اقتصاد فرنسا المأزوم في مواجهة سلاح المقاطعة الفتاك

26 أكتوبر 2020
سحب المنتجات الفرنسية من أكبر سلسلة متاجر أغذية في قطر (تويتر)
+ الخط -

يعد سلاح المال والمقاطعة الاقتصادية والتجارية من أبرز أسلحة الردع التي تمتلكها الشعوب ضد المعتدي عليها، سواء من الداخل أو الخارج. 
وفي التاريخ الحديث نجح سلاح المقاطعة في مساعدة شعوب عدة على التحرر من الاستعمار الأجنبي والتدخلات الخارجية وتحقيق الاستقلال الوطني، فقد ساعدت المقاطعة الهندية الواسعة للسلع والمنتجات البريطانية في مساعدة الشعب الهندي على وضع نهاية للاحتلال البريطاني، حيث شهر الزعيم الهندي المهاتما غاندي سلاح المقاطعة الاقتصادية في وجه الاحتلال.
وعلى مدى سنوات طويلة دعا غاندي الهنود إلى إحراق البضائع والسلع القادمة إلى بلاده من مصانع بريطانيا ضمن حملات احتجاج مناهضة للاحتلال البريطاني وقتها. كما حث الشعب على الاعتماد على المنتج المحلي والتوسع في سياسة تصنيع الملابس والأقمشة، والاستعانة بمغازل يدوية محلية. وساهمت تلك المقاطعة في الضغط على المحتل البريطاني والمتعاونين المحليين معه، والذين تم وصمهم بالعار لتعاونهم مع المحتل، ومع مواصلة المقاطعة حققت الهند استقلالها عن الاحتلال البريطاني في منتصف شهر أغسطس 1947.
وساعدت المقاطعة الاقتصادية لمنتجات شركات رجال الأعمال البيض في إنهاء سياسة الفصل العنصري المقيتة في جنوب أفريقيا بعد سنوات طويلة من ظلم وقهر غالبية السكان من السود، ودعم الحملة امتناع العديد من المستهلكين حول العالم عن شراء السلع والمنتجات القادمة من جنوب أفريقيا احتجاجا على سياسة الفصل العنصري، ونجح السلاح في النهاية في المساعدة على القضاء على سياسة الفصل بين السود والبيض في بداية التسعينيات.

وشهر العديد من المستهلكين حول العالم سلاح المقاطعة في وجه منتجات الشركات العالمية الداعمة لإسرائيل، أو المنتجة من قبل شركات مقامة داخل المستوطنات وعلى أراض فلسطينية مغتصبة.
ولعبت حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) النشطة دورا كبيرا في ذلك، حيث أجبر تحركها العديد من الشركات العالمية الكبرى على الانسحاب من دولة الاحتلال ووقف التعاون مع مستثمرين إسرائيليين في إقامة مشروعات فيها، وإجبار محال تجارية في كافة أنحاء العالم على التوقف عن بيع منتجات إسرائيلية معينة. 
ومن النجاحات التي حققتها حركة (BDS) قيام صناديق التقاعد الحكومية في السويد والنرويج ونيوزيلندا ولوكسمبورغ وصندوق التقاعد الهولندي الضخم (PFZW/PGGM)، وشركات استثمارية كبرى، مثل صندوق جورج سورس ومؤسسة بيل غيتس والبنك النرويجي Nordea والبنك الدنماركي Danske، بسحب استثماراتها من شركات أو بنوك تعمل داخل دولة الاحتلال وتستهدفها حركة المقاطعة.
ونجح سيناريو المقاطعة مع دعوات الزعيم والناشط السياسي مارتن لوثر كينغ، الرافضة لسياسة التمييز العنصري بين السود والبيض داخل الولايات المتحدة.
وقبل سنوات نجحت حملات عدة في الدول العربية في إجبار شركات كبرى على التراجع عن زيادة الأسعار واحتكار بعض السلع والخدمات الضرورية. 
حدث ذلك مع شركات الاتصالات والسيارات في مصر، وشركات الاتصالات في ليبيا، وشركات الألبان والوقود في المغرب، ومنتجو السيارات وتجار المواد الغذائية، مثل الدجاج، السمك، والطحين، في الجزائر، والموز والبطاطا ومواد غذائية أخرى في تونس، وشركات غذائية واتصالات في الأردن، والبضائع الإيرانية في العراق.

ليس البعد الاقتصادي والمادي والسياسي هو المحرك الأساسي لإشهار سلاح المقاطعة، بل البعد الديني أيضا، كما حدث مع المقاطعة العربية الواسعة للسلع الدنماركية والنرويجية في العام 2006 احتجاجا، وقتها، على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد عليه السلام، التي نشرت في الدنمارك والنرويج. ولم تخمد نار المقاطعة الشعبية الواسعة إلا عقب اعتذار الصحيفة المسيئة وكبار المسؤولين في الدولتين عن الرسوم.
وكذا شهدنا العام الماضي حملة مقاطعة واسعة للمنتجات الصينية اعتراضا على انتهاكات حقوق الإنسان الصارخة من قبل السلطات الصينية ضد مسلمي الأيغور في تركمانستان الشرقية بزعم مكافحة الإرهاب، وممارسة الحكومة الصينية ممارسات بشعة ترقى إلى جرائم حرب ضد هؤلاء المسلمين. 
يتكرر المشهد حاليا مع السلع والمنتجات الفرنسية التي تشهد مقاطعة واسعة من قبل شعوب بعض البلدان العربية والإسلامية مع إصرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الإساءة للدين الإسلامي.
سلاح المقاطعة للسلع والمنتجات الفرنسية سيجبر ماكرون في النهاية، إما على الاعتذار عن الإساءات المستمرة للدين الإسلامي والنبي محمد عليه السلام، أو على الأقل وقف السياسة العنصرية التي يمارسها بحق الإسلام والمسلمين، أو أن تتعمق الأزمة الاقتصادية والمالية التي تشهدها فرنسا حاليا.

المساهمون