الاقتصاد كلمة السر لإجهاض انقلاب كوريا الجنوبية

10 ديسمبر 2024
خلال التحركات في سيول، 4 ديسمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت كوريا الجنوبية محاولة انقلاب في ديسمبر 2024، حيث حاول الرئيس "يون سوك يول" فرض الأحكام العرفية، مما أدى إلى اضطرابات اقتصادية وسياسية. رفض الشعب الكوري العودة إلى الحكم العسكري، مدفوعاً بأهمية الاقتصاد كعمود فقري للدولة.

- قاد اتحاد العمال تحركاً شعبياً واسع النطاق ضد الانقلاب، داعياً إلى إضراب عام مفتوح، مما أدى إلى شلل اقتصادي وتظاهرات حاشدة. انضمت قطاعات الأعمال إلى الرفض، محذرة من تأثير الانقلاب على سمعة البلاد واقتصادها.

- التحول الديمقراطي في كوريا الجنوبية بدأ في أواخر الثمانينيات، حيث أصبح الاقتصاد القوي الضامن لاستمرار الديمقراطية، مؤكداً أن الشعب لن يسمح بعودة الاستبداد.

شهدت كوريا الجنوبية مؤخراً واحدة من أسرع محاولات الانقلاب إجهاضاً، بفضل استجابة شعبية حاسمة دافعت عن الديمقراطية، ورفضت العودة إلى حقبة الحكم العسكري. في قلب هذا التحرك كان "الاقتصاد" كلمة السر، باعتباره العمود الفقري لاستقرار الدولة الآسيوية، والمحرك الذي أشعل التحرك الشعبي لإسقاط قرارات الرئيس "يون سوك يول".  

ما جرى في "سيول" يوم 4 ديسمبر/ كانون الأول 2024 كان درساً في الديمقراطية، أظهره شعب عانى ويلات الحكم العسكري لعقود طويلة، وفق العديد من التقارير الغربية. فالفترة التي سيطرت فيها الأنظمة العسكرية على كوريا الجنوبية خفضت دخل الفرد إلى 158 دولاراً فقط. 

وبعد التخلص من الحكم العسكري عام 1987، قفز دخل الفرد تدريجياً إلى قرابة 34 ألف دولار سنوياً بحلول عام 2023، وفقاً لبيانات البنك المركزي الكوري. وتشير أرقام عام 2021 إلى أن دخل الفرد تجاوز 35 ألف دولار، ولم ينخفض عن 30 ألفاً في أي عام منذ تلك الحقبة.  

الرئيس "يون سوك يول" برر انقلابه بأنه رد فعل على تقليص نواب المعارضة موازنة الرئاسة والشرطة ومكتب الرئيس بشكل كبير. فقد اقتطعوا 4.1 تريليونات وون (2.8 مليار دولار) من الميزانية، مما دفعه إلى إعلان الأحكام العرفية تحت ذريعة "حماية كوريا الجنوبية الليبرالية من التهديدات الداخلية والخارجية".  

لكن هذه الخطوة وُصفت بأنها محاولة غير عقلانية للضغط على المعارضة لتمرير الميزانية، وأدت إلى حالة من الفوضى الاقتصادية والسياسية، حيث هوت أسعار الأصول الكورية الجنوبية، وانخفض الوون إلى أدنى مستوى له منذ عامين مقابل الدولار، وواجهت الشركات الكورية الكبرى مثل "سامسونغ إلكترونيكس" خسائر فورية.  

الشعب يتصدى للانقلاب  

لم يكن البرلمان هو الجهة الوحيدة التي تصدت للانقلاب بإسقاط "الأحكام العرفية"، بل سبق ذلك تحرك شعبي واسع، قاده أكبر اتحاد للعمال في كوريا الجنوبية الذي دعا إلى إضراب عام مفتوح حتى استقالة الرئيس. هذا التحرك أدى إلى تعطل عجلة الاقتصاد تماماً، وتظاهرت الحشود أمام البرلمان، فيما وصفت النقابات العمالية قرارات الرئيس بأنها مناهضة للديمقراطية والاقتصاد. كما انضمت قطاعات رجال الأعمال والشركات الكبرى إلى الرفض، محذرةً من تأثير الانقلاب على سمعة البلاد واقتصادها المتقدم.  

هتافات المتظاهرين أمام البرلمان استحضرت ذكريات أليمة من حقبة الحكم العسكري التي دمرت اقتصاد البلاد. فخلال العقود الأربعة التي شهدت انقلابات عسكرية متتالية، تعرضت كوريا الجنوبية لفساد مالي، واختلاس، وانتهاكات لحقوق الإنسان.  

أبرز تلك الحقبات كان حكم الديكتاتور "بارك تشونغ-هي" الذي قاد انقلاباً عام 1961 وظل في السلطة لعشرين عاماً، والحكم العسكري لـ"تشون دو هوان" الذي تولى السلطة عبر انقلاب عام 1979 واستمرت الأحكام العرفية حتى عام 1981.  

هذه الفترات شهدت انهياراً اقتصادياً، وقمعاً سياسياً، واعتقالات واسعة، وانعداماً للحريات، مما أدى إلى وعي شعبي رافض تماماً لأي عودة للحكم العسكري.  

 التحول الديمقراطي في كوريا الجنوبية

كوريا الجنوبية لم تتحول إلى ديمقراطية حقيقية إلا في أواخر الثمانينيات، بعد نضال طويل ضد الحكم العسكري. ومنذ ذلك الحين، واجه خمسة رؤساء محاكمات بتهم الفساد والانقلابات، من بينهم "تشون دو هوان" و"روه تاي وو" اللذان حُكم عليهما بالسجن لارتكابهما انقلابات وجرائم فساد.  

حتى الرئيسة السابقة "بارك غيون هاي" أُدينت في 2018 بتهم فساد وحُكم عليها بالسجن 24 عاماً. يظل الاقتصاد هو الضامن الأول لاستمرار الديمقراطية في كوريا الجنوبية، فالتحسن الكبير في دخل الفرد، والصناعات المتقدمة، والانفتاح الاقتصادي جعل العودة إلى الحكم العسكري أمراً مرفوضاً على كل المستويات الشعبية والسياسية.  

التحركات الأخيرة في البلاد أكدت أن الشعب الكوري لن يسمح بعودة الاستبداد، وأن الديمقراطية الراسخة قادرة على حماية المكتسبات الاقتصادية والسياسية التي حققتها البلاد منذ انتهاء الحكم العسكري.

المساهمون