"تتغير أسعار الملابس في الأسواق المصرية أسرع من معدلات ارتدائها وخلعها، خلال الأسبوع"، هكذا تسخر فتاة تعيش في العاصمة المصرية القاهرة من ارتفاع وتيرة أسعار المعروضات في المحلات مع بداية الموسم الشتوي.
تشير ليلى، الفتاة الجامعية التي اصطحبت ثلاثاً من زميلاتها في جولة تسويقية، بعدما أعلنت محلات كثيرة مشاركتها في تخفيضات شهر نوفمبر/ تشرين الثاني و"بلاك فرايدي"، إلى البون الشديد الذي لاحظته، في أسعار نفس السلع التي تراها ذاك اليوم عن الأسبوع الماضي.
دلت ليلى مراسل "العربي الجديد" على لافتة تبدلت 4 مرات على نفس السلعة في شهر واحد، إذ تقول في أسى: "كلما خرجت للتعرف على أسعار الملابس، أفاجأ عند عودتي للسوق بتغير تلك الأسعار، فيضيع معها كل أمل في الشراء".
قامت إدارة الشركة العالمية، التي تعمل في السوق المصرية منذ سنوات، برفع أسعار الملابس بنحو 40%، نهاية الشهر الماضي فقط، بعد تنفيذ البنك المركزي للتعويم الثالث للجنيه، تبعته زيادة أخرى مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري بنفس الأسبوع.
لم تكن الشركة العالمية الوحيدة في توجهها لرفع الأسعار. في جولة سريعة في المراكز التجارية شرق وغرب العاصمة ومنطقة وسط القاهرة، التي تقبل عليها عادة الأسر المتوسطة، وجدنا تلك الزيادة في الأسعار، سائدة لدى الجميع. فالسعر دوار كما يقول التجار. شمل ذلك الملابس والمفروشات المنزلية التي تباع لدى تجار التجزئة في كافة محلات الملابس والمنسوجات بأنواعها الشخصية والمنزلية.
لم يكن غريبا أن تبدل الشركة العالمية وغيرها قوائم الأسعار على الملابس، بهذه السرعة، امتثالا لقرارات وزارة التموين التي تحتم لصق السعر على كل قطعة، وعندما تعب موظفوها أصبحوا يلصقون السعر الجديد على القديم.
سارت على النهج المحلات العادية والأسواق التي لا تهتم بنظم الرقابة المتطورة التي تلتزم بها الشركات الكبرى، وتكتفي بكتابة السعر يدويا على القطع المهمة، أو إخبار الزبون بالسعر الجديد، كما يحلو لها.
أطاح الغلاء بأحلام الفتيات والأسر في الحصول على كسوة الشتاء، بعدما فشلوا من قبل في الحصول على كسوة صيفية جيدة بسعر مناسب. جاء موسم بيع الملابس الصيفية مع تطبيق البنك المركزي لقيود الاستيراد للواردات ومستلزمات الإنتاج من الخارج، في شهر فبراير/ شباط الماضي، وظهر أثرها السيئ على مصنعي الملابس الذين يجهزون طلبيات الموسم الصيفي.
تؤكد عضو مجلس إدارة شعبة الملابس بغرفة القاهرة التجارية، سماح هيكل، في تصريحات صحافية أن قرارات "فبراير" رفعت أسعار تصنيع الملابس الجاهزة بنحو 40%، متأثرة بصعوبة الحصول على مستلزمات الإنتاج والحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع تكاليف الشحن.
وتشير إلى أن تلك الزيادة مررتها المصانع للمستهلكين مع بداية عروض الملابس الشتوية، التي استلمتها المحلات مطلع أكتوبر وبدأت عرضها للجمهور بداية من 15 أكتوبر الماضي.
يؤيد رئيس شعبة الملابس بالغرفة التجارية، محمود الدعوار، ما ذكرته هيكل حول نسبة الزيادة في أسعار الملابس، موضحا أنها ترجع إلى ارتفاع أسعار الخامات وأجور العمال، وقيمة الدولار مقابل الجنيه، وتغير الدولار الجمركي، وارتفاع معدلات الضرائب المترتبة على تغير سعر كل هذه المدخلات.
ويشير الدعوار في بيان صحافي إلى أن الصناع والمستوردين ما زالوا يعانون من أزمة بنقص مستلزمات الإنتاج، التي تمكنهم من التصنيع، حيث يدبر سوق الملابس احتياجاته بنسبة 80% من الإنتاج المحلي و20% من الاستيراد الكامل من الخارج.
لم يغير البنك المركزي من قواعد تمويل الواردات وقواعد الاستيراد السلعي، المتشدد لضوابط تدبير العملة من البنوك للموردين، رغم الوعود المتكررة للمصنعين بتسهيل تلك الإجراءات، إلا أن شح النقد الأجنبي ما زال يقف حائلا دون قدرة البنوك على تدبير حاجة العملاء من النقد الأجنبي.
يشرح مدير المبيعات بسلسلة شهيرة للملابس الأوروبية، ويدعى محمد، نجاح شركته في تمرير عدد من الشحنات المكدسة في ميناء الإسكندرية، التي وردها فرعهم الرئيسي في إيطاليا، بعد سماح الحكومة بتسهيلات بنكية للشحنات التي وصلت إلى الميناء قبل 17 مارس/ آذار 2022، موعد تنفيذ تعليمات البنك المركزي.
يقول محمد الذي رفض ذكر اسمه كاملا لـ "العربي الجديد": "ها قد عدنا للعمل ببعض المنتجات، بدلا من التوقف التام الذي عانينا منه لمدة 6 أشهر".
عند تفحصنا لسعر الملابس فوق المتوسطة، وجدنا ارتفاعا في سعر بنطلون سبق عرضه في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بسعر 900 جنيه (الدولار = نحو 42.32 جنيها)، أصبح يباع بـ 1700 جنيه.
لاحظ محمد الدهشة التي انتابتنا مع مراجعة أسعار البيع الجديدة، التي زادت بنحو الضعف السائد الموسم الشتوي الماضي لجميع المعروضات، فقال: "لقد رفعنا السعر في الصيف بمعدل يتراوح ما بين 25% و40% فوصل البنطلون إلى 1200 جنيه، والآن زادت الأسعار ما بين 40% و50%، لمواكبة التدهور الشديد في قيمة الجنيه".
لم يكن قول محمد ببعيد عما ذكره غيره من العارضين في المحلات الأخرى، الذين برروا الزيادات الجديدة في أسعار الملابس بمعدل مرتين خلال شهر واحد. فهناك زيادة وقعت لتمرير الزيادة في التكلفة التي تحملها المصنعون في بداية الصيف، فقد بها الجنيه نحو 25% من قيمته أمام الدولار، والزيادة الجديدة مع المرحلة الثالثة لتعويم الجنيه، التي أفقدته 23% أخرى، بما حقق 53% من قيمته المتراجعة منذ بداية العام الجاري.
يرجع محمد مبالغة المحلات في رفع السعر عن معدل تراجع الجنيه، إلى زيادة تكاليف التشغيل والعمالة والكهرباء والسلع الواردة من الخارج، مع وضع نسبة للتحوط في ارتفاع قيمة الدولار، لحين استقرار أسعار الصرف وتنفيذ البنك المركزي لتعهداته برفع قيود الاستيراد من الخارج للملابس الجاهزة أو المنتجات التي تحتاجها مصانع الملابس المحلية.
تضيف سماح هيكل بعداً آخر لحالة الغلاء، تعلمه كمنتجة للملابس، بذكرها أن توابع الصرف المرن للدولار التي نفذها البنك المركزي نهاية أكتوبر الماضي، ستظهر آثارها على أسعار منتجات الملابس في الموسم الصيفي المقبل أو عند تنفيذ طلبيات لنفس المنتجات الشتوية الحالية في حالة نفادها من الأسواق. تشير هيكل إلى أن البضاعة المعروضة حاليا اتفق عليها المنتجون وتعرضها المحلات، عملاً باتفاقات قائمة قبل التعويم الأخير للجنيه، لافتة إلى أن الزيادة في قيمة الدولار أشعلت أزمة جديدة، بين تجار الخامات والأقمشة الذين أوقفوا تسعير الخامات ومستلزمات الإنتاج والتوريد للمصانع والشركات لحين استقرار الدولار والأسعار.
يتوقع التجار أن تزيد الأسعار سوءًا، للشرائح الشعبية والمتوسطة، ويخشون أن تحدّ من قدرة المستهلكين على الشراء، فتزيد من أعطال المصانع التي تعمل حاليا بربع طاقتها الإنتاجية. توقعات التجار تفسر حالة التردد التي أصابت مديري المحلات للمشاركة بموسم تخفيضات الأسعار، لعدم تفاؤلهم في مستقبل ملبد بالغيوم وحالة عدم اليقين، مع سماحهم ببعض الخصومات على سلع يرونها راكدة أو تجذب الأسر لدخول محلات يحجم عن زيارتها المشترون.
تمثل الملابس نحو 3% من الناتج المحلي، و11% من الصادرات غير البترولية، وفقا لإحصاءات غرفة صناعة الملابس الجاهزة والملابس المنزلية. تشارك 4600 شركة باستثمارات قيمتها 6 مليارات دولار، في إنتاج قيمته 300 مليار جنيه عام 2021، في مشروعات يعمل بها نحو 1.5 مليون عامل، يمثلون 30% من القوى العاملة، عدا ملايين غيرهم يعملون في قطاع التوزيع والبيع، والإنتاج داخل الأسر المنتجة.