الحرب تعمّق جراح الاقتصاد الفلسطيني: زيادة الشيكات المعادة

19 فبراير 2024
الاحتلال يستهدف تدمير الاقتصاد الفلسطيني (فرانس برس)
+ الخط -

شهدت الشهور الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، (الربع الرابع من 2023)، ارتفاعاً في عدد وقيمة الشيكات المعادة في السوق الفلسطيني، فيما يبدو تأثراً مباشراً بالأوضاع الاقتصادية المترتبة على الحرب الإسرائيلية على غزة بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

تشير البيانات الرقمية التي تنشرها سلطة النقد الفلسطينية (البنك المركزي) إلى مؤشرين على الشيكات المعادة، الأول يعبر عن جميع الشيكات المعادة بغض النظر عن السبب والتي منها الأسباب الفنية والقانونية، والثاني مرتبط فقط بالشيكات المعادة لعدم كفاية الرصيد.

سجل العام 2023 رقماً قياسياً في قيمة الشيكات المقدمة للتقاص، وبلغت أكثر من 24 مليار دولار، مقارنة بـ23.6 مليار للعام 2022، وفي المقابل شهد العام الماضي، تسجيل ارتفاع في قيمة الشيكات المعادة لتصل إلى ملياري دولار تقريبا منها 1.5 مليار لعدم كفاية الرصيد، مقابل 1.5 مليار دولار في العام 2022، منها 850 مليون دولار لعدم كفاية الرصيد.

ولكون الشيكات المعادة بسبب عدم كفاية الرصيد هي المرتبطة أكثر بالوضع الاقتصادي، فيمكن ترجمة الأرقام أعلاه إلى أن العام 2023، سجل شيكات معادة بسبب عدم كفاية الرصيد بنسبة 6.3% من مجمل قيمة الشيكات، بينما كان العام 2022، سجل 3.6% لعدم كفاية الرصيد.

وشهد الربع الرابع من العام الماضي، ما بعد اندلاع الحرب، وصول نسبة قيمة الشيكات المعادة لعدم كفاية الرصيد إلى 9.9% من قيمة مجمل الشيكات، بينما كانت النسبة للأشهر التسعة التي سبقتها مجتمعة 5.3%. 

ارتفاع كبير 

ترجع سلطة النقد الفلسطينية الارتفاع خلال الربع الأخير، إلى التبعات الاقتصادية للحرب، وفي إجابة نصية عن أسئلة لـ"العربي الجديد"، قالت: إن الربع الأخير شهد ارتفاعا كبيرا في عدد الشيكات المعادة لعدم كفاية الرصيد، لكن قيمة تلك الشيكات ارتفعت فقط بما لا يزيد عن 11% خلال هذا الربع، رغم التراجع الحاد في التدفقات النقدية الواردة إلى الاقتصاد بسبب توقف العمال في إشارة إلى العمال في الأراضي المحتلة عام 1948، وقرصنة المقاصة في إشارة إلى رفض الاحتلال تحويل أموال الضرائب الفلسطينية المخصصة لغزة ورفض السلطة الفلسطينية استلام المبالغ منقوصة.

كما تحدثت السلطة عن توقف مشتريات الفلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 1948 خلال تسوقهم من الضفة الغربية، مشيرة إلى أن سلطة النقد ومؤسسات الأبحاث تهتم بقيمة الشيكات أكثر من العدد.

وتشير سلطة النقد إلى إعادة صرف ما قيمته 532 مليون دولار من إجمالي قيمة الشيكات المعادة خلال العام الماضي، وذلك بإعادة الإيداع، أو من خلال التسويات الرضائية، وهو ما يعني أن نسبة قيمة الشيكات المعادة التي لا يتوفر بيانات بشأن آلية تسويتها 4% فقط.

يوافق الباحث في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، مسيف مسيف، في حديث مع "العربي الجديد" بوصف الارتفاع بالطفيف في حال مقارنة العام الماضي، مع السنوات العشر السابقة، ولكن كما يقول، إن تمت المقارنة بين الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، مع الفترة ذاتها من العام 2022، فإن الارتفاع سيكون ملحوظاً.

تجيب سلطة النقد على "العربي الجديد" حول آثار تزايد الشيكات المعادة بالقول إن هناك تبعات اقتصادية واجتماعية وأخرى قانونية وقضائية، مشيرة إلى أن ما يهمها الاستمرار بالإجراءات الهادفة لعدم إساءة استخدام الشيكات،.

وأكدت أن محافظ سلطة النقد، فراس ملحم، كان قد دعا كل الأطراف ذات العلاقة بما يشمل سلطة النقد والحكومة ومؤسسات القطاع الخاص، ومجلس القضاء الأعلى لإطلاق ورشة مشتركة لبحث آليات التقليل من الاعتماد على الشيكات كإحدى أدوات الدفع، والحد من استخدامها كأداة ائتمان، والتركيز على التعامل معها كأداة وفاء. 

إجراءات للمواجهة 

حول الإجراءات التي تقوم بها، قالت سلطة النقد إنها وجهت المصارف لمراقبة أعداد دفاتر الشيكات المُصدرة للعملاء، والتأكد من حماية المواطنين من الإفراط في الاستدانة، ومن إساءة استخدام الشيكات، وتشجيع استخدام الدفع الإلكتروني، وتوفير أدوات دفع جديدة فورية وآمنة تساعد على تقسيط الدفعات من خلال المصارف، وشركات خدمات الدفع.

وتشير سلطة النقد إلى تعليمات أصدرتها تقضي بإعادة قيمة العمولة كاملة على الشيكات المُعادة لعدم كفاية الرصيد للأفراد المتضررين من الظروف الراهنة، اعتبارا من تاريخ 1/11/2023 وحتى 31/12/2023.

وتوضح سلطة النقد أنها تابعت خلال الأيام الأولى للحرب دعوات محدودة لوقف نظام مقاصة الشيكات لكنها لم تلتفت إليها، معتبرة أن البيانات بعد أربعة أشهر تؤكد صواب إجراءاتها، وأن ذلك حال دون تفاقم الظاهرة، وأتاح تداول السيولة المتاحة في شرايين الاقتصاد. 

توقعات بتصاعد الأزمة 

في المقابل، يتوقع مسيف اتساع ظاهرة الشيكات المعادة بشكل كبير، مشيراً إلى معلومات لديه بتعليمات من سلطة النقد للبنوك بعدم إصدار دفاتر شيكات لمن يعتبر تصنيفهم مشكوكا فيه، متوقعا اتساع القائمة السوداء لدى البنوك، كما رجح أن آثار الوضع الاقتصادي للأشهر الثلاثة الأولى من الحرب ستظهر لاحقا خلال الأشهر الثلاثة التالية في حال استمر الوضع على ما هو.

يتابع أن الوضع الاقتصادي ما بعد الحرب أدى إلى تعثر مالي، وأن نسبته كسبب في الشيكات المعادة خلال الحرب، أكبر من نسبة الشيكات المعادة بسبب الغش والاحتيال، مشيرا إلى أن الوضع الاقتصادي بعد الحرب، سيؤثر على كل المؤشرات للاقتصاد الفلسطيني، وخاصة المؤشرات الاقتصادية والمالية، ولكن بشكل أكبر للبطالة وزيادة نسبة الفقر.

مسيف الذي كان أعد بحثا حول الشيكات المعادة في السنوات السابقة؛ يشدد التركيز على أن ظاهرة الشيكات المعادة قديمة وتؤثر على الاقتصاد الفلسطيني، وظهرت بشكل أكبر بعد العام 2017، حيث إنها كظاهرة وصلت إلى 7-9% خلال السنوات الماضية، وهي نسبة لا تضاهي اقتصادات الدول الأخرى، مشيرا إلى الأردن حيث تشكل الظاهرة 3% فقط.

وقف العمالة في السوق الإسرائيلي وعددها قرابة 200 ألف، إضافة إلى تراجع الإيرادات الضريبية، سيؤديان بحسب مسيف، إلى تضخم مشكلة السيولة في فلسطين، وتحويل الصفقات التجارية إلى صفقات وهمية، حيث إن الأوضاع الاقتصادية أدت إلى تراجع السيولة، وهو ما يؤدي إلى محاولة حل ذلك النقص بطريقة غير سليمة عبر الشيكات الآجلة، ما يعني تضخم السيولة الوهمية، ويسبب ذلك مشاكل اقتصادية واجتماعية.

ويشير مسيف إلى وجود مشكلة قانونية، بعدم توفر إجراءات رادعة لإصدار شيكات بلا رصيد، ولذا فهو يدعو سلطة النقد والبنوك والنظام الاقتصادي إلى أن تضع أمام أعينها ضرورة اتخاذ إجراءات تضمن عدم خروج الشيك عن إطار وظيفته وفق القانون، فهو ورقة مالية متداولة وجزء من السيولة.

ويطالب بوضع إجراءات صارمة بألا تخرج عن إطارها الوظيفي، فلا يعقل برأيه أن يكون دخل الفرد 4 آلاف شيكل ويصدر شيكات بقيمة 8 آلاف شيكل، والأمر بحاجة لرقابة أكبر كما يقول، فحين تفتقد الأطراف التجارية الطمأنينة والثقة بالشيكات، سيؤدي ذلك إلى دمار اقتصادي ومشاكل اجتماعية كبيرة.

المساهمون