على الرغم من أن التجارة بين العراق وفرنسا هي الأقل بين دول المنطقة بأقل من 400 مليون يورو سنويا، تتضمن سيارات وأجهزة كهربائية ومستلزمات طبية وغذائية، إلا أن دعوات المقاطعة بدت متصاعدة في بغداد ومناطق شمال وغرب العراق تحديدا، بعد حملة مركزية لجامع ومدرسة الإمام أبي حنيفة النعمان في حي الأعظمية، أطلقت في هذا الصدد لمقاطعة البضائع الفرنسية.
وبدت السلطات الحكومية العراقية وكذلك الأحزاب الرئيسية في البلاد، خاصة الدينية منها، بعيدة تماما عن الحملة التي اكتسبت طابعا شعبيا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي بدا فيها تأثير مشاهد ومقاطع فيديو من دول خليجية والأردن تظهر سحب المنتجات الفرنسية تأثيرا كبيرا على العراقيين في محاولة اقتفاء الأثر.
وشهدت مدن بغداد والفلوجة والموصل وتكريت والبصرة أبرز مراكز حملات المقاطعة تلك التي رافقتها دعوات لتشجيع المنتج المحلي وتوقف الاعتماد على الاستيراد في الوقت الذي يمكن توفيره من الداخل.
وقال الخبير الاقتصادي العراقي جاسم الشمري لـ"العربي الجديد" إن التبادل التجاري بين العراق وفرنسا لا يمكن مقارنته مع دول أخرى بالمنطقة مثل الخليج أو حتى الأردن ولبنان ومصر، إذ بلغ ذروته عام 2014 بنحو مليار دولار سنويا، كانت منها أكثر من 600 مليون يورو عن بيع العراق النفط لفرنسا والنسبة المتبقية كانت تبادلا بين شركات القطاع الخاص.
وفي عام 2016 سجل التبادل غير النفطي بين البلدين أقل من 400 مليون يورو، واستمر في التراجع حيث سجل العام الحالي أقل من 90 مليون يورو وفقا لما يظهر بالسجلات العراقية، بفعل جائحة كورونا والأزمة المالية في العراق. وكان معظمها عبارة عن تجارة سيارات وقطع غيارها وأدوية ومواد تجميل وأجهزة كهربائية ومواد غذائية وملابس.
وبحسب الشمري، فإن المقاطعة التي لم تختلف عن باقي الدول العربية في كونها شعبية بالدرجة الأولى، لديها فرص النجاح بسبب تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، لكن تبقى ضمن نطاق القطاع الخاص فقط، وهو بكل الأحوال لن تسجل عليه مدى التأثر إلا بعد أسبوعين أو ثلاثة من الآن".
وعلى النقيض تماما، فإن حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي أنهى قبل أيام زيارة سريعة إلى باريس استمرت يوما واحدا والتقى خلالها الرئيس ماكرون ومسؤولين فرنسيين ومديري شركات فرنسية استثمارية، تتجه إلى محاولة الاستفادة من فرنسا في قطاع الاستثمار.
وصرح الكاظمي عقب ختام زيارته إلى باريس بأن الفرنسيين سيدعمون العراق سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وركّز على الجزء الأخير، متحدثا عن مشروع فرنسي استثماري لإنشاء مترو في بغداد.
وأعلن وزير النفط إحسان عبدالجبار إسماعيل عن إجراء مشاورات مع "توتال" الفرنسية لاستثمار الغاز غرب بغداد والبصرة، مضيفا أن مشاورات مهمة أُجريت مع الشركة حول الاستثمار في مشاريع قطاع الغاز أحدها يقع إلى الغرب من بغداد والآخر في البصرة، معربا عن أمله في "التوصل قريباً إلى الاتفاق بشأن ذلك.
عضو غرفة تجارة بغداد كريم الناصري، توقع لـ"العربي الجديد" ارتدادات سريعة على المقاطعة من خلال وقف بعض التجار استيراد بضائع من فرنسا خوفا من كسادها في الأسواق، وقد يبحثون عن مناشئ أخرى.
وأضاف الناصري أن البضاعة الفرنسية في العراق غالبيتها ليست للرفاهية بخلاف ما هي في دول أخرى، ولا سيما العطور والماركات المعروفة بالملابس وغيرها، بل هي أغذية ومواد طبية وأجهزة كهربائية، وحتى زبائنها من طبقة مرفهة كونها غالية بالنسبة لمعظم العراقيين، لكن رغم ذلك، من المؤكد أن التجار وأصحاب الوكالات يراقبون الآن، وقد يتخذون قرارا بوقف الاستيراد والبحث عن بدائل، قد تكون تركيا، الأنسب لهم حاليا".