اتهامات متبادلة حول الديون بين المتصارعين على "المركزي الليبي"

19 سبتمبر 2024
الانقسامات المالية انعكست سلباً على معيشة المواطنين (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الصراع بين محافظي المصرف المركزي**: تبادل عبد الفتاح عبد الغفار والصديق الكبير الاتهامات حول الإنفاق والإيرادات، حيث أعلن عبد الغفار أن الدين العام أصبح صفراً، بينما اتهم الكبير بصرف 950 مليون دولار دون غطاء قانوني.

- **الإيرادات والإنفاق العام**: عبد الغفار أعلن أن الإيرادات بلغت 66.72 مليار دينار مقابل إنفاق 59.5 مليار دينار، مؤكداً أن الدين العام أصبح صفراً، بينما اعترض الكبير على هذا الإعلان واتهم عبد الغفار بالتضليل.

- **الصراع السياسي وتأثيره على الاقتصاد**: الأكاديمي رضا انبيه يرى أن الصراع السياسي هو السبب الرئيسي وراء أزمة الدين العام، مشيراً إلى أن الحكومات المتعاقبة لجأت إلى الاستدانة لتغطية نفقاتها، وأن الصراع الحالي يهدف إلى تحويل الرأي العام بعيداً عن القضايا الأهم.

عادت قضية الدين العام في ليبيا إلى واجهة المشكلة مجددا، لتنضم إلى العديد من قضايا الاقتصاد التي يلفّها الغموض، في ظل استمرار أزمة المصرف المركزي المندلعة بين العديد من أطراف الصراع الليبي منذ نحو شهر.

وتبادل محافظا المصرف المركزي المتنازعَين، المكلف من المجلس الرئاسي عبد الفتاح عبد الغفار، والمعترف به من مجلس النواب الصديق الكبير، اتهامات مبطنة ومباشرة خلال الأيام القليلة الماضية، إذ أصدر عبدالغفار بيانا، الجمعة الماضية ليلا، بيّن فيه أوجه الإنفاق والإيراد خلال الأشهر الثمانية الماضية، مبينا أن الدين العام أصبح صفرا، مستدركا أن إدارة الصديق الكبير صرفت، خلال الأشهر الماضية، 950 مليون دولار من الاحتياطات الليبية في الخارج، عبر فرع المصرف المركزي في بنغازي من دون غطاء قانوني.

وجاء اتهام عبد الغفار المبطن، خلال بيانه، بالإشارة إلى أن الكبير صرف 950 مليون دولار من الاحتياطات في الخارج، عبر فرع بنغازي من دون أوامر صرف أو تحويل صادرة عن وزارة المالية، موضحا أنه "بالرجوع إلى السجلات والقيود لم نجد أوامر صرف أو تحويل صادرة عن وزارة المالية تقابل هذا المبلغ"، وهو حديث يحمل إشارة واضحة لما سبق الإعلان عنه من جانب الكبير في يوليو الماضي، من أنه خصص 1.75 مليار دولار من النقد الأجنبي لمشروعات الإعمار في المنطقة الشرقية للعام 2024، موضحا أن ما نفذ منها هو 950 مليون دولار.

وفي التفاصيل الأخرى، قال عبدالغفار إن الإيرادات العامة للدولة الليبية، منذ مطلع العام الجاري وحتى نهاية أغسطس المنصرم، بلغت نحو 66.72 مليار دينار، من مبيعات النفط وجبايات الجمارك وغيرها من الموارد الأخرى، مقابل إنفاق للمرحلة نفسها بلغ نحو 59.5 مليار دينار، مؤكدا أن الدين العام المقيد بدفاتره أصبح "صفرا".
 

تصفير الدين العام

لكن الكبير رفض إعلان عبدالغفار تصفير الدين العام، وحمّله مسؤولية ما وصفه بـ"التضليل والتشويه"، وطالب كافة الأجهزة الرقابية بضرورة المراجعة واتخاذ إجراءاتها حيال هذا الإعلان، واتهمه بإخفاء الحقائق وعدم شرعية بيانه، لأن المحافظ المكلف يعمل بمفرده من دون مجلس إدارة، بعد انسحاب أغلب المكلفين بعضوية مجلس الإدارة من المجلس الرئاسي.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وفيما بيّن الكبير عددا من الإجراءات التي يجب العمل بها قبل الإعلان عن حجم الإيرادات والإنفاق، لم يتطرق إلى توضيح مسألة الـ950 مليون دولار التي اتهمه عبد الغفار بصرفها من دون غطاء قانوني.
وأثيرت قضية إطفاء الدين العام منذ فبراير الماضي، عندما وجّه الكبير خطابا إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ذكر فيه توسعا كبيرا في الإنفاق مقابل تراجع حجم الإيرادات، وهو الخطاب الذي كان نقطة الانطلاق نحو توافق الكبير ومجلس النواب في إصدار قرار برفع الضريبة على بيع النقد الأجنبي بنسبة 15%، وهي الخطوة التي لقيت اعتراضا كبيرا من جانب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، الذي اتهم الكبير وصالح برفع ضريبة بيع النقد الأجنبي لتغطية الإنفاق الموازي للحكومة في شرق البلاد.

وكما لقي بيان عبدالغفار اعتراضا من الكبير، سبق وأن اعترض الأخير على تصريحات الدبيبة. ولذا يرى الأكاديمي وأستاذ التمويل والمصارف، رضا انبيه، أن الأمر ليس مرتبطا بالدين العام وإطفائه، بقدر ما هو صراع سياسي بين مختلف الأطراف.
وأضاف انبيه لـ"العربي الجديد" أن حقيقة إطفاء الدين العام تنتج عن عدم قدرة الحكومة على تغطية النفقات بحجمها الكبير الذي يزيد عن حجم الإيرادات، فتلجأ إلى الاستدانة من المصرف وتتراكم الديون بمرور الزمن. وقال: "منذ عام 2007 لم تقفل السنوات المالية على التوالي إلى اليوم، وكان مؤشر الدين العام في ارتفاع لكنه نسبي، وتفجّر في 2014 عندما حدث الانقسام الحكومي وصار في البلاد مصدران للإنفاق، حتى وصل إلى 97 مليار دينار نهاية عام 2021".

وتابع انبيه حديثه موضحا أنه تم رفع ضريبة بيع النقد الأجنبي إلى 4.80 دنانير للدولار الواحد في عهد حكومة الوفاق، ثم رفعت الضريبة مؤخرا بنسبة وصلت إلى 25%، معتبرا أن الرفع في المرحلتين مرتبط بتغطية ديون الحكومات الموازية عند البدء في توحيد الحكومات، موضحا أن الرفع الأول للضريبة كان قبيل توحيد حكومتي، الوفاق في طرابلس والمؤقتة في بنغازي. لكن الرفع الثاني الذي كان من المفترض أن يمهد لتوحيد حكومتي البلاد حاليا واجه خلافا سياسيا حادا وصل مداه إلى اندلاع أزمة المصرف المركزي الحالية.

كل الحكومات مشاركة في الأزمة

ويرى انبيه أن كل الحكومات شاركت في إيجاد دين عام للدولة بسبب الصراعات السياسية، موضحا أن عدم اعتراف مجلس النواب بحكومة الوفاق السابقة في طرابلس وعدم إقرار قانون الميزانية اضطرها إلى الالتفاف عبر ما عرف بالترتيبات المالية، وهو شكل من أشكال الاقتراض من المصرف المركزي، وفي الشرق كانت الحكومة الموازية تقترض علنا من المصارف التجارية.

وحسب رأي انبيه، فإن أطرافا خارجية كانت تضغط على المصرف المركزي في كل مرة، لرفع الضرائب على بيع النقد الأجنبي لجباية أموال وأرباح إضافية لتغطية مصاريف موازية، وصفها بيان المصرف في عهد الصديق الكبير بـ"الإنفاق مجهول المصدر". وأضاف: "الكبير كان يقصد الإنفاق من جانب حكومة مجلس النواب، عبر طباعة الأوراق النقدية بالمليارات في المطابع الروسية، للإنفاق على مشاريع حفتر الإنمائية حاليا وشراء حفتر للأسلحة ودفع رواتب مسلحيه سابقا".

وبصرف النظر عن وقوف مصالح دول كبرى وراء الاتجاه المأزوم الذي وصل إليه الوضع المالي للدولة، يرى انبيه أن بيانَي عبد الغفار والكبير الأخيرين تغلفهما حالة الصراع السياسي القائم، ويهدف كل منهما إلى نقل اتجاهات الرأي العام بعيدا عن القضايا الأهم.
ووفقا لرأي انبيه فإن الدين العام للدولة "مسألة داخلية، ولا تعدّ خطرة بشكل كبير على اقتصاد البلاد، وما حصل أن الكبير متورط في تضخيم الدين العام بالتساهل والتجاوب مع طلبات كل الأطراف للمال ويبررها في كل مرة بشكل، أحيانا بالترتيبات المالية وأحيانا يصفها بالإنفاق مجهول المصدر، والطرف الآخر وهي إدارة المصرف الجديدة الموالية لحكومة الدبيبة تريد التغطية على فشلها في السيطرة على منظومات المصرف لتنفيذ الاعتمادات المستندية الخاصة بتوريد الغذاء والدواء وصرف الرواتب".
ويؤكد انبيه أن قضايا توفير الدواء والغذاء وتوفير السيولة النقدية ليتمكن المواطن من الحصول على رواتبه "المسألة الأهم الآن، والتي فشلت فيها إدارة المصرف الموالية لحكومة الدبيبة، رغم إعلاناتها قبل أيام أنها بدأت في تنفيذ طلبات فتح الاعتمادات المستندية، وتريد القول بأن الإنفاق الموازي الذي تورط فيه الكبير هو السبب في أزمات المصرف الحالية".
وتساءل: "لو كانت للإدارة الجديدة السيطرة الفعلية لألغت ضريبة بيع النقد الأخيرة، لكنها عاجزة عن ذلك لعدة أسباب التي ستضخم تورطها في قضية تغيير إدارة المصرف، ومن جانب آخر فالكبير لا يمكنه إنكار أنه تورط في ديون الحكومات الموازية في شرق البلاد بسبب فشل سياساته".
وحول تشكيك الكبير في صحة إجراءات عبدالغفار في الكشف عن بيانات الإيرادات والإنفاق، يؤكد انبيه صحة ذلك، موضحا أن ديوان المحاسبة يجب أن يشارك في تدقيق هذه الأرقام وكذلك جهات رقابية محايدة، واستدرك بالقول: "لكن الكبير يقول كلام حق يريد به باطلا، وإلا أين هذه الإجراءات في عهد توليه إدارة المصرف كمحافظ مسؤول".