أربك الدولار القوي عملات العالم، وضغط على اقتصادات مختلفة، خاصة مع هروب الأموال نحو الأسواق الأميركية. ويرى المنتدى الاقتصادي العالمي أن قوة الدولار أضرت بمعظم العملات والمستثمرين في أسواق المال عدا السائح الأميركي الذي بات يتجول في أوروبا ودول العالم بأقل الأسعار.
وحتى الآن ارتفع الدولار بأكثر من 10% في عام 2022 مقارنة بالعملات الكبرى الأخرى -بالقرب من أعلى مستوى له منذ عقدين- حيث سارع المستثمرون القلقون بشأن الركود العالمي إلى جني الدولارات، التي تعتبر ملاذاً آمناً في الأوقات المضطربة.
ومما يزيد جاذبية الدولار مواصلة الاحتياط الفيدرالي رفع أسعار الفائدة لمعالجة التضخم المرتفع. وهو ما زاد من جاذبية الاستثمارات الأميركية، لأنها تقدم الآن عوائد أعلى.
سارع المستثمرون القلقون بشأن الركود العالمي إلى جني الدولارات، التي تعتبر ملاذاً آمناً في الأوقات المضطربة
وحسب المنتدى الاقتصادي العالمي "يبتهج المسافرون في الولايات المتحدة لأن ليلة في روما كانت تكلفهم 100 دولار في السابق وتكلف الآن حوالي 80 دولاراً، لكن ارتفاع الدولار يمثل صورة أكثر تعقيداً للشركات متعددة الجنسيات والحكومات الأجنبية".
وعلى صعيد التجارة العالمية التي يجري إصدار حوالي نصف فواتيرها بالدولار، فقد أربكت العملة الأميركية المرتفعة الشركات والصناعة التي تدفع فواتير الاستيراد بالدولار، وكذلك بالنسبة للدول النامية التي تحتاج إلى سداد ديونها بالدولار.
وأدى التقلب في أسواق الأسهم والسندات الأميركية، بسبب ارتفاع الفائدة على الدولار، إلى أزمات في أسعار الصرف العالمية، فقد ارتفع الدولار بنسب كبيرة مقابل العملات الناشئة عدا عملات أميركا اللاتينية التي تمكنت من الإفلات من "مجزرة الدولار".
ويعتقد مصرف "مورغان ستانلي" أن تواصل ارتفاع الدولار سيقود إلى قيام البنوك المركزية بمحاولة إدارة تكاليف الاقتراض السيادية بفعالية أكبر.
في اليابان حيث تراجع الين إلى أدنى مستوى له من 20 عاماً، أثيرت مخاوف في طوكيو من هروب الثروات اليابانية التي تراكمت لعقود من بلاد الشمس المشرقة إلى الولايات المتحدة. وذلك على الرغم من أن اليابان من الدول التي تستفيد من ضعف العملة في نمو الصادرات.
تراجع اليورو بسبب تأخر البنك المركزي الأوروبي في تشديد السياسة النقدية ورفع الفائدة التي رأى أنه لا مفر منها
وفي أوروبا تراجع اليورو إلى أقل من دولار واحد. ونفذ البنك المركزي الأوروبي سياسة رفع الفائدة أخيراً في محاولة لإنقاذ العملة من الانهيار ومواجهة التضخم الذي يؤثر سلباً على العملة.
وتراجع اليورو بسبب تأخر البنك المركزي الأوروبي في تشديد السياسة النقدية ورفع الفائدة التي رأى أنه لا مفر منها.
أما بالنسبة لليوان الصيني فقد أدى تطبيق سياسات عدم انتشار فيروس كورونا المستجد إلى إضعاف توقعات الانتعاش الاقتصادي، ودفع البنك المركزي الصيني نحو تخفيف السياسة، مما تسبب في انخفاض قيمة اليوان.
على صعيد العملة البريطانية، يرى موقع "إكونومك هيلب" البريطاني أن احتمال دخول بريطانيا في دورة ركود اقتصادي بات شبه مؤكد.
ويقول "إذا دخلت المملكة المتحدة في حالة ركود، فمن المتوقع أن تنخفض أسعار الفائدة في المملكة المتحدة مقارنة بالدول الأخرى". وهذا من شأنه أن يجعل المملكة المتحدة أقل جاذبية للمستثمرين، وأن تغادر تدفقات الأموال الساخنة سوق لندن المالي وتنتقل إلى البلدان ذات معدلات الفائدة المرتفعة.
هنالك مخاوف على سعر صرف الإسترليني إذا هرب المستثمرون من بريطانيا
وبالتالي هنالك مخاوف على سعر صرف الإسترليني إذا هرب المستثمرون من بريطانيا، لأن ذلك يعني حدوث مبيعات مكثفة للجنيه الإسترليني وشراء العملات الأخرى، مما قد يتسبب في انخفاض قيمة الجنيه.
لكن الركود الاقتصادي سيؤدي إلى ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، وقد يتسبب ذلك في قلق المستثمرين من قدرة الدول على خدمة السندات، خاصة في منطقة اليورو التي تعاني من مجموعة من الأزمات السياسية.