رغم الاهتمام الذي حظي به منتدى غاز شرق المتوسط منذ إطلاقه إلا أن استبعاد دول رئيسة في المنطقة ذاتها مثل تركيا ولبنان وسورية وليبيا يحجّم من فرص نجاحه في تحقيق أهدافه، رغم الأهمية المتزايدة للمنطقة في إنتاج الغاز الطبيعي.
ذكر البروفيسور الإيطالي فابيو إينديو، أستاذ الدراسات الجيوسياسية في جامعة كاميرينو الإيطالية وكبير المحللين في كلية دفاع حلف شمال الأطلسي (روما)، أن تقييم احتياطيات الغاز الطبيعي الموجودة في شرق البحر المتوسط وتسويقها سوف يسهم بقوة في استراتيجية الاتحاد الأوروبي لتنويع مصادر الإمداد بالطاقة ومسارات الاستيراد، وما ينتج عن ذلك من الاعتماد على الواردات القادمة من روسيا، وهو ما تدعمه الإدارة الأميركية.
وتابع إينديو، خبير الشؤون الجيوسياسية المرتبطة بخطوط الأنابيب والطاقة البحرية، في دراسة بعنوان "منتدى غاز شرق المتوسط: نتائج وحدود وآفاق مستقبلية"، أن منتدى غاز المتوسط ، الذي وُصف بأنه "أوبك الغاز"، من المتصور أن يكون هو المكان الذي من المفترض أن تنحي فيه الدول الأعضاء جانباً خصوماتها التقليدية من أجل تطوير تعاون مثمر في قطاع الطاقة موجه لاستغلال احتياطيات المحروقات الموجودة في شرق المتوسط وتسويقها ومن ثم تقاسم عوائدها الاقتصادية.
ومما يؤخذ في الاعتبار، علاوة على ذلك، أن حقول الغاز الموجودة في المنطقة تقع على مسافات قليلة فيما بينها، ما يمكن أن يشجع على تعاون إقليمي في مجال الطاقة يهدف إلى تسويق إنتاج تلك الحقول.
استبعاد دول رئيسية
ورأى الخبير الإيطالي أن طموح المنتدى في دفع تعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي يكتسب أهمية استراتيجية على اعتبار كونه توطئة لتحسين العلاقات السياسية – الدبلوماسية بين الدول الأعضاء وتجاوز التوترات.
وعلى الرغم مما سبق، تبقى ثمة قضايا جيوسياسية لم تُسوَّ بعد وتتسبب في إبطاء وعرقلة تحقيق هدف المنتدى، وأولى تلك القضايا أنه ليس من الممكن أن نتحدث بشكل ملموس عن التعاون في مجال الطاقة الإقليمية في ظل استبعاد بعض اللاعبين المهمين من عضوية المنتدى، مثل سورية وتركيا ولبنان.
وقال إن منتدى غاز شرق المتوسط من الممكن أن يشكل الإطار المؤسسي المثالي لتسوية الأزمة القائمة على سبيل المثال بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ولبنان، حول ترسيم الحدود البحرية، عبر اتخاذ مزيد من الخطوات في إنجاز الهيكل الإقليمي للطاقة.
ليس من الممكن أن نتحدث بشكل ملموس عن التعاون في مجال الطاقة الإقليمية في ظل استبعاد بعض اللاعبين المهمين من عضوية المنتدى
وأشار إلى أن الاستبعاد العمدي لتركيا يمثل عنصر التوتر الأكبر الذي يؤثر سلبياً على تطوير تعاون إقليمي في قطاع الطاقة، وذلك أنه يحول دون التوصل إلى تسوية النزاعات القائمة وتجميد الطموحات في تسويق احتياطيات الغاز الموجودة عبر تنفيذ بنى تحتية للتصدير.
وأضاف إن استبعاد تركيا يغذي، علاوة على ذلك، سياسة حكومة أنقرة في مجال الطاقة الرامية إلى تأكيد وجودها في شرق المتوسط. ومع الأخذ في الاعتبار أن جزءاً كبيراً من احتياطي الغاز اكتُشف في المناطق الاقتصادية الخالصة لكل من قبرص ومصر وإسرائيل، فإن سياسة تركيا في هذا المجال تهدف إلى إعادة تحديد المناطق الاقتصادية الخالصة من خلال إعلان سيادتها على منطقة أكثر اتساعاً من أجل توسيع أنشطتها الاستكشافية البحرية بحثاً عن المحروقات، وبهذه الطريقة تشارك بشكل كامل في آلية اتخاذ القرار بشأن استغلال الغاز الطبيعي في المنطقة.
وإلى جانب الاستبعاد من المنتدى، تجد تركيا نفسها محرومة من دورها كمحور إقليمي للغاز، وهو الدور الذي تلعبه بفضل موقعها الجغرافي المتميز، سواء داخل ممر الغاز الجنوبي أو في خط غاز "ترك ستريم" الذي ينقل الغاز الروسي، خاصة أن مشروعات تسويق الغاز المستخرج من حوض شرق المتوسط تتركز بشكل أساسي في مصر وفي خط غاز شرق المتوسط (إيست ميد).
خطوات تركية - ليبية
في هذا الإطار، كان توقيع أنقرة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية في عام 2019 مع حكومة الوفاق الوطني الليبية يهدف بصفة أساسية إلى عرقلة مشروعات التعاون في مجال الطاقة التي تنضوي الدول المتوسطية الأخرى في عضويتها، والتي استُبعدت منها تركيا على الرغم من مرورها عبر أراضيها.
ومع أن هذه الاتفاقية لم تحظ باعتراف دول أخرى إلى جانب عدم توقيع تركيا على اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺒﺤﺎر ﻓﻲ ﻣﻮﻧﺘﻴﻐﻮ ﺑﺎي لعام 1982، فإن حكومة أنقرة يمكنها على أية حال التقدم بمطالبات قانونية من شأنها إبطاء إنجاز خط غاز (إيست ميد)، الذي من المقرر أن يمر تحديداً بهذا النطاق البحري موضع الاتفاقية التركية - الليبية، التي تتماس فيها حدود المناطق الاقتصادية الخالصة لتركيا وليبيا.
وأشار الباحث، إلى أن تركيا أطلقت، علاوة على ما تقدم، سلسلة من الأنشطة الاستكشافية في النطاقات المائية المتنازع عليها حول قبرص وفي بحر إيجة بهدف العثور على آبار غاز داخل ما تعتبرها منطقتها الاقتصادية الخالصة، ومن ثم إمكانية المطالبة بعضوية كاملة، كبلد منتج، في منتدى غاز شرق المتوسط، وبهذه الطريقة توفر الحماية لمصالحها الخاصة بالطاقة وتشارك بفعالية في آليات اتخاذ القرار في ما يتعلق باستغلال الغاز في المنطقة.
إدماج حكومة أنقرة بشكل فعال في المنتدى من شأنه إضعاف بؤر التوتر والصراعات الخطيرة القائمة بين الدول الساحلية المطلقة على شرق البحر المتوسط
الشاهد أن غياب تركيا عن عضوية هذا المنتدى من شأنه تعقيد مساعي إيجاد حل مشترك للإشكاليات الرئيسية المفتوحة وتسوية التوترات القائمة بينها وبين كل من اليونان وقبرص بشكل سلمي.
ومن ناحية أخرى، فإن تركيا تشهد في ظل عزلتها الجيوسياسية في شرق المتوسط تعزيز مصر لمركزها محوراً إقليمياً للغاز في إطار منافسة مفتوحة مع أنقرة، ولا سيما على ضوء تنامي التعاون في قطاع الطاقة بين القاهرة وتل أبيب.
وخلص إينديو إلى أن منتدى غاز شرق المتوسط يبرز على الخريطة ككيان قادر على دفع التعاون في قطاع الطاقة في منطقة واعدة للغاية باحتياطيات غاز هائلة، مؤكدا أن إدماج حكومة أنقرة بشكل فعال في المنتدى من شأنه إضعاف بؤر التوتر والصراعات الخطيرة القائمة بين الدول الساحلية المطلة على شرق البحر المتوسط.
وختم بقوله إن مسار خط غاز شرق المتوسط العابر لتركيا يبدو الأفضل والأقصر والأسهل في التنفيذ من وجهة النظر الاقتصادية، وذلك بحسب ما انتهى إليه تحليل لمقترح قديم يقضي بنقل الغاز من حقل ليفياثان إلى ميناء ميرسن التركي عبر خط غاز تحت البحر بطاقة 30 مليار متر مكعب سنوياً. هذا الخط من المفترض أن يُربط بخط "تاناب" كدعامة أساسية لممر الغاز الجنوبي.
عضوية غير مشروطة
من جانبها، قالت لاورا سيلفيا باتَاليا، الصحافية الخبيرة بشؤون الشرق الأوسط، في تحليل نشره موقع "تيسكالي" الإيطالي إن أنقرة ترغب منذ فترة في أن تصبح أحد اللاعبين الرئيسيين في مباراة الغاز المقامة على ملعب البحر المتوسط، ما يمثل ضرورة لضخ الأوكسجين في رئة الاقتصاد التركي المتعطش.
وترى تركيا أن هذه الاتفاقية قد تلحق الضرر بحقوقها في نطاقها المائي أو في النطاق المائي لقبرص التركية، ومع ذلك فإنه من الضروري لها أن تنضم إلى تحالف يزداد رسوخاً بين أعضائه، الذين يرون من جانبهم في تركيا دولة معادية وبالتالي فإنهم مترددون للغاية في منحها ثقتهم.
وفي سياق متصل، كان غويليلمو بيكَي، عضو مجلس النواب عن حزب رابطة الشمال والخبير الاقتصادي الإيطالي، قد اعتبر في تحليل نشره مركز "ماكيافيللي" للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن إشراك تركيا في المنتدى من دون شروط مسبقة أمر ضروري، سواء لتخفيف الطابع الهجومي للسياسة الخارجية لأنقرة، ولا سيما بعد اتفاق الحدود البحرية الذي أبرمته في نوفمبر/ تشرين الثاني مع ليبيا وأعمال التنقيب التي تجريها سفنها أمام السواحل القبرصية، أو للوضوح والاستقرار المطلوب نقلهما للشركات والجهات الممولة التي من المفترض أن تستثمر في خط غاز (إيست ميد)، لأنه سيكون من الصعوبة بمكان إنجاز هذا المشروع من دون موافقة تركيا.