التهريب وقلة الدعم وراء أحدث أزمة وقود في العراق

02 سبتمبر 2022
عودة طوابير السيارات إلى محطات المحروقات في العراق (Getty)
+ الخط -

منذ عدة أسابيع، يعاني عدد من المحافظات والمدن العراقية من أزمة كبيرة في عدد من المشتقات النفطية وأبرزها البنزين والكاز، لأسباب وصفت بأنها "مفتعلة".

ويرى مواطنون أن هذه الأزمة مفتعلة من قبل وزارة النفط ولا يعرف بالتحديد ما الغرض من افتعالها، وذلك بعد تقليص حصص التجهيز للمحافظات وإهمال وتقصير المسؤولين في توسعة المحطات القديمة وبناء محطات تعبئة حكومية جديدة.

وأكد المواطن بارق الشمري، أن محطات تعبئة الوقود في مختلف المحافظات شهدت عودة طوابير السيارات نتيجة لشح المشتقات النفطية وتحديداً مادة الكاز.

 وأشار الشمري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن هذه الأزمة ليست جديدة خاصة في محافظة الأنبار، إنما تحدث باستمرار كأنها إجراء مفتعل من قبل شركة توزيع المشتقات النفطية، وتقف وراءها جهات سياسية متنفذة فتحت أبواب التهريب على مصاريعها مستغلة الوضع الراهن للحصول على مبالغ مالية طائلة.

وطالب الشمري الحكومة المحلية بإيجاد الحلول السريعة لمعالجة الأزمة، لأن أرزاقهم تعتمد على الحصول على الوقود في سبيل إدامة تشغيل سياراتهم التي تعتبر مصدر رزقهم الوحيد.

شح الكاز

من جهتها، أكدت قائممقامية قضاء الرمادي، مركز محافظة الأنبار غربي البلاد، على وجود شح بمادة الوقود "الكاز"، مشيرة إلى أن هذه الأزمة مستمرة منذ نحو شهرين، وتسببت بضغط كبير على محطات التوزيع، نتيجة لتقليل حصة المحافظة من مليون لتر إلى 600 ألف لتر يومياً.

وقال قائممقام قضاء الرمادي، إبراهيم العوسج، إن أزمة مادة الكاز في المحافظة، موجودة منذ نحو شهرين، بسبب إشكالية في التجهيز من قبل وزارة النفط، حيث تم إنقاص الكميات المخصصة للمحافظة.

وأشار العوسج في حديث لوسائل الإعلام إلى أن الفترة الماضية حصلت فيها أزمة بمادة البنزين، ما تسبب بوقوع ازدحامات شديدة على محطات الوقود، لكن عندما توفر المنتوج عادت الأمور الى طبيعتها.

وبيّن العوسج أن الكميات التي تجهز بها محطات التوزيع من مادة وقود الكاز حالياً لا تتناسب مع حاجة المحافظة، وعلى الجهات المعنية في شركة توزيع المشتقات النفطية ووزارة النفط العمل على رفع مستويات التجهيز لتجاوز الأزمة وتفاقمها.

أما محافظة بابل فتشهد هي الأخرى أزمة خانقة بمادة وقود الكاز، حيث تشهد محطات تعبئة الوقود طوابير طويلة من المركبات تستمر في وقوفها لعدة أيام.

وقال أكرم الجنابي، وهو سائق شاحنة نقل، أن عدد المركبات والشاحنات يتزايد أمام محطات تعبئة الوقود التي تغلق أبوابها بعد توزيع كمية محددة من الكاز، وما تقوم بتوزيعه في اليوم الواحد لا يغطي حاجة 10 بالمائة من المركبات الواقفة في الطوابير.

وأوضح الجنابي خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أنه يقف أمام محطة الوقود من يومين، وما زال الطابور طويلاً أمامه ويمكن أن يتزود بالوقود خلال اليومين القادمين.

واتهم الجنابي الحكومة المركزية بافتعال هذه الأزمة، لأن هناك جهات متنفذة تسيطر على القطاع النفطي، وتقوم بتقليص حصص التجهيز لبيع الكاز في الأسواق السوداء.

افتعال الأزمات؟

من جهته، رأى رئيس رابطة القطاع النفطي الخاص في العراق، مؤيد الزيدي، أن شح الوقود في العراق يأتي ضمن سياسة مفتعلة تنتهجها شركة توزيع المشتقات النفطية، وحملها المسؤولية الكامل لما يحصل من مشاكل في هذا القطاع.

وأشار الزيدي في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن أزمة المشتقات النفطية هذه وتحديداً مادة وقود الكاز، تأتي ضمن خطة ممنهجة الغاية منها رفع الدعم عن أسعار المشتقات النفطية وبالتالي غلاء أسعار الوقود على المواطنين، لذلك عملت على إشغال الناس بالأزمة.

وأضاف الزيدي أن وزارة النفط استحدثت محطات توزيع المشتقات النفطية في عدد من مناطق محافظة نينوى، وأن هذه المحطات تبيع لتر البنزين الواحد بقيمة 1000 دينار عراقي، أي بنسبة أكثر من 100 بالمائة من سعره الحقيقي، بينما يباع في مناطق أخرى بسعر لا يتجاوز 450 ديناراً.

وبيّن أن وزارة النفط العراقية بعد الغزو سنة 2003 لم تطور المصافي النفطية، إنما تهالك الكثير من المصافي وما تبقى منها يعمل بالنظام القديم، لذلك تلجأ الدولة إلى استيراد المشتقات النفطية والتي تبلغ نسبتها أكثر من 70 بالمائة من الحاجة الفعلية للعراق.

ورأى الخبير الاقتصادي ضياء المحسن، أن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء أزمات الوقود في العراق، هي أن البلد يستورد المشتقات النفطية من الخارج  بحدود 5 مليارات دولار سنويا.

وشدد من خلال حديثه لـ"العربي الجديد" على ضرورة بناء مصافٍ نفطية تتلاءم وحجم الاستهلاك والحاجة المحلية، لأن ما ينتجه العراق وما يتوفر من الطاقة التكريرية لا يغطي إلا نسبة قليلة من حاجة السوق.

وأوضح المحسن، أن من أهم المخاطر التي يواجهها القطاع النفطي العراقي وجود عمليات التهريب ما بين المحافظات التي تشهد نوعا من الاستقرار والمحافظات الشمالية التي تكون قريبة على كركوك وديالى، مشيرا إلى أن عجلات كثيرة تتزود بالوقود من هذه المحافظات، وبالتالي يتم تهريب الكاز وبقية المشتقات النفطية إلى المحافظات الشمالية لوجود فارق كبير جداً في الأسعار.

وبيّن المحسن أن من بين الأسباب التي أدت إلى حدوث الأزمة غياب العدالة في توزيع المشتقات النفطية بين المحافظات، فضلاً عن غياب المراقبة ومتابعة أزمات الوقود من قبل الجهات المعنية.

تبريرات رسمية

وبررت وزارة النفط العراقية سبب حدوث أزمة تجهيز زيت الغاز (الكاز) في الآونة الأخيرة بارتفاع حجم الطلب لأكثر من 30 مليون لتر يومياً، وأنها تعمل على الحد من تفاقم الأزمة وفق معالجات سريعة.

وقال مدير شركة المنتجات النفطية حسين طالب، في حديث صحافي، إنه لا وجود لأزمة كاز في البلد، بل هناك زيادة في الطلب ووزارة النفط تحركت لزيادة الكميات المنتجة تلبية للطلب.

وكشف طالب لـ"العربي الجديد"، أن سبب زيادة الطلب على مادة وقود الكاز، يعود لقيام معظم أصحاب العجلات الخارجة عن الخدمة بشراء الكاز من المحطات على اعتبار أن لديهم رقما مروريا يمكنهم من ذلك بهدف إعادة بيعه بسعر أعلى في الأسواق السوداء، وأن هذا الموضوع يتطلب متابعة من الجهات الرقابية وخاصة مديرية المرور العامة للتدقيق مع هذه المركبات والعجلات غير المؤهلة للسير في الشارع بهدف تسقيطها وإخراجها عن الخدمة.

وبيّن طالب أن مسألة السوق السوداء وتهريب المنتجات النفطية متابعة من الوزارة والجهات الأمنية، وتم الوصول إلى مراحل متقدمة لمعالجة موضوع تهريب المشتقات النفطية ومنها مادة وقود الكاز بالتنسيق مع جهاز الأمن الوطني.

المساهمون