استمع إلى الملخص
- التحديات الاقتصادية للأردن: يعاني الاقتصاد من تبعية للمساعدات الخارجية، وارتفاع الدين العام الخارجي إلى 22.81 مليار دولار في 2022، مع عجز تجاري مزمن وبطالة وفقر مرتفعين.
- التحديات والآمال المستقبلية: يمكن للبرلمان الجديد تحسين الأداء الاقتصادي من خلال خطط تنموية، تحسين تخصيص الإنفاق، ودعم الفقراء، مما قد يسهم في تحقيق استقلال اقتصادي أكبر.
أسفرت النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية لمجلس النواب الأردني العشرين عن زيادة عدد المقاعد التي حصل عليها الإسلاميون، حيث حصل حزب العمل الإسلامي على 34 مقعدًا من أصل 138 مقعداً، وهو ما أعطى الانتخابات زخمًا هذه المرة، لأنها أتت في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، وزيادة حدة التوترات التي تعيشها المنطقة، والانتقادات الموجهة للنظام الحاكم في الأردن، والذي لديه توجهات ثابتة بالتطبيع مع الكيان الصهيوني منذ مطلع التسعينيات من القرن العشرين كما يقول معارضوه.
وإذا كان بعض المراقبين قد احتفوا بتوجهات الناخب الأردني، بتصويته للإسلاميين بشكل أفضل من ذي قبل، في دلالة على التضامن مع القضية الفلسطينية ومعركة طوفان الأقصى، إلا أن هذه العاطفة المحمودة، يجب ألا تحجب عنا الحقائق، التي تتمثل في سؤال مهم، وهو إلى أي مدى يمكن أن تؤدي نتائج هذه الانتخابات وفوز الإسلاميين بما يزيد عن 20% من مقاعد البرلمان إلى تغيرات جذرية في بنية الاقتصاد الأردني، بحيث تنتشله من التبعية إلى الاستقلال، ومن الاعتماد على المساعدات الخارجية والقروض إلى اقتصاد إنتاجي تقل فيه معدلات البطالة والفقر.
السؤال مطروح نظرا إلى أن لدى الأردن علاقات اقتصادية وتجارية متشعبة مع إسرائيل، وهناك اتفاقية "الكويز" المبرمة مع الكيان الصهيوني منذ عام 1997، ويتم بموجبها تصدير المنسوجات المصنعة في الأردن إلى أميركا بدون ضرائب أو جمارك، شريطة أن يكون بها مكون إسرائيلي بنسبة 10.5%.
ولذلك أصبح السؤال المهم عن دلالات هذه الانتخابات الاقتصادية، وسط هذه الأجواء السياسية المحتدمة، وهل يمكن أن تؤدي نتائج هذه الانتخابات إلى إعادة النظر في العلاقات الاقتصادية للأردن مع الكيان الصهيوني، بعد أن أبرمت الحكومة خلال الأعوام القليلة الماضية اتفاقا لاستيراد الغاز من الكيان الصهيوني رغم المعارضة الشعبية في الشارع الأردني؟ كما أن الأجواء الحالية، تظهر مدى التبعية التي كرسها الأردن بعقد اتفاقيات اقتصادية مع الكيان الصهيوني.
ومن الأسئلة المهمة كذلك، والتي تتعلق بتوجهات الاقتصاد الأردني، تلك العلاقة التي لا تنفض بين الأردن وصندوق النقد الدولي، فما إن ينتهي الأردن من اتفاق قرض مع الصندوق، ليدخل في اتفاق قرض جديد، بما يعني أن البلاد كيفت نفسها على هذه الآلية، وهو ما يعني أنه لا يوجد إصلاح اقتصادي حقيقي، وأن الاستمرار في العلاقة مع الصندوق، لا يعني سوى أن الاقتصاد الأردني مأزوم على المدى الطويل. وقد نتج من تلك الاتفاقيات المتتابعة للأردن مع صندوق النقد الدولي، أنْ قفز الدين العام الخارجي للبلاد خلال العشر سنوات الماضية من 7.92 مليارات دولار في عام 2012 إلى 22.81 مليار دولار بنهاية عام 2022، حسب أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي.
واقع اقتصاد الأردن
بلغ الناتج المحلي الإجمالي للأردن في عام 2023 ما قيمته 50.8 مليار دولار، بعد أن كان 31.6 مليار دولار في عام 2012، ويعتمد الناتج المحلي للبلاد على التجارة والسياحة وتحويلات العاملين بالخارج، والصناعات الاستخراجية، في إنتاج الفوسفات على وجه التحديد، ويعاني من نقص المياه والوقود. ولذلك فالتجارة الخارجية للأردن وفق بيانات عام 2023، تظهر وجود عجز بقيمة 11.7 مليار دولار، حيث بلغت الصادرات السلعية 12.7 مليار دولار، والواردات السلعية 25.4 مليار دولار، وللأسف فإن هذا العجز مزمن، ويعكس مدى اعتماد البلاد على الخارج. وفي مؤشر الصادرات ذات التكنولوجيا المتقدمة، نجد أن الأردن يعاني من ضعف شديد وفق هذه المؤشر، فلا تزيد هذه الصادرات عن 129.2 مليون دولار فقط في عام 2022.
وبالنظر إلى هيكل الصادرات والواردات السلعية للأردن، نجد أنه لا يختلف كثير عن أداء الدول النامية بشكل عام، والدول العربية بشكل خاص، حيث يتم الاعتماد على استيراد العدد والآلات، والوقود والمواد الغذائية بشكل رئيس، بينما الصادرات السلعية عبارة عن مواد خام ومواد كيميائية، وبعض الصناعات التقليدية من الملابس والأحذية والمطبوعات والمصنوعات البلاستيكية.
وعلى صعيد المؤشرات الاجتماعية، فإن البطالة بلغت نسبة عالية في الأردن، فبيانات البنك الدولي توضح أن نسبة البطالة بلغت 17.9% في عام 2023، كما أن بيانات الفقر وفق جهات رسمية بالأردن بلغت قرابة 35% من السكان، حيث قدر عدد الفقراء بنحو 3.9 ملايين فرد.
هل ثمة تغيرات منتظرة؟
في البلدان الحية، والتجارب الديمقراطية الناضجة، عادة ما يكون لتغير الحكومات، أو للانتخابات البرلمانية أثر ودلالات على الأداء الاقتصادي، ولكن في منطقتنا العربية، فإن الأمر على خلاف ذلك، ففي أحسن الأحوال وفي حالة الأردن مثلًا، يمكن أن تؤدي الانتخابات البرلمانية إلى فتح بعض الملفات التي تخص حياة المواطن، ليتم توجيه انتقادات للحكومة، والمطالبة بتحسين مستوى الأداء، بينما الحكومة تمرر ميزانيتها السنوية بكل سهولة، دول محاسبة أو ترشيد للإنفاق، أو وجود تغيير جوهري في أداء الحكومة الاقتصادي، وكذلك لا يستطيع البرلمان إحداث تغييرات جوهرية في السياسات الاقتصادية للحكومة. ولعل اتفاقيات استيراد الغاز من إسرائيل، خير دليل على عجز البرلمان. والعلاقات التجارية والاقتصادية للأردن ما زالت قائمة على الرغم من حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، ولم تؤثر بشكل كبير الفاعليات الشعبية في الأردن ضد ممارسات إسرائيل في حركة التجارة البينية.
وكان مكتب الإحصاء الإسرائيلي، قد نشر مؤخرا تقريرا يحوي بيانات تخص تجارته مع بعض الدول العربية من بينها الأردن، وأشار المكتب إلى أن قيمة التجارة للأردن مع الكيان الصهيوني بلغت 35 مليون دولار في يونيو/حزيران 2024، وأنها تراجعت بنسبة 14% مقارنة بشهر يونيو 2023، أي أن قيمة التجارة شهدت تراجعًا، وليس منعًا أو إلغاءً، وهو الأمر الذي يضع كثيرا من علامات الاستفهام على طبيعة هذه العلاقة، رغم ما تمثله إسرائيل من تهديد للمنطقة.
تحدي الأجل المتوسط والطويل
قضايا التنمية، وتغير مسار المجتمعات، وبخاصة في الجانب الاقتصادي، تتطلب وقتًا وتخطيطًا، قد لا يكون مناسبًا أو مقبولًا أن يتم ذلك خلال دورة برلمانية واحدة، ولكن يكفي في هذه المرحلة أن يكون للبرلمان الجديد في الأردن، توجهًا جديدًا، يطالب فيه الحكومة بضرورة وجود خطة تنمية حقيقية، تعتمد على إحداث تطور حقيقي في بنية الاقتصاد الأردني.
فثمة شواهد سوف تختبر أداء البرلمان في هذه المهمة، من خلال استعمال الأدوات البرلمانية، في إلزام الحكومة بحسن تخصيص الإنفاق العام، وضرورة وجود ميزانية تعمل بالفعل على دعم الفقراء، وتبني سياسات اقتصادية تخفف من حدة البطالة والفقر، أو أن يكون لدى البرلمان عبر لجانه المعنية بالشأن الاقتصادي، ما يكون موفرًا لاستراتيجية الإفادة بشكل أفضل من تحويلات العاملين بالخارج، أو عوائد السياحة، بما يمكن الاقتصاد الأردني من المزيد من المدخرات الحقيقية، وتقليل الاعتماد على الاقتراض الخارجي.
قد يكون من المناسب أن يطالب البرلمان الحكومة بكشف حساب عن الديون الخارجية، وكيف تم التصرف فيها، ومن جهة أخرى، معرفة برنامج الحكومة في سداد هذه الديون، وكذلك بديل الحكومة للاقتراض الخارجي، لما يمثله من أعباء على الميزانية، فضلًا عن الضغوط السياسية التي تمارس على الحكومات. فمن غير المقبول أن يظل الأردن طوال هذه السنوات، مجرد مصدر لخام الفوسفات، دون وجود أي قيمة مضافة لهذه السلعة.