احتكار أدوية وأغذية الأطفال في سورية وسط توسع الحرب

11 أكتوبر 2024
مخاوف من نقص الأدوية في سورية (بهاء الحلبي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أدى النزوح الجماعي من لبنان إلى سوريا إلى تفاقم الأزمات الإنسانية، حيث يعاني النازحون والسكان المحليون من نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية بسبب الاحتكار والتخزين المفرط.
- يواجه القطاع الصحي السوري تحديات كبيرة مع نقص حاد في الأدوية ووجود 70% من الاحتياجات الطبية غير متوفرة، بالإضافة إلى نقص الأطباء النفسيين، مما يهدد بحدوث كارثة صحية أكبر.
- يلعب تجار الحرب والمهربون دورًا كبيرًا في تفاقم الأزمة من خلال الاحتكار ورفع الأسعار، مما يزيد من معاناة النازحين والسكان المحليين في ظل غياب الرقابة الفعالة.

ما زالت آلة الحرب الإسرائيلية تتسبب في نزوح الآلاف يومياً من لبنان نحو سورية، مخلّفة كوارث على فئات عديدة من كبار السن والأطفال، وذوي الأمراض المزمنة، وتنعكس بشكل متسارع على السوريين نتيجة الاحتكار وانقطاع طرق التهريب، وفي مقدمة ذلك الأدوية والأغذية وحليب الأطفال.

أحد أصحاب المستودعات الطبية في دمشق يقول لـ"العربي الجديد"؛ إنه لم تنقطع التوريدات الطبية حتى الآن وما زالت معامل الأدوية السورية تعمل بكامل طاقتها، ولكن الخوف المُسبق دفع الأهالي إلى سحب كميات كبيرة من الأسواق الطبية، وهذا بطبيعة الحال جعل كل صيدلي يطلب أضعاف احتياجات الصيدلية، وهذا بحد ذاته يثير القلق لدى الجميع ويشجع على التخزين في المنزل أو الصيدلية، وبالتالي يؤدي إلى عجز المنتج والمستورد.

وأضاف أن النقص لم يؤثر حتى الآن، وكميات المستحضرات الطبية كافية ويمكن أن تغطي أعداد الوافدين، ولكن غالبا ما تأتي المشكلة من الاحتكار والتخزين.
 

350 ألف نازح

في سورية التي استقبلت حوالي 350 ألف وافد سوري ولبناني حتى 8 أكتوبر الجاري، حسب الأرقام الرسمية، بدأت فئات المجتمع، ومنذ الساعات الأولى، تستشعر خطر استمرار هذا النزوح الذي لم يهيأ له على الصعيد الرسمي أو الشعبي، وبادرت حشود الناس بالتسارع في تأمين الأدوية والمستحضرات الطبية الأكثر حاجة، خاصة تلك التي يحتاجها أصحاب الأمراض المزمنة، كالأدوية الخاصة بأمراض القلب والشرايين والضغط والسكر. بالإضافة إلى أدوية الأطفال الموسمية.

وعن ذلك، تقول الصيدلانية "رالحسن" لـ"العربي الجديد"؛ إن خوف الأهالي يبدأ من احتياجات الأطفال الصغار، وهذا الأمر ساهم حتى الآن في نقص المواد الغذائية الخاصة بالرضّع، كالحليب والسيرلاك، علماً أن حليب الأطفال يُستورد بشكل نظامي والسيرلاك إنتاج محلي.

أما أدوية الأمراض المزمنة فهي غالباً ما مرّت بفترات انقطاع، خاصة وأن معظمها كان يُهرّب من لبنان. وللتذكير فقط، فإن معظم أدوية مرضى السرطان، خاصة الجرعات الكيماوية، نحصل عليها من لبنان، وذلك لأسباب أهمها تراجع تقديم العلاج في مشافي البيروني والمواساة مع ارتفاع أعداد المصابين في سورية، وتنوع أمراض السرطان.
وتؤكد الصيدلانية أن المشكلة الأكبر حالياً تتمثل في نقص أنواع الحليب وبداية ارتفاع أسعار بعض الأنواع المستوردة مثل النيدو ونان 1 و2، وهناك تجربة قاسية مع عمليات الاحتكار من الموردين وهم قطاع خاص، كما قالت.

إعلامية تعمل في دمشق تقول لـ"العربي الجديد"، شرط عدم الافصاح عن هويتها، إن قريبتها المصابة بالسرطان والقاطنة في مدينة حمص، عجزت عن تأمين إبرة من ضمن كورس علاجي لحالتها بسبب انقطاع الدواء أو احتكاره، مشيرة إلى أن هناك احتكار وليس حالة انقطاع، وذلك لرفع الأسعار والتلاعب بمصير المرضى. في المقابل، أكدت الكاتبة سلمى عبيد أنها قصدت أكثر من ثلاثين صيدلية في مدينة السويداء للبحث عن دواء يدعى "سيتاكريتين بلس"، ولم تجده.
 

نقص كبير بسبب الحرب

في سياق متصل، تحدث رئيس الرابطة السورية للأطباء النفسيين، مازن خليل، عن نقص كبير في أعداد الأطباء النفسيين بسورية. مؤكداً أن أكثر من 30% من الشعب السوري يعانون من اضطرابات نفسية، ويحتاجون لعلاج نفسي، وجزء منهم يعاني من أزمات نفسية شديدة جداً، في حين لا يتوفر إلا 75 طبيبا نفسيا في كل سورية.

وكان الصيدلي نورس حسون قد أكد هذا الواقع لـ"العربي الجديد"، قائلاً إن أدوية الاكتئاب تأخذ حيزاً كبيراً من عمل كل صيدلي، وكثيراً ما تُصرف الأدوية من دون استشارة طبيب، وذلك يعود لنقص كبير في عدد الأطباء وإلى عدم وجود ثقافة صحية لدى مجتمعنا، تتصدى لبعض الأعراف والمصطلحات التي تحول دون زيارة الطبيب النفسي.

وحذّر حسون من تزايد في أعداد المرضى المحتاجين لعلاج نفسي، خاصة مع ازدياد الوافدين وسط شروط نزوح قاسية، مؤكداً أن الأدوية العلاجية لهذه الأمراض لم تشهد نقصاً واضحاً كتلك التي تخص الأمراض المزمنة والأمراض الموسمية.

أما غالبية السوريين الذين استفادوا من تجارب النزوح السابقة، بين وافد ومضيف، فقد أخذوا يستشعرون استمرار الحرب وربما امتدادها لتطاول أجزاء أخرى غير لبنان، فانقسموا بين فئة قادرة على أخذ الحيطة والتحصن بكل ما أمكن من الاحتياجات الرئيسية وفي مقدمتها الحليب والدواء، وبين فئات مجتمعية واسعة تعيش يومها بالحد الأدنى من دون وجود أي إمكانية للادخار. وبين هاتين الشريحتين تظهر فئة تجار الحرب لتستغل أوضاع النازحين.
 

كبار المهربين

يقول أحد سائقي نقل الركاب على خط لبنان لـ"العربي الجديد"، إن الخوف ليس من انقطاع الأدوية وحليب الأطفال، فلبنان يستورد وسورية كذلك، ولكن الخوف من تجّار الحرب والأزمات ومن المهربين الكبار، فهؤلاء يعملون بوتيرة متصاعدة مع توسع الحرب وازدياد أعداد النازحين في كل مكان. وجميع العاملين على خطوط لبنان يشاهدون يومياً أعمال التهريب التي لا تتوقف عبر معظم المعابر من دون أي رقابة أو تقييد، علماً أن مئات الآلاف من النازحين من لبنان من سوريين ولبنانيين لم يشعروا بنقص في الأدوية العلاجية أو المستحضرات الطبية حتى الآن، ولكن هنا في سورية بدأت العديد من الأسر تطلب من السائقين إحضار أنواع من الأدوية الخاصة بأمراض القلب والضغط وغيره من أدوية الأمراض المزمنة.

يضيف السائق: ومن المؤسف عدم وجود سلطات وقوانين مسيطرة وقادرة على ضبط أعمال الاحتكار والابتزاز التي يتعرض لها كل مواطن، بل أكثر من هذا فإن كل سوري يعرف ما يحصل في مثل هذه الظروف، وقد شاهد أو سمع ما حصل بالمساعدات الإنسانية الضخمة التي وصلت إلى سورية إبان الزلزال المدمر.

من جهته، يؤكد الطبيب أيسر إسماعيل لـ"العربي الجديد"؛ أن القطاع الصحي العام في أسوأ حالاته، فهو يعاني من نقص يصل إلى 70% من احتياجاته الطبية، خاصة الأدوية العلاجية ومستلزمات الأعمال الجراحية، مضيفاً أن الحكومة كانت بصدد خصخصة القطاع الطبي العام وفرض أجور معاينة وتصوير وعلاج وعناية، إضافة إلى بيع الأدوية بشكل رسمي. ويرى إسماعيل أن استمرار حالة النزوح على هذه القاعدة المهترئة للقطاع الصحي تُنذر بكارثة صحية، قد تكون أكبر من كارثة الحرب في السنوات السابقة.

المساهمون