أزمة الفقر تتعمق في مصر مع ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الدخل

أزمة الفقر تتعمق في مصر مع ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الدخل

17 أكتوبر 2023
ارتفعت أسعار المواد الغذائية عام 2023 بشكل قياسي (Getty)
+ الخط -

كشف خبراء عن ارتفاع معدلات الفقر المدقع بين الأسر المصرية، مع تراجع قيمة الدخل بالنسبة إلى الزيادة الهائلة في ارتفاع أسعار السلع الرئيسية، وارتفاع معدلات التضخم إلى معدلات قياسية غير مسبوقة، منذ بدء رصد التضخم، بداية القرن الماضي. 

وأوضح الخبراء المشاركون في ندوة بالجامعة الأميركية في القاهرة مساء الاثنين، أن المصريين كافة يعانون من التضخم الذي طاول جميع السلع والخدمات، وبينما يواجه أصحاب الدخول المرتفعة زيادة أسعار السلع الأساسية، يتوجه المزيد من أصحاب الدخول المتوسطة إلى الوقوع في براثن الفقر، ويقع الفقراء فريسة لفقر مدقع. 

وقدّر الخبراء عدد الذين يعانون من الفقر، بنحو 37% وفقاً لعدد السكان الرسمي لهذا العام. 

وحذر الخبراء من تأثير التضخم بانتشار جرائم جديدة في المجتمع ناتجة من عدم قدرة أصحاب الأسر على تحمّل أعباء المعيشة.

ارتفاع قياسي في الأسعار

وقالت الدكتورة عالية المهدي، العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن زيادة أسعار الغذاء ومعدلات التضخم السائدة حالياً، لم يسبق أن شهدتها مصر على مدار مائة عام. 

وبيّنت أن الإحصاءات تؤكد أن معدل التضخم ظل تاريخياً عند حدود 10%، ينخفض إلى نحو 3% في بعض الفترات، بينما يعلو بشدة، كلما اتجهت الحكومة إلى تعويم العملة، ظهرت جلية منذ عام 2016، حيث بلغ نحو 34%، بينما تجاوز 40% منذ سبتمبر/أيلول الماضي. 

وترتفع أسعار السلع الأساسية بمعدلات هائلة بلغت نحو 74%، وهو ما دفع الأسر، بحسب المهدي، إلى خفض معدلات استهلاكها من اللحوم والسلع الأساسية وتدبر الطعام من بدائل غير صحية.  

الصورة
ندوة الفقر في مصر/د.عالية المهدي (العربي الجديد)
أوضحت المهدي أن 40% من المصريين ينفقون دخولهم على شراء السلع الغذائية

 

وأكدت المهدي أن نسبة الفقر المتوقعة عام 2025 قد تصل إلى 36% من تعداد السكان، مشيرة إلى تقديرات تظهر أن الفقراء يشكلون في عام 2023 حوالى 33.3% من إجمالي السكان، مقابل 29.5% في عام 2019، بما يدفع إلى زيادة عدد الفقراء إلى نحو 37 مليون شخص يعيشون في حالة فقر خلال العام الحالي.  

وأوضحت المهدي أنّ 40% من المصريين ينفقون دخولهم على شراء السلع الغذائية، مؤكدة أن الحلول التي تطرحها الحكومة لدعم الفقراء قصيرة الأجل، وقليلة التأثير، لاعتمادها على صرف مبلغ نقدي شهري، لا يتغير بقيمة 50 جنيهاً للفرد (نحو 1.6 دولار)، وفي وقت تتراجع فيه قيمة الجنيه، تزداد أسعار السلع.

وأوضحت أن الحكومة ملزمة بتوفير السلع الأساسية للفقراء، وضمان وصولها إلى مستحقيها، بدلاً من صرفها ببطاقة الدعم التمويني ثابت القيمة لعدد أكبر من المواطنين، لأنّ الدعم النقدي غير كافٍ لتوفير الحد الأدنى من احتياجات الفقراء. 

ودعت المهدي الحكومة إلى ضرورة اتباع سياسات انكماشية، للسيطرة على التضخم، حتى لا ترتفع الأسعار التي لا تقابلها زيادة كبيرة في الدخول، أو اللجوء إلى زيادة الأجور، دون أن يقابلها زيادة في الإنتاج، تدفع إلى مزيد من التضخم، بما يضيف أعباءً جديدة على أغلبية المواطنين الفقراء. 

ولفتت إلى أنّ التشدد النقدي اعتمد على رفع معدلات الفائدة، لتصل إلى 22%، بما يرفع معدلات التضخم، مؤكدة أن هذه السياسات جلبت مزيداً من الأعباء على الأفراد والموازنة العامة، في وقت يحتاج الاقتصاد إلى سياسات نقدية انكماشية، وإصلاح اقتصادي شامل.

تداعيات تعويم الجنيه

من جانبها، قالت الدكتورة هبة الليثي، أستاذة الإحصاء بجامعة القاهرة، إن التعويم الذي حدث في عام 2016 أدى إلى زيادة معدلات الفقر في مصر في السنوات التالية لتنفيذه. 

وأشارت الليثي خلال الندوة التي عقدها مشروع حلول للسياسات البديلة بالجامعة الأميركية بالقاهرة تحت عنوان "أين وصلت أرقام الفقر في مصر؟" بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الفقر، إلى علاقة وثيقة بين الفقر والأمن الغذائي. 

وبيّنت الليثي أن الأسر الفقيرة قللت من الأغذية مرتفعة السعر مثل اللحوم والدواجن والأسماك نتيجة التضخم واتجهت لأغذية أقل سعراً وقيمة غذائية مثل الكربوهيدرات والمعجنات. 

وعرّفت الليثي الفقر بـ "ألّا تستطيع الأسر الوفاء باحتياجاتها الأساسية من مسكن ومأكل وملبس وغيرها"، مؤكدة أنّ ثلثي الفقراء يقيمون في المناطق الريفية بالمحافظات، بينما 48% من الفئات الأعلى فقراً تقيم بمحافظات صعيد مصر. 

الصورة
ندوة الفقر في مصر (العربي الجديد)
أشارت الليثي إلى أن 80% من الأسر الفقيرة لا يستفيدون من برنامج تكافل وكرامة الحكومي

 

وكشفت عن تراجع أعداد المواطنين المؤمن عليهم والمشتركين بأنظمة التأمينات الاجتماعية من الفقراء منذ عام 2017 محذرة من خطورة افتقاد الفقراء الغطاء التأميني، الذي يحميهم من الصدمات الاقتصادية المتوقعة. 

وأشارت الليثي إلى إحصاءات رسمية تؤكد أن 80% من الأسر الفقيرة لا يستفيدون من برنامج "تكافل وكرامة" الذي تقدمه الحكومة لنحو 20% فقط من إجمالي الفقراء على مستوى البلاد. 

وكشفت الليثي التي تعمل مستشارة في جهاز التعبئة العامة والإحصاء الحكومي، تراجع أعداد الفتيات الملتحقات بالتعليم الثانوي من الأسر الفقيرة، نتيجة ارتفاع معدلات الفقر في مصر. وذكرت أن الأسر الفقيرة هي الأكثر معاناة نتيجة زيادة التضخم وارتفاع الأسعار، لافتة إلى أنّ 90% من هذه الفئة، تغيّر نمط غذائها وتحولت إلى استهلاك السلع الغذائية الأقل سعراً، وأصبحت تعاني من انعدام الأمن الغذائي لصعوبة الحصول على الغذاء الصحي والاستفادة منه. 

عجز حكومي

ورصد الخبراء المشاركون في الندوة، تغطية الحكومة 4.7 ملايين مواطن بمدفوعات التضامن الاجتماعي، وإلزام اتحاد الجمعيات الأهلية بصرف رواتب شهرية لنحو 500 ألف فرد شهرياً. 

وتصرف المكافآت الشهرية لأرباب الأسر بواقع 670 جنيهاً للأسرة، مع دفع 75 جنيهاً للطفل حتى 6 سنوات، و100 جنيه لمن التحق بالمرحلة الابتدائية و125 جنيهاً لطلاب الإعدادي و175 للمرحلة الثانوية وبحد أقصى لطفلين لكل أسرة، تصرف ضمن برنامج تكافل وكرامة الذي ترعاه الحكومة لتعويض بعض الأسر الأشد فقراً. 

ويعتبر الخبراء المبالغ المصروفة لا تكفي لتوفير الطعام اليومي للفقراء، في ظل تزايد معدلات التضخم وانهيار قيمة الجنيه (الدولار= 30.95 جنيهاً).

وفقد الجنيه 50% من قيمته عام 2022، ويتراجع أمام الدولار والعملات الصعبة منذ مطلع العام الحالي، وفي السوق الموازية ليفقد نحو 20% من قيمته منذ يناير/كانون الثاني 2023.

المساهمون