احذروا الإنتاج التركي

07 يناير 2022
التراجع الكبير في قيمة الليرة التركية انعكس إيجاباً على الصادرات والسياحة (Getty)
+ الخط -

ما إن بدأت ملامح النموذج الاقتصادي التركي الجديد تظهر على السياحة والصادرات حتى ارتفع صوت الشركاء بالتحذير: تركيا قادمة فشدوا الأحزمة.

أجل، يمكن قراءة المخاوف المصرية والمغربية أمس، والأوروبية غداً أو بعد غد، على هذا النحو، فرخص العملة التركية سلاح ذو حدين، تحاول أنقرة الاستفادة من حده الإيجابي وبالشكل الأمثل، للحد الذي أوصل بعض المحللين إلى القول: الحكومة التركية تعمّدت تخفيض سعر عملتها لتنعش السياحة والصادرات.

ليس من شكوك أنّ للتضخم النقدي آثاراً سلبية، بدأت من مخاوف الرساميل والمستثمرين، لا سيما بواقع التذبذب المستمر لسعر الصرف، ولا تنتهي عند ارتفاع أسعار السلع والمنتجات، وبالتالي، التأثير على مستوى معيشة المواطنين، بيد أنّ لرخص العملة، التي تدافع عنها الصين بطلة التصدير في العالم باستماتة، منافع وإيجابيات، ربما أهمها قلة تكاليف الإنتاج، وبالتالي زيادة قدرة السلع على المنافسة ودخول أسواق جديدة، خاصة بوضع كما في تركيا حيث جلّ المواد الأولية الداخلة في الإنتاج محلية.

والتصدير في تركيا هو الأول على قائمة الاقتصاد التي تعوّل عليها الدولة إلى جانب السياحة، للوصول إلى الأهداف الاقتصادية المتوسطة والبعيدة، سواء خلال مئوية تأسيس الجمهورية العام المقبل، أو عبر الوصول إلى نادي الدول العشر الكبار بعد أعوام.

وربما في زيادة تدفق السلع التركية باتجاه أسواق الشركاء خلال الشهرين الأخيرين، بعد تراجع سعر العملة التركية إلى أدنى سعر بتاريخها (تعدى الدولار 18 ليرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي)، دليل على ترجمة الاستفادة من تراجع سعر الليرة وقلة تكاليف الإنتاج، ليقفل عام 2021 على أدنى سعر لليرة التركية وعلى أعلى قيمة صادرات بتاريخ الجمهورية، حيث زادت بنسبة 32.9% عن العام المنصرم وفاقت 225 مليار دولار.

كما تحضّر تركيا للاستفادة من تراجع سعر عملتها، لتشد من عضد القائمة الثانية التي تعوّل عليها بحلمها الاقتصادي، فالسياحة التي تراجعت بعام كورونا وما تلاه، عادت أولويةً اليوم، لاستقطاب أكثر من 32 مليون سائح هذا العام، بعائدات تزيد على 30 مليار دولار.

قصارى القول: تلمّست مصر والمغرب آثار النموذج الاقتصادي التركي، واستشعرا ربما بعقابيل استمرار دعم الصادرات التركية والاستفادة من تراجع سعر الليرة وتكاليف الإنتاج على صناعتهما وسياحتهما، فدقتا بالأمس ناقوس الخطر، بتحذير حق من "النمر التركي" وإن يراد منه المطالبة بتسهيلات ودعم للإنتاج لمواجهة الاستحقاق الماثل، كما عبّر تصريح مسؤول بشعبة الصادرات المصرية قائلاً إنّ "المنتج الوطني مكبّل بالعديد من التكاليف الإنتاجية كالضرائب والرسوم وأسعار الوقود وخلافه، وهنا يجب على الحكومة تخفيف مثل هذه الأعباء حتى تستطيع السلع المصرية المنافسة".

وحذر المسؤول المصري من أنّ تراجع الليرة التركية سيؤثر حتماً على تنافسية المنتجات المصرية داخل السوق المحلي، سواء كانت سيارات أو ملابس أو أجهزة، أو حتى مواد غذائية، من دون أن يتغافل عن قطاع السياحة وإمكانية جذب تركيا، حتى بعضاً من حصة مصر، من السياح الآسيويين والأوروبيين، محذراً من أنّ "انخفاض الليرة التركية إلى ما دون الجنيه المصري سيشكّل تحدياً للعديد من قطاعات الاقتصاد المصري، وفي مقدمتها القطاع السياحي، فبرغم شهرة مصر وتنوع الأنشطة السياحية فيها، إلا أنّ تركيا مع انخفاض الليرة تمثل عامل جذب منافس للمقصد السياحي المصري".

ولم يفت المسؤول المصري الغمز بنهج اقتصاد بلده وعدم وجود كل ما توفره تركيا، مشيراً إلى "وجود احترافية تركية في كيفية جذب السياح، في الوقت الذي لا تملك مصر هذه الاحترافية".

وحال المخاوف المصرية ذاتها، إن لم نقل أكثر، ظهرت في المغرب، فالرباط ومذ شعرت بتدفق السلع التركية، ومنافستها المغاربية حتى بالسوق المحلي، أعلنت مواصلة تطبيق التدابير الاحترازية التي اتخذتها عام 2020 بعد تعديل اتفاق التبادل التجاري الحر مع أنقرة، واستمرار فرض الرسوم الجمركية بحدها الأعلى، 36%، بعد أن كانت صفرية عام 2018.

وأعاد نهج مطالبة المصريين حكومتهم بالدعم نفسه بالمغرب، إذ طالبت مديرة الجمعية المغربية لصناعة النسيج والألبسة حكومة بلدها بـ"تقديم خطة لإنعاش قطاع النسيج والألبسة ودعم الشركات المحلية عبر تخفيف تكاليف التحملات الاجتماعية، مع إعفاء الاستثمارات من الضريبة على القيمة المضافة".

نهاية القول: بعد خسارة الليرة التركية نحو 44% من قيمتها خلال عام 2021، بدأت أشكال الاستفادة من النقد الرخيص تكسو ملامح الاقتصاد التركي، وطرائق تعظيم الاستفادة بقطاعي السياحة والتجارة الخارجية، تأخذ اهتماماً حكومياً، الأمر الذي أخاف الشركاء، إن على صادراتهم وحصتهم بالسياحة، أو حتى على الغزو السلعي التركي لأسواقهم الداخلية.

ثمة أمران هنا جديران بالإشارة:

الأول هو أنّ حق تركيا ينتهي عندما تلجأ إلى الإغراق، فتدعم الدولة الصادرات لتصل إلى الأسواق الخارجية بأسعار أقل من مبيع الإنتاج المحلي، وما قبل هذا النهج، هو حق مشروع لتركيا التي بدأت تستفيد من تراجع سعر الليرة، كما الصين تعتمد على سعر اليوان وتقف بشراسة دون تعويمه.

والأمر الثاني يكمن في ملعب الحكومات التي بدأت تتوجس من السلع التركية، بأن تتيح لصناعييها وتجارها شروط المنافسة وتخفف من سياسة الجباية المرتفعة والتضييق على الأعمال الاقتصادية، بل وتدعم الصادرات التي لا تقتصر مكاسبها على الميزان التجاري وعائدات القطع الأجنبي، بل تصل بحال التخطيط إلى نقل نمط استهلاكي وملامح حضارية للأسواق المستوردة.

إذاً، تعالت الصيحات في مصر والمغرب، ربما لقلة دعم الإنتاج والتصدير هناك، ولكن إن استمرت الليرة بتراجعها، فالأرجح أن توغل أنقرة بالاستفادة من هذه السلبية، لنسمع قريباً الصراخ يتعالى في العواصم الأوروبية، شركاء أنقرة الأوائل.

المساهمون