استمع إلى الملخص
- **تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة**: تقلص مخزون مياه السدود إلى 26% من طاقتها التخزينية يزيد من مخاطر نقص السلع وارتفاع الأسعار، مما أدى إلى النزوح، البطالة، الفقر، وارتفاع الجريمة.
- **التحديات المستقبلية والسياسات الحكومية**: التضخم في تونس ارتفع بسبب الجفاف وارتفاع أسعار الغذاء، مع توقعات بتجاوز الأزمة بحلول 2025، لكن السياسات الحكومية قاصرة في معالجة أزمة المياه، مما يهدد الزراعة كنموذج اقتصادي واجتماعي.
تتزايد معدلات البطالة في المناطق الريفية في تونس في ظل الجفاف المستمر الذي دفع السلطات إلى حظر الري في المناطق الزراعية المتاخمة للسدود، ما أخرج مساحات واسعة من نطاق الخدمة.
ويوم الأحد الماضي، أعلنت السلطات المحلية في محافظة سليانة شمال غرب البلاد وقف تزويد واحدة من أكبر المناطق المروية في المنطقة بمياه الريّ من "سد الأخماس"، نظراً إلى تراجع مخزونه المائي إلى مستوى ينذر بالنفاد.
وقالت مندوبية الزراعية في المحافظة إن مخزون المياه في السد الذي جرى إنشاؤه في ستينيات القرن الماضي نزل إلى مستوى 250 ألف متر مكعب من مجموع طاقة استيعاب تبلغ 7 ملايين متر مكعب. وأكدت أن قرار حظر الري في المنطقة المروية العمومية التي تعود ملكيتها إلى الدولة سيظل قائماً إلى حين تحسن المخزون المائي للسدّ الذي يشرف على النضوب.
ويأتي قرار حظر ري المساحات المروية بعد أن أعلنت السلطات في وقت منع الزراعات الفصلية حفاظاً على الثروة المائية والاكتفاء بسقي الأشجار المثمرة والأعلاف الخشنة. ويزيد الجفاف وتقلص مخزون مياه السدود إلى نحو 26% من طاقتها التخزينية وفق أحدث بيانات وزارة الزراعة من مخاطر نقص السلع في الأسواق وارتفاع أسعار الغذاء.
وقال عبد السلام السمراني المستثمر في المنطقة الزراعية التي تتزود بالمياه من سد الأخماس إن نحو 523 أسرة كانت تعيش من النشاط الفلاحي في المنطقة المروية باتت تواجه شبح البطالة بعد الإعلان الرسمي عن وقف استعمال مياه السد.
وأكد السمراني في تصريح لـ"العربي الجديد" إن بوادر أزمة نضوب سد الأخماس ظهرت منذ عام 2019، فقد بدأت السلطات حينها في اعتماد نظام الري الدوري وفق حصص تتولى تحديدها بحسب الفصول، غير أن النشاط الزراعي في المنطقة استمر بشكل متعثر، قبل أن يعلن وقف الري نهائياً في المنطقة.
ووفق المستثمر الزراعي، فإن المنطقة المروية تختص بزراعة الخضروات ومحاصيل الأعلاف والأشجار المثمرة ويعوّل على منتجاتها في تزويد السوق المحلية بالمحافظة، فضلاً عن توفير كميات لفائدة الأسواق في محافظات ساحلية والسوق المركزية في العاصمة تونس.
وأشار إلى أن الفلاحين الذين كانوا يعيشون من إنتاج أراضيهم تحولوا إلى مستهلكين ينهكهم الغلاء بعد أن باتوا يشترون غذاءهم بأسعار مرتفعة. ولفت إلى أن "القحط" الذي يضرب المنطقة سبّب مظاهر اجتماعية خطيرة من بينها النزوح لأسباب مناخية، فضلاً عن انتشار البطالة والفقر وارتفاع منسوب الجريمة.
وتحتكر منطقة الشمال التونسي نحو 60% من الموارد المائية 80% منها مياه سطحية. ومنذ مارس/ آذار 2023 أصدرت وزارة الزراعة قراراً بحظر العديد من الأنشطة الاقتصادية المستهلكة للمياه، كما قيدت استعمال المياه في المساحات المروية التي يعوّل عليها تعويلاً واسعاً في توفير غذاء التونسيين. وتعاني تونس نقصاً كبيراً في الأمطار للعام الخامس على التوالي.
وخلال العامين الماضيين، شهد التضخم في تونس ارتفاعاً لافتاً ليسجل 9.3% في 2023 مقابل 8.3% في عام 2022، متأثراً بارتفاع أسعار الغذاء، علاوة على تداعيات الجفاف التي أثرت سلباً على القطاع الزراعي، وأضرت بمعدلات نمو الاقتصاد.
ورغم السيناريو المتفائل لصندوق النقد العربي في تقرير حديث له بتجاوز اقتصاد تونس مرحلة التعثر وانحسار التضخم إلى مستوى 5.7% بحلول عام 2025 يبقى اقتصاد تونس تحت مخاطر تداعيات التغيرات المناخية وأزمة الجفاف. وتوقع التقرير أن يرتفع نمو اقتصاد الدولة إلى 2.2% العام المقبل مقابل 1.9% متوقعة في 2024.
وقال حسين الرحيلي الخبير في المرصد التونسي للمياه، إن قصوراً في السياسات الحكومية في معالجة أزمة المياه، أدت إلى بلوغ تونس مرحلة خطرة من الشح المائي.
وأشار الرحيلي في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن اللجوء إلى حظر الري في مساحات زراعية واسعة هو نتيجة تراخي السلطة منذ منتصف التسعينيات في معالجة أزمة التصرف في المياه، لافتاً إلى أن تونس خرجت نهائياً من مرحلة الرفاه المائي إلى مرحلة الشح الهيكلي. وتوقع أن تؤدي ندرة المياه إلى "أزمات مركبة في البلاد"، مؤكداً أن الزراعة في تونس ليست قطاعاً إنتاجياً، بل نموذج اقتصادي واجتماعي وثقافي مهدد بالانهيار.