الانقسام التجاري العالمي يتوسّع بعد عامين على حرب أوكرانيا

الانقسام التجاري العالمي يتوسّع بعد عامين على حرب أوكرانيا

22 فبراير 2024
تعكس القيود والتشوهات التجارية اندفاعة نحو تدابير الحماية بما يقوض القواعد العالمية (غيتي)
+ الخط -

تظهر أبحاث منظمة التجارة العالمية أن العالم ينقسم إلى كتل متحالفة مع الولايات المتحدة والصين، مع تحذير من أن التجزئة ستضر بالاقتصاد العالمي، فيما التوترات الجيوسياسية تعقد محادثات التجارة على المستوى الوزاري المزمع إجراؤها في أبوظبي بين 26 و29 فبراير/ شباط الجاري.

فبعد مرور عامين على الغزو الروسي لأوكرانيا، ثمة دلائل واضحة على أن الاقتصاد العالمي ينقسم إلى كتلتين منفصلتين، وأن قواعد التجارة متعددة الأطراف التي عززت التجارة لمدة تقرب من 30 عاماً أصبحت مهددة.

ويؤدي تصاعد التوترات الجيوسياسية، بما في ذلك في الشرق الأوسط، والمخاوف بشأن الأمن الاقتصادي، إلى فرض عقوبات وقيود تجارية وعلامات على اتساع الانقسام بين الدول التي تدعم روسيا وتلك التي تدعم أوكرانيا.

وحذرت منظمة التجارة العالمية، التي تستضيف مؤتمرها الوزاري الذي يعقد كل عامين لمناقشة قواعد التجارة العالمية الأسبوع المقبل، من أن التفتت الصريح إلى كتلتين متنافستين من شأنه أن يؤدي إلى انكماش الاقتصاد العالمي بنسبة 5%، وستكون الدول النامية هي الأكثر معاناة.

في هذا السيناريو المتطرف ستنخرط الولايات المتحدة والصين وحلفاؤهما في حرب تجارية ثنائية القطب، وستضع الكتل المعنية قواعدها الخاصة، متجاهلة الاتفاقيات متعددة الأطراف.

لم نصل بعد إلى هذه المرحلة، لكن خبراء الاقتصاد في منظمة التجارة العالمية أظهروا أنه منذ الغزو الروسي في فبراير 2022، بدأت الكتلتان تتفككان.

وقالوا في تقرير: "وجدنا دليلاً مبكراً على الاتجاه نحو توافق أقوى بين التدفقات التجارية والارتباطات الجيوسياسية منذ بداية الحرب في أوكرانيا. تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أولى علامات التفتت في التجارة العالمية".

لقد قسموا العالم على أساس أنماط التصويت المختلفة في الأمم المتحدة، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، القرارات المتعلقة بالحرب في أوكرانيا. وهي تستبعد أوكرانيا وروسيا وحليفتها روسيا البيضاء لإزالة تأثير العقوبات والحرب نفسها.

والنتيجة التي توصلوا إليها أنّ التجارة في السلع بين الكتل نمت بنسبة 4% أبطأ من التجارة داخل الكتل.

في حين أظهر الاقتصاديون علامات على "دعم الأصدقاء"، إلا أنهم لم يجدوا دليلاً على وجود دعم قريب على نطاق واسع، مع عدم وجود انتعاش للتجارة داخل المناطق، على الرغم من أنهم لم يقيموا ما إذا كانت البلدان تعيد أجزاء من سلاسل القيمة إلى مناطقها الخاصة. إِقلِيم "دعم الصداقة" مصطلح تستخدمه وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين وآخرون لتشجيع البلدان على تنويع سلاسل التوريد بعيداً عن الصين إلى الديمقراطيات الموجهة نحو السوق مثل الهند.

أزمة التجارة بين الولايات المتحدة والصين

وبالنظر إلى الولايات المتحدة والصين وحدهما، يجد خبراء الاقتصاد في منظمة التجارة العالمية أن التوترات التجارية، التي تصاعدت عندما فرض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رسوماً جمركية على نحو ثلثي واردات السلع الصينية، قد تفاقمت بسبب حرب أوكرانيا.

ومن المفارقات أن التدفقات التجارية بين البلدين ارتفعت إلى مستوى قياسي في عام 2022 مع ارتفاع الطلب الأميركي على السلع الاستهلاكية الصينية، ونما طلب بكين على المنتجات الزراعية والطاقة الأميركية. ومع ذلك، مقارنةً بتجارة السلع لكل دولة مع الشركاء الآخرين، فقد تباطأت تجارتهم الثنائية، حسبما تظهر أرقام منظمة التجارة العالمية.

ويخلص التقرير إلى أن الزيادة الأولية في التوترات التجارية والحرب اللاحقة في أوكرانيا أدت إلى تباطؤ التجارة الثنائية بنسبة 31% منذ يوليو/ تموز 2018. وكانت التوترات الجيوسياسية جزئياً سبباً في التقديرات المتشائمة لنموّ تجارة السلع العالمية، وخصوصاً في العام الماضي. وقالت منظمة التجارة العالمية إنها ستخفض تقديراتها لنسبة 0.8%، في حين يقدّر البنك الدولي الرقم عند 0.2%، وهو أدنى معدل نمو خلال الخمسين سنة الماضية خارج فترات الركود العالمي.

وقال نائب كبير الاقتصاديين في البنك الدولي أيهان كوسي لرويترز إن هذا الضعف يحدث على خلفية تغييرات جذرية في السياسة التجارية في أعقاب احتضان سابق للتكامل التجاري.

أضاف: "لقد اختفت تلك الحقبة بشكل أساسي. والآن لدينا حقبة جديدة تتميز بعدم توقيع الدول على اتفاقيات. وإذا نظرت إلى عدد القيود التجارية التي فُرضَت في جميع أنحاء العالم، فستجد أن هذا العدد قد ارتفع كثيراً".

ووجدت خدمة المراقبة العالمية Global Trade Alert، ومقرها سويسرا، تراكماً هائلاً من التدابير المشوهة منذ بداية عام 2020، بدءاً من خطة الأرجنتين لرفع ضريبة التصدير على فول الصويا إلى زيادة رسوم الاستيراد في الهند على زيت النخيل والمساعدات الحكومية الأميركية لدعم الإنتاج المحلي من سلسلة توريد أشباه الموصلات.

ورغم أن السياسات خففت أحياناً القيود السابقة على الواردات والصادرات، فإن تكثيف إعانات الدعم -التي تجعل السلع المحلية تبدو أرخص في مقابل السلع المستوردة- فاق تلك القيود.

وبالنسبة إلى المواد الخام الحيوية، مثل الليثيوم والكوبالت، تسعى البلدان بشدة للوصول إليها استعداداً للتحول الأخضر ودعم الصناعات المحلية بشكل متزايد لمعالجتها.

وقد لوحظت زيادة مماثلة في الإعانات في قطاعات أخرى تراقبها منظمة تنبيه التجارة العالمية - الغذاء والأدوية وسلاسل القيمة العالمية. وتظهر بياناتها أن الأمر لا يقتصر على وجود المزيد من الإجراءات فحسب، بل إن المزيد من الدول تتخذها.

وتعكس القيود والتشوهات التجارية اندفاعة نحو تدابير الحماية، ما يقوض القواعد العالمية التي تعزز التجارة المفتوحة وتحدّ من مدى قدرة البلدان على دعم الصناعة المحلية بإعانات الدعم وغير ذلك من التدابير.

ويرى معهد التمويل الدولي مخاطر تتعلق بالديون العالمية، مع زيادة الإنفاق الحكومي للتخفيف من الآثار السلبية على سلاسل التوريد الناجمة عن تزايد الحماية التجارية والصراعات الجيوسياسية.

وتؤكد المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية نجوزي أوكونجو إيويالا، التي ستترأس اجتماعات المنظمة في أبوظبي بين 26 و29 فبراير، تكاليف التفتت، وتدعو إلى "إعادة العولمة" وإحياء التعددية التي يمكن أن تعزز الاقتصاد العالمي بنحو 3%.

من جهته، قال المدير المساعد لمركز السياسة الأوروبية للأبحاث، جورج ريكليس، إن أفضل ما يمكن أن يأمله المرء بالنسبة إلى أوروبا المعتمدة على التجارة على وجه الخصوص، هو التحول إلى توازن جديد يحافظ على التجارة المفتوحة، على الأقل مع الشركاء الأصدقاء.

وقال إن "تراجع العولمة بسبب المزيد من الحذر بشأن الصين واضطراب سلاسل القيمة، مثل البحر الأحمر، يمكن تعويضه من خلال زيادة التنويع والتجارة المفتوحة في أماكن أخرى".

(رويترز، العربي الجديد)

المساهمون