يشرح الستيني أحمد عبد الله، كيف تضاعفت ديونه خلال الأعوام الماضية بسبب الرسوم والأقساط الدراسية التي عليه دفعها لتعليم ثلاثة من أولاده الذين اضطروا كغيرهم من الطلاب اليمنيين للالتحاق بالجامعة بالنظام الموازي.
يضيف عبد الله وهو من سكان صنعاء، لـ"العربي الجديد"، أنه لم يستطع إلحاق ابنه الأكبر في بداية الأمر بكلية الهندسة بالرغم من حصوله على معدل كافٍ لقبوله في جامعة صنعاء الحكومية، واضطر إلى إلحاقه مع أخيه الذي التحق في ما بعد بكلية التجارة والاقتصاد وفق ما يسمى بالنظام "الموازي" التجاري الذي يكلف الطالب الواحد أكثر من 800 دولار كل عام.
من جانبه، يقول المواطن شداد الأنسي، لـ"العربي الجديد"، إنه باع قطعة أرض كان يمتلكها لكي يتمكن من تعليم أولاده في الجامعة.
وفي المقابل، أجبرت الظروف المعيشية الصعبة المواطن مقبل قايد من سكان تعز جنوب غرب اليمن على إخراج ابنه من الجامعة بعدما كان قد وصل إلى المستوى الثالث في كلية الشريعة والقانون والبحث له عن عمل لمساعدته في توفير النفقات المعيشية.
واستحدثت جامعة صنعاء الحكومية التي من المفترض أن تقدم خدمتها التعليمية مجاناً منذ أكثر من 10 أعوام نظام التعليم التجاري "الموازي" بالتزامن مع توسع التعليم الأهلي والذي وصل إلى ذروته خلال السنوات القليلة الماضية التي تعيش فيها البلاد على وقع صراع طاحن ساهم في تضخم الاستثمارات في هذا القطاع المدمر بفعل الحرب، في الوقت الذي لم يتوقف الأمر عند جامعة صنعاء بل أصبحت جميع الجامعات الحكومية في عدن وتعز وغيرها من المدن الرئيسية تقدم خدمة التعليم الموازي.
وتبلغ رسوم النظام الموازي للالتحاق بكلية الطب في الجامعات الحكومية اليمنية ما يقارب 1700 دولار بحيث يجري الدفع بالريال اليمني، في حين تصل الطاقة الاستيعابية إلى نحو 180 طالباً بالنظام الموازي. وتتراوح تكاليف الالتحاق بكلية الهندسة بين 800 و1100 دولار، وتتراوح في بقية الكليات بين 600 و1000 دولار كلّ عام.
وترجع الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في اليمن السبب في انتهاج الدراسة الجامعية برسوم دراسية محددة بالعملة الصعبة تحدد سنوياً، إلى أنها تسعى لإتاحة الفرصة للطلبة الذين لم يوفقوا في اجتياز اختبار القبول في بعض الكليات للالتحاق بالجامعة بالنسبة للطلبة اليمنيين وكذا الطلبة الراغبين في الالتحاق بالدراسة في الجامعة من غير اليمنيين.
الأكاديمي عمار الزهيري، وهو مسؤول إداري سابق في إحدى الجامعات العامة، يؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن التعليم بنظام النفقة الخاصة "الموازي" تم استحداثه في بداية الأمر كضرورة فرضها الارتفاع المتزايد في أعداد الطلاب الملتحقين بالجامعات اليمنية.
لكن الأمر تحول في ما بعد كما يشير الزهيري إلى مصدر من مصادر الجباية وهو ما أثر على التعليم بشكل عام والذي تحول إلى تعليم تجاري يهدف للتكسب والاستثمار وجمع الأموال على حساب الخدمة التعليمية وجودتها، إضافة إلى الأعباء التي ألقاها على كاهل الأسر اليمنية في ظل ظروف وأوضاع معيشية صعبة مع تلاشٍ تدريجي للخدمة التعليمية الحكومية المجانية.
وشهد اليمن خلال الفترة القليلة الماضية أزمة واسعة بسبب توغل الفساد في الابتعاث والمنح الدراسية في الخارج والتي يتم المتاجرة بها واستحواذ أبناء المسؤولين عليها، إلى جانب قضية أخرى لا تقل شأناً عنها تتمثل في المتاجرة بالشهادات في مختلف المستويات التعليمية.
وينتقد العاملون في قطاع التعليم الرسوم المالية الدراسية المرتفعة خصوصاً مع وصول الأوضاع في اليمن إلى مرحلة سحيقة من التدهور على كافة المستويات، إضافة إلى أنه تم استحداث هذا النظام التعليمي دون أن تتوفر له الإمكانيات المتاحة للتعليم العام من حيث الكادر والبنية التحتية واللوائح والأنظمة.
ويعاني اليمن من أزمات مزمنة بسبب التكاليف المتضخمة المهدرة للتعليم الجامعي تتحملها الدولة على حساب العملية التعليمية وتطويرها والنهوض بها، إضافة إلى أعباء "الرسوب" التي تتحملها الأسر اليمنية، عدا عن تكبيد التعليم الجامعي خسائر فادحة جراء الرسوب وبقاء الطالب بنفس المستوى الدراسي تصل وفق بيانات تقديرية إلى حوالى 4 مليارات ريال سنوياً.
وتخلص دراسة حديثة في هذا الجانب إلى أنّ التعليم الجامعي في اليمن يكلف الطالب بالمتوسط حوالى 490 دولاراً، بسعر الصرف الرسمي قبل الحرب (250 ريالاً للدولار الواحد).
ويشدد الخبير الاقتصادي ياسين القاضي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على أن التعليم العالي في اليمن يرزح تحت ضغوط هائلة أفقدته القدرة على التأثير الإيجابي في مسار التنمية الاقتصادية والتأهيل والتصدي للتحديات التي تواجهها البلاد والمتمثلة في الفقر والبطالة، في حين أضافت الحرب وتبعاتها المزيد من الأعباء على هذا القطاع الذي تحول إلى إحدى بؤر الصراع والتجاذبات وإلى منفذ مغرٍ لتجار الحرب في مختلف المناطق اليمنية.
في المقابل، يعاني اليمن من اختلالات واسعة في مجال التعليم المهني والفني في البلاد والذي يتكلف مبالغ كبيرة عند التأسيس، إذ إن المدرسة الواحدة فقط تكلف حوالى 150 مليون ريال.