أعادت اضطرابات إنتاج وتصدير النفط الليبي تسليط الضوء على تأثير ذلك على أسواق الخام بوجه عام، وعلى الدول المنتجة الأخرى التي ستستفيد اقتصاداتها من ارتفاع الأسعار الناجم عن انخفاض المعروض.
وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، في 21 يناير/كانون الثاني، استئناف العمل في حقل الشرارة النفطي، بعد إعلان حالة القوة القاهرة فيه في وقت سابق من الشهر، حيث تبلغ طاقته الإنتاجية 300 ألف برميل يوميا.
وسبق أن ساعدت الصراعات الحادة في ليبيا، خلال السنوات الخمس الماضية، في انخفاض كبير في الصادرات النفطية، وتأخير خطط التوسع التي تستهدف رفع إنتاج النفط إلى 2 مليون برميل من نحو 1.2 مليون برميل حاليا.
ارتفاع الأسعار
يشير الخبير الاقتصادي، نهاد إسماعيل، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن إعلان "القوة القاهرة" ثم إعادة فتح الحق، كان له أثر سلبي على الأسواق، وعلى تصنيف ليبيا باعتبارها موردا نفطيا "غير موثوق".
و"مقابل الأثر السلبي على ليبيا، جاء إغلاق الإنتاج بحقل الشرارة داعما للأسعار، حيث ارتفعت في يناير/كانون الثاني بحوالي 3%، ما يصب في صالح المنتجين الآخرين ومنها دول الخليج، خاصة في وقت التوترات الجيوسياسية، لاسيما هجمات الحوثيين في البحر الأحمر والمخاطر المتعلقة بالإمدادات النفطية"، بحسب إسماعيل.
ويلفت إسماعيل إلى أن "النفط الليبي الخفيف مرغوب من قبل مصافي التكرير في حوض البحر البيض المتوسط وشمال غرب أوروبا، ولهذا السبب فإن إغلاق حقل الشرارة تحديدا كان له تأثير سلبي على عمليات التكرير ويؤدي إلى خسائر مالية للمصافي".
"غير أن اضطراب الإمدادات من مصدر معين عادة ما يفيد الخامات البديلة، التي تأتي بالأساس من الجزائر والمنتجين بدول الخليج العربي"، بحسب إسماعيل، مشيرا إلى أن "المستثمر يريد بيئة آمنة ومستقرة، وهذا غير متوفر في ليبيا بسبب غياب التوافق السياسي بين أطرافها السياسية، بينما يجده أغلب مستثمرو القطاع النفطي في دول الخليج العربية".
حساسية النفط
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي حسام عايش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "عودة الإنتاج بحقل الشرارة من شأنها زيادة المعروض النفطي الليبي في الأسواق الدولية، في ظل حالة من عدم اليقين فيما يتعلق بأسعار النفط على وقع الأحداث في مضيق باب المندب، وبالتالي فهناك احتمال ارتفاع لأسعار النفط، ما يمثل فائدة للدول الأخرى المنتجة ومنها دول الخليج".
وقفزت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها في شهرين، بعد استهداف الحوثيين في اليمن ناقلة نفط بريطانية "اشتعلت فيها النيران" في خليج عدن، في أحدث حلقات حملتهم لاستهداف السفن البريطانية والأميركية، بعد الغارات التي شنتها واشنطن ولندن على أهداف عدة في اليمن منذ الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني الجاري، رداً لمنع الحوثيين من مهاجمة السفن الإسرائيلية وغيرها المتجهة نحو إسرائيل.
لكن عايش يرى أن "هذا الاحتمال مرجوح"، موضحا أن "أسعار النفط لم تعد بنفس الحساسية السابقة للمشكلات العالمية، بالنظر إلى وجود حالة متعاكسة بين المستهلكين أو المنتجين الرئيسيين في العالم".
وأضاف أن "الصين هي أكبر مستهلك للنفط وتمر بحالة تباطؤ اقتصادي قللت من طلبها على النفط، بينما الولايات المتحدة هي المنتج الأكبر للنفط في العالم، ومن الواضح أن تأثيراتها على أسواق النفط العالمية أصبحت أكبر من الدول المنتجة الأخرى، بما فيها دول الخليج".
وأكد عايش أن "أسعار النفط تتعرض لضغوط، ومن الصعب أن تؤثر فيها تخفيضات الإنتاج لدول تكتل "أوبك+" والتخفيضات الطوعية السعودية الروسية".
وأشار إلى أن "انخفاض الأسعار إلى ما يقارب الـ70 دولارا لبرميل النفط في المرحلة السابقة يشي بأن الطلب على النفط لم يعد كبيرا، وأن مصادر الإنتاج من خارج "أوبك+"، مثل كندا والنرويج، تقلل من المفعول الإيجابي لتخفيضات "أوبك+"، ما ينعكس على الإيرادات النفطية لدول الخليج".
وارتفع سعر النفط بأكثر من 6% الأسبوع الأخير، مسجلاً أكبر مكاسب منذ الأسبوع الذي تلا بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وأضاف عايش أن "تراجع أسعار النفط عبر عنه العجز المقدر في الموازنة السعودية للعام 2023 والعجز المتوقع لعامي 2024 و2025 إضافة إلى معدلات النمو الاقتصادي التي تم تحقيقها عام 2023 بالقياس إلى تلك التي تم تحقيقها في عام 2022، عندما ارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها واقتربت من المستويات القياسية التي حققتها عند 147 دولارا في سنوات سابقة".
ويرى عايش أنه "مع استمرار حالة المد والجزر في علاقة المستهلكين بالنفط وعدم اليقين والتباطؤ وتوجه دول أوروبية نحو البحث عن مصادر جديدة للطاقة أو المضي قدما في الاستثمار في الطاقة النظيفة، فإن الكثير من التحديات ستواجه أسعار الطاقة مستقبلا".
ونوه عايش إلى أن "أي زيادة في المعروض النفطي، ومنها معروض النفط الليبي، تعتبر أخبارا سيئة بالنسبة للمنتجين بسوق النفط العالمية وإن كانت أخبارا جيدة للمستهلكين، باعتبار أن النتائج المترتبة على أي زيادة في المعروض هي تقليل فعاليات إجراءات "أوبك+" وتراجع الإيرادات النفطية للدول المنتجة والمصدرة وانخفاض الأسعار".
وأكد أن "من شأن التأثير السلبي على الدخول المالية لدول الخليج أن يمتد إلى رؤاها الاقتصادية ومشروعاتها ومعدلات النمو فيها، وقد يدفع نحو زيادة مديونيتها".