التضخم يزحف على جيوب التونسيين: لا علاج لنزيف الغلاء

10 اغسطس 2022
نسبة التضخم بلغت 8.2% في شهر يوليو الماضي (Getty)
+ الخط -

يزحف التضخم على جيوب التونسيين مسجلا ارتفاعا متواصلا منذ ما يزيد على 10 أشهر، بينما تغيب الإجراءات الحكومية للحد من تداعيات الغلاء على حياة المواطنين المهددين بمزيد من الضغوط المعيشية مع اقتراب توقيع اتفاق مالي مع صندوق النقد الدولي خلال الربع الأخير من العام الحالي.

ويسجل التضخم قفزات شهرية لكل أشكال السلع والخدمات وسط تحذيرات من جموح النسب في غياب أي وصفات لعلاج نزيف الغلاء وعدم قدرة السلطات على مكافحته مستقبلا.

وخلال شهر يوليو/ تموز الماضي بلغت نسبة التضخم واحدا من أعلى المعدلات التي عرفتها البلاد بوصولها إلى 8.2 بالمائة، غير أن هذا النسبة كانت نتاجا لصعود متواصل بدأ في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وعلى امتداد الأشهر العشرة الماضية تطوّر التضخم من 6.4 بالمائة في نوفمبر إلى 7 بالمائة في فبراير/ شباط قبل أن يواصل مساره التصاعدي منذ الربع الأول من السنة الحالية ليرتقي من 7.5 في إبريل/ نيسان إلى 8.2 بالمائة الشهر الماضي.

ويرجح خبراء الاقتصاد أن يواصل التضخم منحاه التصاعدي ليبلغ الرقمين سنة 2023، محذرين من تداعيات ذلك على معيشة المواطنين والاقتصاد المحلي الذي لا يجد طريقه نحو النمو ما يسبب نسب بطالة إضافية.يؤكد الخبير الاقتصادي آرام بالحاج في تصريح لـ"العربي الجديد" وجود مؤشرات قوية

على إمكانية بلوغ نسبة التضخم رقمين قبل نوفمبر من العام الحالي بسبب الظرف العالمي وتصاعد أزمة المواد الأساسية والطاقية والغذائية.

وأفاد في ذات السياق أن التضخم تحوّل إلى إشكال عالمي، غير أن قدرة الشعوب على مواجهته تختلف من بلد إلى آخر بحسب إمكانات الدول وقدرتها على احتواء الغلاء ومساعدة الطبقات الضعيفة والمتوسطة على تخطّي الصعوبات المعيشية.

واعتبر أن أزمة تمويل وعجز الموازنة بلغت مستوى قياسيا لم يسمح للحكومة باتخاذ أي إجراء تحوّطي من أجل تحسين مخزونات المواد الأساسية، ما يجعلها في مهب تقلبات السوق العالمية وارتفاع كلفة واردات الغذاء والطاقة.

ويرى المتحدث أن التضخم الملموس في تونس يتجاوز بكثير النسب الرسمية المعلن عنها من قبل معهد الإحصاء الحكومي، مشيرا إلى أن النسب الحقيقية للتضخم تفوق الرقمين وقد تقترب من 12 بالمائة.

وأشار بالحاج إلى أن كل الاقتصاديين مُجمعون على أن وضعية "الركود التضخمي" هي من أصعب وأخطر الوضعيات التي يمر بها اقتصاد بلد ما.

وقال: "للأسف، الاقتصاد التونسي يعيش هذه الوضعية منذ فترة. والأمور مرجحة للتعقيد، خاصة في ظل وجود نسبة تداين خارجي كبيرة ووضعية اجتماعية هشة".

وكانت حكومة نجلاء بودن قد توقعت منذ بداية السنة الحالية انفلات التضخم حيث قدر قانون المالية في يناير/ كانون الثاني الماضي معدل التضخم السنوي للعام الحالي بـ7 بالمائة مقابل 5.7 بالمائة سنة 2021 تأهبا لمزيد من رفع أسعار سلع وخدمات أساسية ولا سيما المحروقات والكهرباء والغاز ومياه الشرب.

ويصنف عام 2022 الأصعب اقتصاديا، غير أن السنوات القادمة قد تكون أكثر صعوبة على التونسيين مع اقتراب توقيع اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي سيتم بمقتضاه رفع الدعم والانتقال إلى حقيقة أسعار الغذاء والطاقة، وسط تحذيرات من انفجار اجتماعي وشيك نبّه له الاتحاد العام التونسية للشغل.

وتنوى الحكومة المرور إلى السرعة القصوى في تنفيذ إصلاحات اقتصادية موجعة بهدف توقيع اتفاق مالي مع صندوق النقد الدولي ستكون كلفته الاجتماعية باهظة على الطبقات الوسطى والضعيفة.

وتتضمن الخطة الحكومية للإصلاح الاقتصادي الرفع التدريجي للدعم على مواد الطاقة عبر زيادة أسعار المحروقات والكهرباء والغاز الموجهة للاستهلاك الصناعي والأسري، من خلال آلية التعديل الآلي لأسعار المنتجات بنسبة 3 بالمائة بدلاً من 5 بالمائة إلى جانب إحداث لجنة للضبط الآلي لأسعار الكهرباء والغاز.

كانت حكومة نجلاء بودن قد توقعت منذ بداية السنة الحالية انفلات التضخم حيث قدر قانون المالية في يناير/ كانون الثاني الماضي معدل التضخم السنوي للعام الحالي بـ7 بالمائة مقابل 5.7 بالمائة سنة 2021

والشهر الماضي أعلن صندوق النقد الدولي، عقب مهمة لبعثته في تونس، عن تقدم السلطات في أجندة الإصلاح الاقتصادي الخاصة بها للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، ودعم النمو الشامل، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي وكذلك العدالة الضريبية.

وكانت بعثة من صندوق النقد الدولي بقيادة بيورن روثر زارت تونس في الفترة من 4 إلى 18 يوليو الماضي لمناقشة الدعم المالي المحتمل من صندوق النقد الدولي لتونس.

وقال الصندوق إن الإصلاح الاقتصادي سيتطلب الحد من نمو فاتورة رواتب القطاع الحكومي خلال السنوات المقبلة، والإلغاء التدريجي لدعم الطاقة من خلال الزيادات المنتظمة في الأسعار التي تربط الأسعار المحلية بالأسعار العالمية للنفط والغاز الطبيعي.

ويقول المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، إنه لم يعد من الممكن حجب الأزمة الاجتماعية الناجمة عن الغلاء والتضخم، مؤكدا أن ارتفاع التضخم يقابله في الجانب الآخر فقراء جدد.

وأفاد بن عمر في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الفقر والغلاء سيكونان أكثر توحشا العام القادم مع بدء تطبيق سياسات صندوق النقد الدولي، منتقدا غياب الحماية الاجتماعية الكافية للتونسيين. وتبرز أرقام المرصد التونسي للاقتصاد أن 3 ملايين أسرة تونسية تعیش في حالة من الھشاشة الاجتماعية والاقتصادية.

المساهمون