وتتوقع الوكالة عجزًا بقيمة 1.6 تريليون دولار في السنة المالية 2024، تحقق منها 855 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة، وتراه واصلاً إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2034. وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، سينمو العجز من 5.6% في العام الحالي إلى 6.1% خلال 10 سنوات، وفقاً للوكالة.

وذكر التقرير أنه "منذ الكساد الكبير، لم يتجاوز العجز هذا المستوى إلا خلال وبعد فترة وجيزة من الحرب العالمية الثانية، وأيضاً وقت الأزمة المالية العالمية 2007-2009، ثم خلال فترة ظهور وانتشار وباء كوفيد 19".

وبعبارة أخرى، فإن مستويات العجز المرتفعة هذه شائعة في الغالب في فترات الركود الاقتصادي، وليس الرخاء النسبي الذي تمتعت به الولايات المتحدة في أغلب فترات السنوات الثلاث الأخيرة. ومن منظور عالمي، فإن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ملزمة بإبقاء العجز عند مستوى 3% من الناتج المحلي الإجمالي.

وكانت التداعيات المحتملة للديون على المدى الطويل موضوع مقابلة أجراها جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورغان تشيس، مع قناة سكاي نيوز ومقرها لندن الأربعاء الماضي. وقال رئيس أكبر بنك أميركي من حيث الأصول والإيرادات الربحية: "يجب على أميركا أن تدرك تمامًا أنه يتعين علينا التركيز على قضايا العجز المالي لدينا أكثر قليلاً، وهذا مهم للعالم".

وأضاف ديمون: "في مرحلة ما سوف يسبب مشكلة، فلماذا تنتظر؟ سوف يكون سبب المشكلة هو السوق، وبعد ذلك سوف تضطر إلى التعامل معها، وربما بطريقة غير مريحة أكثر بكثير مما لو كنت قد تعاملت معها في البداية".

وبالمثل، قال راي داليو، مؤسس "بريدجووتر أسوشيتس" لإدارة الاستثمار، لصحيفة فاينانشال تايمز قبل بضعة أيام إنه يشعر بالقلق من أن ارتفاع مستويات الديون الأميركية سيجعل سندات الخزانة أقل جاذبية "خاصة من المشترين الدوليين القلقين بشأن صورة الديون الأميركية والعقوبات المحتملة".

وتظهر أحدث الأرقام الصادرة من وزارة الخزانة الأميركية الأربعاء الماضي أن هذه المخاوف لم تتحقق حتى الآن، حيث بلغت الحيازات الأجنبية من الديون الفيدرالية الأميركية 8.1 تريليونات دولار في مارس/آذار، بزيادة 7% عن العام الماضي. ولا تزال سندات الخزانة الأميركية هي أدوات الدين الأكثر أماناً في العالم، حيث تعتبر في نظر ملايين المستثمرين خالية من المخاطر، وتمثل مكانًا جذابًا لحفظ الأموال النقدية، إلا أن هذا قد يتغير إذا لم تقم الولايات المتحدة بكبح جماح احتياجاتها المالية.

وامتدت مخاوف تعقد سوق السندات الأميركية إلى أسواق الأسهم. وقال محللون في شركة وولف للأبحاث في مذكرة حديثة: "المشكلة الكبيرة الواضحة هي أن الدين الفيدرالي الأميركي يسير الآن على مسار طويل الأجل غير مستدام على الإطلاق". وتشعر الشركة بالقلق من انصراف مستثمري السندات عن الشراء لو لم تتمكن الولايات المتحدة من ترتيب بيتها المالي، في حين يؤدي ارتفاع تكاليف الفائدة إلى مزاحمة الإنفاق على المشروعات العامة.

وكتب محللو وولف: "شعورنا هو أن صناع السياسات من الحزبين لن يكونوا مستعدين لمعالجة الاختلالات المالية طويلة المدى في الولايات المتحدة بطريقة جدية حتى تبدأ السوق في التصدي بقوة لهذا الوضع غير المستدام. وأضافوا: "نعتقد أن صناع السياسات والسوق على الأرجح يقللون من تقدير صافي تكاليف الفائدة المتوقعة في المستقبل".

وقد أدى رفع أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياط الفيدرالي إلى تعقيد وضع الديون، حيث رفع بنك الاحتياط الفيدرالي سعر الاقتراض قصير الأجل 11 مرة بدءًا من مارس/آذار 2022 حتى يوليو/تموز 2023، بإجمالي رفع 5.25%، مستخدماً العديد من الأدوات الأخرى لتشديد السياسات النقدية.

وبلغ صافي الفوائد على الديون، والتي تمثل إجمالي مدفوعات الديون الحكومية مطروحًا منها ما تحصل عليه من دخل الاستثمار، 516 مليار دولار في السنة المالية الحالية، وهو ما يتجاوز النفقات الحكومية على الدفاع الوطني أو الرعاية الطبية، ويقترب من أربعة أضعاف ما تم إنفاقه على التعليم.

ومن الممكن أن تحدث الانتخابات الرئاسية بعض الاختلافات المتواضعة في الوضع المالي، حيث يسجل التاريخ أن الديون ارتفعت في عهد الرئيس جو بايدن، كما ارتفعت في عهد منافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، في أعقاب تطبيق سياسات الإنفاق القوية، التي كانت لازمة للتصدي للتبعات المالية للجائحة.

وقال الاقتصاديان في بنك الاستثمار العملاق غولدمان ساكس، أليك فيليبس وتيم كروبا، في مذكرة: "يمكن أن تغير الانتخابات التوقعات المالية على المدى المتوسط، على الرغم من أن هذه التغييرات قد تكون أقل كثيراً من التوقعات".

وأضافا: "يمكن أن يؤدي اكتساح الحزب الجمهوري إلى تمديد فترات التخفيضات الضريبية للشركات التي قدمها ترامب في عام 2017، في حين أن فوز الديمقراطيين قد يشهد تطبيق زيادات ضريبية، على الرغم من أن معظم هذه الزيادات سيذهب لتغطية الإنفاق المتزايد".

وأكد محللا البنك أن أكبر مشكلة في الميزانية هي الإنفاق على الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، مشيرين إلى أن الإصلاح في أي من البرنامجين "تحت أي سيناريو" في ما يتعلق بالانتخابات، لن يكون محتملاً.

المساهمون