حثت كريستالينا جورجيفا، رئيسة صندوق النقد الدولي، صانعي السياسة في مختلف دول العالم على اتخاذ إجراءات متضافرة لتجنب "الوضع الطبيعي الجديد" الخطير، مع تزايد مخاطر حدوث ركود عالمي بسبب الصدمات الاقتصادية المتكررة.
وفي خطاب ألقته قبل اجتماعات الخريف السنوية للصندوق والبنك الدوليين المقرر عقدها الأسبوع المقبل، قالت العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي إنّ من الأهمية بمكان "تحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي من خلال معالجة التحديات الأكثر إلحاحاً"، بما في ذلك التضخم المتفشي.
وأضافت جورجيفا: "يتعين على صانعي السياسات العمل معاً للحيلولة دون تحول هذه الفترة من الهشاشة المتزايدة إلى حالة (طبيعية جديدة) خطيرة".
وحذرت رئيسة الصندوق من أن هذه العملية ستكون مؤلمة، مشيرة إلى أنه إذا تحركت البنوك المركزية بقوة كبيرة لتخفيف ضغوط الأسعار، "فقد يؤدي ذلك إلى ركود اقتصادي طويل الأمد".
ويجتمع وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية من أكثر من 180 دولة الأسبوع المقبل في واشنطن لحضور أول اجتماع بحضور شخصي كامل لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي منذ عام 2019، قبل جائحة كوفيد -19.
ونقلت وكالة فرانس برس عن جورجيفا قولها: "في مواجهة التوقعات العالمية القاتمة، ومخاطر الركود الآخذة في الارتفاع، فإن مقرض الأزمات (تقصد صندوق النقد الدولي) يخطط مرة أخرى لخفض توقعاته لعام 2023 للاقتصاد العالمي، في تقرير التوقعات المقرر نشره الأسبوع المقبل للاجتماع السنوي.
وقالت رئيسة الصندوق إنّ من المتوقع أن يشهد ثلث دول العالم انكماشاً في ربعين على الأقل، مشيرةً إلى أنه "حتى عندما يكون النمو إيجابياً، فإنه سيبدو كركود بسبب ارتفاع الأسعار الذي يؤدي إلى تآكل الدخل.
وخفض الصندوق في يوليو/ تموز الماضي توقعاته للنمو لهذا العام إلى 3.2%، وفي العام المقبل إلى 2.9%، ما يعد ثالث خفض على التوالي لتقديرات الصندوق.
صدمة، بعد صدمة، بعد صدمة..
وأشارت فرانس برس إلى أن اجتماعات هذا العام تأتي في وقت صعب على الاقتصاد العالمي، بعد إحكام السيطرة على الوباء إلى حدٍّ كبير، لكن التضخم المرتفع وارتفاع معدلات الفائدة يهددان الآن بحدوث انتكاسات في جميع أنحاء العالم وخنق التعافي الوليد.
وقالت جورجيفا في كلمتها في جامعة جورج تاون: "في أقل من ثلاث سنوات عشنا صدمة، بعد صدمة، بعد صدمة".
وشكلت أزمات العرض على مستوى العالم تحدياً للاقتصاد العالمي، حيث ارتفع الطلب في أعقاب التباطؤ الذي سببه الوباء، ما أدى إلى زيادة التضخم في جميع أنحاء العالم، وتفاقَم التوتر في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي وصفته جورجيفا بأنه "حرب لا معنى لها"، دفعت أسعار المواد الغذائية إلى الارتفاع.
وقالت جورجيفا: "بعيداً عن كونه عابراً، فقد أصبح التضخم أكثر ثباتاً، والعمل قبل أن تترسخ الأسعار المرتفعة يمثل تحدياً رئيسياً لصانعي السياسة"، محذرة من أن "تكلفة أخطاء السياسة البسيطة يمكن أن تكون هائلة".
وفي لقاء مع قناة سي إن بي سي الإخبارية المعنية بالاقتصاد والأسواق، أكدت جورجيفا أن الدخول في ركود "قد يمثل الثمن الذي ندفعه لخفض الأسعار"، مشيرة إلى أن هذا أمر لا بد من تحمله.
وأضافت جورجيفا: "عدم التشديد بما فيه الكفاية من شأنه أن يتسبب في أن يصبح التضخم راسخاً ومتجذراً، ولكن التحرك كثيراً وبسرعة كبيرة، والقيام بذلك بطريقة متزامنة عبر البلدان، يمكن أن يدفع العديد من الاقتصادات إلى ركود طويل الأمد".
وأكدت أنه رغم المخاطر، يتعين على البنوك المركزية العمل بقوة، لكون الآلام المسببة على المدى القصير تمنع التعرض لآلام أكبر كثيراً، تمتد لفترات أطول، وتمسّ كلاً منا، وفقاً للوكالة.
ضائقة الديون
شددت جورجيفا على الحاجة إلى سياسات مالية لمساعدة الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، لكنها حذرت من أن الجهود يجب أن تستهدف "بتركيز شديد للغاية الأسر ذات الدخل المنخفض"، لتجنب العمل ضد السياسة النقدية الحالية.
وحذرت من الاعتماد على ضوابط الأسعار التي لا تكون ميسورة التكلفة وغير فعالة.
وأشارت "فرانس برس" إلى أن الوباء أجبر العديد من البلدان على الاقتراض، وأن العديد من هذه البلدان يواجه حالياً ضائقة الديون، أو يواجهونها وسط ارتفاع معدلات الفائدة. وهذا "يزيد من مخاطر اتساع أزمة الديون"، ما قد يضر النمو العالمي. وقالت جورجيفا إنه لتقليل المخاطر، فإن "كبار الدائنين مثل الصين ودائني القطاع الخاص يتحملون مسؤولية التصرف"، داعية إلى اتخاذ إجراءات "أسرع وأكثر قابلية للتنبؤ" بشأن إعادة هيكلة الديون.
(فرانس برس، العربي الجديد)