قبل سنوات طويلة، كانت الأرجنتين أرض الفرص الاستثمارية في العالم، ومن أكبر الاقتصادات في قارة أميركا اللاتينية، وواحدة من أبرز الدول التي راهن كثيرون على تحولها إلى دولة ذات اقتصاد واعد وقوي ومستدام، خاصة مع تحقيقها معدلات نمو حقيقية.
كان مواطنو الدولة الأكثر ثراء بين الأميركيين اللاتينيين حيث متوسط دخل مرتفع ومعدلات ادخار عالية. ومع ذلك الدخل كان المواطن ينعم بالرفاهية والخدمات المتطورة في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية والصناعة.
وقبل سنوات طويلة احتلت الأرجنتين المرتبة العاشرة في قائمة أغنى الاقتصادات في العالم، بعد دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، بل كانت تسبق اقتصادات قوية مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.
قبل سنوات احتلت الأرجنتين المرتبة العاشرة في قائمة أغنى الاقتصادات في العالم، بعد دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا
كانت الدولة اللاتينية من بين أكبر مصدري الأغذية في العالم، حيث تملك صناعات زراعية وحيوانية واسعة، وهذه القاعدة وفرت لأسواق الدولة الاستقرار خاصة في السلع الزراعية.
وفي السنوات الطويلة التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى في عام 1914، نما الناتج المحلي الإجمالي للأرجنتين بمعدل 6% سنويا، وهو أسرع معدل نمو في العالم، في ذلك الوقت الذي كانت تعاني فيه اقتصادات كبرى من الركود والمخاطر الجيوسياسية.
كانت الدولة اللاتينية من أكثر الدول جذبا للمهاجرين من القارة العجوز أوروبا، والذين توافدوا إليها بحثا عن أي فرصة عمل في الأراضي الزراعية الخصبة، حيث كان النشاط الزراعي والحيواني يقود النشاط الاقتصادي في البلاد. بل جذبت أيدي عاملة من العديد من دول العالم بما فيها الولايات المتحدة.
كان الرهان كبير على تلك الدولة القابعة في قارة أميركيا اللاتينية في قيادة الأسواق الناشئة، خاصة أن لديها الإمكانيات التي تساعدها في تحقيق ذلك الهدف، ثروات ضخمة من النفط والغاز وصادرات قوية وقطاع زراعي وأيد عاملة رخيصة وموقع استراتيجي وغيره.
لكن سنة بعد أخرى تحولت الأرجنتين إلى أرض الفرص الضائعة، إلى دولة ضائعة ماليا وهشة اقتصاديا واجتماعيا، معرضة للإفلاس مرة أخرى.
تخضع للدائنين الدوليين، لا استقلال لها في قرارها الاقتصادي وربما السياسي، فالدائنون هم من يفرضون شروطهم على الجميع، وإلا ترك الدولة للتعثر المالي.
سنة بعد أخرى تحولت الأرجنتين إلى أرض الفرص الضائعة، إلى دولة ضائعة ماليا وهشة اقتصاديا واجتماعيا، معرضة للإفلاس مرة أخرى
وسبب هذا الضياع هو الفساد والتوسع الكبير في الاقتراض الخارجي خاصة من صندوق النقد الدولي والذي اقترضت منه الأرجنتين عدة شرائح إنقاذ آخرها قرض بقيمة 44 مليار دولار تم الاتفاق عليها في إبريل الماضي، وقبلها تم الاتفاق على أكبر قرض في تاريخ المؤسسة المالية بقيمة 50 مليار دولار في منتصف عام 2018.
اليوم، باتت الأرجنتين ساحة للأموال الساخنة، ومجال خصب للمضاربين المحليين والدوليين للمضاربة في عملة البيزو والتي شهدت انهيارات كبيرة ومتواصلة في السنوات الأخيرة أحدثها خفضه قيمتها اليوم الثلاثاء بنسبة 18%، دفعت بمعدل غلاء الأسعار لمستويات قياسية، حيث يتجاوز معدل التضخم حاليا 118%.
ساعد في تعمق ذلك الوضع المالي المزري معاناة البلاد المستمرة من فاتورة ضخمة لأعباء الديون، وشح مزمن في العملات الأجنبية لا سيما الدولار، والانقلابات العسكرية.
الصورة الآن قاتمة داخل الدولة اللاتينية التي باعت أصولها الاستراتيجية لسداد أعباء الديون الخارجية، ورغم ذلك تعرضت الدولة للإفلاس عدة مرات، وأفلتت منه بأعجوبة قبل أسابيع، وقبلها باعت 40% من الشركات المملوكة للدولة و90% من البنوك.
الأرجنتين غرقت في الديون، بمساعدة صندوق النقد الدولي الذي اعترف في 2004، بأن أخطاءه ساعدت في غرق الدولة وإفلاسها
ورغم حصولها على إيرادات ضخمة من عملية البيع فاقت 49 مليار دولار، لكن تلك الأموال لم تنفق على المواطن والخدمات، بل على سداد أعباء الديون، وبالتالي ذهبت للمستثمرين الأجانب وحائزي السندات الدولية والمضاربين وأصحاب الأموال الساخنة.
ومع حلول أعباء دين تسارع الأرجنتين للحصول على قروض جديدة لسداد المستحق منها.
ببساطة باتت الأرجنتين دولة مدمنة للاقتراض، فهي أكبر مقترض في تاريخ صندوق النقد الدولي، ونموذج صارخ للدول التي تعتمد على الخارج في الحصول على نقد أجنبي، دولة أصابها التدمير الكلي سواء للاقتصاد أو المواطن أو الأسواق بمساعدة الدائنين.
الأرجنتين غرقت في الديون، بمساعدة صندوق النقد الدولي الذي اعترف في نهاية يوليو/تموز 2004، بأن أخطاءه ساعدت في غرق الدولة وإفلاسها خلال أزمة العملة التي شلت اقتصاد البلاد قبل سنوات، وأنه يعتذر عن عدم منعه الحكومة الأرجنتينية من اتباع سياسات اقتصادية سيئة.
لكن بماذا يجدي الندم وسط سقوط دولة كان العالم يراهن على انضمامها لأضخم اقتصادات العالم، فإذا بها تحتل مرتبة أسوأ اقتصاد.