أهل غزة شخصية العام

27 ديسمبر 2023
أخطر جريمة مفضوحة في التاريخ الحديث يرتكبها الاحتلال بحق أهالي غزة (فرانس برس)
+ الخط -

أياً كانت شروط شخصية العام، فهي محققة وأكثر، في أهل غزة الصامدين بوجه التحالف الغربي الاسرائيلي، على مدى 83 يوماً وعلى نحو أسطوري، بل وينوبون عن العرب، كل العرب، بالدفاع عن الحقوق والكرامة وحتى الوجود.

وعلى الأرجح لن يتردد أي مانح لقب شخصية عام 2023 للحظة في تفضيل أهل غزة، رغم أنهم دخلوا السباق متأخرين، فقبل السابع من أكتوبر الماضي لم تكن غزة على الخريطة السياسية والإعلامية، لكنها بعد ذاك وحتى اليوم تتبوأ الصدارة، بعد أن أعادت القضية الفلسطينية للواجهة وشكلت كابوساً لإسرائيليين أوصلهم لعودة الاعتقاد بزوال دولة الاحتلال خلال العقد الثامن من مؤامرة تأسيسها.

ويزيد من منح جائزة شخصية العام للصامدين هناك ذلك اليقين الذي سمعنا عنه وقرأناه بكتب التاريخ، لكننا لم نره إلا في غزة، فأن يخرج الطفل من تحت الأنقاض رافعاً الوسطى والسبابة، ويتقبل الأب مقتل أبنائه برضى وتصميم على المتابعة، وتهدي الأمهات الثكالى دماء بنيهنّ للقضية والمقاومة وتعلّنّ الاستمرار، رغم كل ما تفتق عن الاحتلال وداعميه، من تجويع وقتل وتهجير، فذاك يصح فيه ما قاله الراحل ياسر عرفات "شعب الجبارين" الذين لا منافس لهم على شخصية العام.

قصارى القول: لا حدود للخسائر التي مني بها شعب غزة ولا شك، إن على صعيد القتلى والمصابين أو على مستوى الإعاقات والتنكيل بعد ملاحقتهم حتى لدور العبادة والمدارس ومراكز المنظمات الدولية، بعد تهديم أكثر من 70% من القطاع على رؤوس ساكنيه. لكن ما ألحقوه الغزاويون ومقاومتهم بدولة الاحتلال، أكبر وأمضى وأكثر عمقاً وأثراً واستراتيجية.

فإن قفزنا عن تحطيم مقولات التفوّق، العسكري والتكنولوجي المزعومين، بعد ما شاهدناه في السابع من أكتوبر من خرق الجدار والسياج وجر الضباط خانعين، وتغاضينا عن إجهاض مقولات الدولة المانحة للأرباح والأمان لمن يطبّع معها، وأشحنا النظر عن كشف الخلل ببنية المجتمع والساسة لدولة تأسست على عجل وتآمر وخنوع.

فيكفي أن نشير إلى خسائر اقتصادية طاولت الإنتاج والسياحة والقطاع المالي، فضلاً عن تعطيل الصادرات وبمقدمتها الغاز الطبيعي للخارج.

وبلغة الأرقام سجلت إسرائيل عجزًا في ميزانيتها قدره نحو 17 مليار شيكل (4.5 مليارات دولار تقريباً) وتوقعات محافظ بنك إسرائيل أمير يارون، أن تصل الخسائر الاقتصادية إلى ما نسبته 10 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي، ما يعادل 52 مليار دولار، لأن الحساب بالشيكل، بعد انخفاض سعره بنحو 3%، لم يعد منطقياً.

ومن أسرار الغزاويين وأحقيتهم بنيل لقب شخصية العام الصمود والتأكيد على تحقيق شروط المقاومة وإفشال أحلام نتنياهو، إذ لم تسجل العدسات انهزاماً أو حتى امتعاض ولعن من كان السبب.

بمعنى اقتصادي سيتراجع الناتج الإجمالي، بعد النمو خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2023، إلى نحو 2% وسيتوقف النمو عام 2024 إن استمرت الحرب واستنزاف دولة الاحتلال بعد التوقعات بتوسّع دائرة النار وتعطيل التجارة التي بدأها الحوثيون.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

لن يتسع المقام لذكر خسائر إسرائيل، بيد أن ثلاثية خطرة لا يمكن تجاهلها، أولاها هجرة نحو 400 ألف إسرائيلي لا تربطهم بدولة الاحتلال سوى الأوهام وتطلّع 54% من الشباب للهجرة، الأمر الذي سينال من أوهام المستقبل ولن تقتصر آثاره على اليد العالمة والإنتاج وعدد الجنود.

والثاني فقدان إسرائيل ثقة المستثمرين والشركات العالمية، بعد الإغلاقات وإلغاء العقود ووقف التوريد المتنامي، فبلد الأمان الذي روّج له حول العالم، ظهر على مرأى من الجميع، واهناً غير آمن ومعرضاً لتفجير أصحاب الأرض والحقوق بأية لحظة، وبدهي أن إعادة بناء الثقة تتطلب ربما أضعاف حصولها للمرة الأولى.

وأما ثالثة أثافي خسائر إسرائيل فتبدو في تعريتها دولياً لا إقليماً أو عربياً فحسب، فبعد خروج الشوارع حول العالم، ومن دول صدقت فيما مضى مظلومية اليهود وحقوقهم بوطن، فقدت دولة الاحتلال أضاليل روجتها عبر سبعين عاماً، ليطفو بالمقابل حق الفلسطينيين بأرض ودولة وحياة كريمة، أعادتها - الحقوق - غزة إلى الواجهة من جديد.

نهاية القول: ليس من المبالغة بمكان القول، وأياً كانت النتائج النهائية للحرب الأميركية الإسرائيلية على غزة الوحيدة، إن من أهم وأعظم المكاسب أن القطاع الذي لا تزيد مساحته عن 1% من الأراضي الفلسطينية أعاد، بإمكانات ذاتية وصبر ودم أهله، تشكيل الوعي والسياسة بعد عقود من التخلي والانهزام وترويج الهرولة، وليس مستبعداً أن يعيد تشكيل الجغرافيا والعلاقات الدولية، إذ قبل السابع من أكتوبر لا شك ليس كما بعده.

أوَبعد كل ذلك، ثمة من ينافس الغزاويين على شخصية عام 2023؟!

المساهمون