وقع ممثلو ست دول تطل على ساحل البحر المتوسط، اليوم الثلاثاء، في العاصمة المصرية القاهرة، اتفاقية لتحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة إقليمية تضم دولة الاحتلال الإسرائيلي، بينما غابت فلسطين، التي كانت ممثلة في السابق بالمنتدى من خلال ممثل للسلطة الفلسطينية.
والدول الست الموقعة على تحويل المنتدى إلى منظمة إقليمية هي مصر ودولة الاحتلال وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن. وتهدف المنظمة، وفق وكالة رويترز، لإنشاء سوق إقليمية للغاز وترشيد تكلفة البنية التحتية وتقديم أسعار تنافسية.
وكان وزراء الطاقة في مصر ودولة الاحتلال وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن وفلسطين قد دشّنوا في يناير/كانون الثاني 2019 "منتدى غاز شرق المتوسط"، للتعاون بين هذه الدول في الاستفادة من الاحتياطات الغازية في مياه البحر، ليتم استبعاد تركيا وسورية ولبنان حينذاك من المشاركة.
إلا أن عدم وجود فلسطين بالمنظمة الإقليمية، يأتي في إطار تطورات جديدة، تتمثل وفق محللين في تعميق التطبيع بين مصر ودول خليجية مع إسرائيل، والذي ترفضه السلطة الفلسطينية، فضلاً عن خلق تكتل لإزاحة تركيا من خريطة التنقيب عن الغاز في مياه المتوسط.
مصدر فلسطيني مطلع، قال في المقابل لوكالة الأناضول، الثلاثاء "لم نشارك في التوقيع تنفيذا لقرار القيادة الفلسطينية، قطع الاتصالات مع إسرائيل".
وفي أغسطس/ آب من العام الماضي، صدرت ورقة "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي التي أشارت إلى أن اكتشافات الغاز في حوض البحر الأبيض المتوسط تسهم في تحسين الواقع الجيوسياسي لإسرائيل ومكانتها الإقليمية.
ويحسب الورقة، التي أعدها عوديد عيران، كبير الباحثين في المركز، والذي شغل في الماضي منصب سفير إسرائيل في كل من الأردن والاتحاد الأوروبي والناتو، فإن اكتشافات الغاز الطبيعي في حوض البحر الأبيض المتوسط قادت إلى بناء شراكات وتعاون اقتصادي بين إسرائيل والعديد من الدول، وهو ما أسهم في تمكين إسرائيل من التمتع بثمار سياسية، على شاكلة تعزيز علاقاتها بهذه الدول.
وأشار عيران إلى أن عامي 1991 و1995 شهدا ولادة منظومتين إقليميتين للتعاون في مجال الطاقة، لكنهما فشلتا بسبب إصرار الدول العربية في حينه على ربط تعاونها مع إسرائيل بحدوث تقدم على صعيد تسوية الصراع مع الفلسطينيين.
ودخلت الولايات المتحدة بصفة مراقب في منتدى شرق المتوسط، وحضرت الاجتماعات السابقة. ووفق مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، فإن الحضور الأميركية في خريطة الغاز بشرق المتوسط لا يرجع إلى أسباب اقتصادية بل إلى دواعٍ استراتيجية، مشيراً إلى رغبتها في محاولة تقليص نفوذ روسيا في المنطقة.
كذلك يأتي تحويل "منتدى غاز شرق المتوسط" إلى منظمة إقليمية في الوقت الذي تستمر فيه التجاذبات السياسية بين القاهرة وأنقرة، على خلفية الانتقادات المتكررة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي وصل إلى الحكم منتصف عام 2014، بعد إطاحة الجيش الرئيس محمد مرسي، الذي كان أول رئيس منتخب للبلاد بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، بينما لم يستمر أكثر من عام في الحكم.
وتقول مصر إنها تسعى لأن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة، اعتماداً على البنية التحتية المتوفرة لديها، والتي تسمح بتسييل الغاز الطبيعي وإعادة تصديره، بينما هذه الميزة غير متوفرة لإسرائيل والدول الأخرى المشاركة في المنظمة الوليدة، والتي تحتاج إلى مليارات الدولارات لإنشائها.
ودعمت مصر مواقف كل من اليونان وقبرص تحديداً في مواجهة تركيا، عبر اتفاقات لترسيم الحدود البحرية، الأمر الذي أثار غضب أنقرة، في الوقت الذي أكد محللون في قطاع الطاقة ونشطاء مصريون أن اتفاقيات الترسيم بمثابة تنازل مصر عن ثرواتها في مياه المتوسط لصالح إسرائيل واليونان وقبرص، بينما يقول النظام المصري إنّ هذه الخطوة تدعم مصالح مصر في مجال الطاقة.
وكان وزير الطاقة القبرصي، يورغوس لاكوتريبيس، قد توقع قبل عام وصول الغاز الطبيعي من بلاده إلى مصر في عامي 2024 و2025، فيما بدأت حكومة الاحتلال الإسرائيلي مطلع العام الجاري ضخّ الغاز إلى مصر، إلا أنه لم يأت بغرض التسييل (تحويله من صورته الغازية إلى سائلة) من أجل إعادة التصدير وإنما للاستهلاك المحلي المصري، وفق ما كشف عنه مسؤولون إسرائيليون آنذاك.
وكانت مصر تصدر الغاز إلى دولة الاحتلال خلال عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، إلا أن الأمر تبدل في السنوات الأخيرة.
وبمقتضى اتفاق في 2005، كانت تمد مصر شركة الكهرباء الإسرائيلية بنحو 1.7 مليار متر مكعب سنوياً لمدة 20 عاماً، بسعر بخس تراوح بين 70 سنتاً و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية، بينما وصل سعر الكلفة آنذاك إلى 2.65 دولار.
لكن سرعان ما تبدّل المشهد وتحولت مصر إلى بلد مستورد من دولة الاحتلال بسعر مبالغ فيه وصل، وفق تقرير لهيئة الإذاعة الإسرائيلية في يناير/كانون الثاني الماضي، إلى ما يتراوح بين 5 دولارات و5.5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية.
ووفق دراسة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، في فبراير/ شباط 2019، فإنه على الرغم من أن كلّاً من الأردن، وإيطاليا والسلطة الفلسطينية كانت تشارك في "منتدى غاز شرق المتوسط" آنذاك، إلا أن الدول المرشحة للعب دور فاعل فيه هي مصر وإسرائيل وقبرص واليونان.
ولفتت إلى أن المخاوف الناجمة عن تعاظم الدور التركي في منطقة حوض البحر المتوسط تعد من أهم الأسباب التي حدت إلى تدشين المنتدى الذي تتلاقى فيه مصالح القاهرة وتل أبيب بمواجهة أنقرة.
وأشارت إلى أن تهاوي العلاقات التركية الإسرائيلية في أعقاب أحداث أسطول الحرية قبل نحو ثماني سنوات حفّز إسرائيل للبحث عن تحالفات وشراكات جديدة لدى دول أخرى، منبهة إلى أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي مرت بها اليونان عززت من ميل أثينا لقبول عروض تل أبيب بالتعاون معها.
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد شنّت هجوماً على قافلة إغاثة بحرية متوجهة إلى قطاع غزة في مايو/ أيار 2010، تضم نشطاء معظمهم أتراك، وقد تسبب الهجوم بمقتل وإصابة العشرات.
ووفق الدراسة فإن لنظام السيسي أيضاً مصلحة واضحة في تعزيز التعاون مع إسرائيل وكل من قبرص واليونان لمواجهة الدور التركي بسبب التوتر الكبير في العلاقة بين القاهرة وأنقرة.
وذكرت الدراسة أن قادة كل من إسرائيل وقبرص واليونان عقدوا منذ يناير/كانون الثاني 2016 خمسة لقاءات قمة، كان آخرها القمة التي عقدت في مدينة "بئر السبع" المحتلة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في حين عقد قادة مصر واليونان وقبرص ستة لقاءات قمة منذ عام 2014.
وأوردت الدراسة أن كلاً من قبرص واليونان تريان في الاندماج في المنتدى الجديد والشراكات مع كل من إسرائيل ونظام السيسي وسيلة لمواجهة تبعات تخلفهما من ناحية اقتصادية وديموغرافية عن تركيا.
(العربي الجديد، وكالات)