أزمة الدَّين الأميركي ودروس للعرب من واشنطن

30 مايو 2023
جلسة مفاوضات تجمع بين جو بايدن ورئيس مجلس النواب كيفين مكارثي (Getty)
+ الخط -

عندما يختلف الفرقاء السياسيون يجلسون ليتحاوروا ويتناقشوا للوصول إلى حل وسط، لأن هدفهم في النهاية تحقيق مصلحة الدولة العليا، لا العمل على تحقيق أهواء ومصالح شخصية وحزبية ضيقة.

وعندما تزداد حدة الخلافات بين حكومة وبرلمان في دولة ما، يلجأ الجميع إلى آلية حوار مرجعيتها الدستور والقوانين والأعراف المطبقة، وعندما يصل الأمر إلى طريق مسدود، هنا يكون الرجوع إلى الناخب، لا إلى وسائل استثنائية مثل المؤامرات والانقلابات وحلّ الأجهزة التشريعية والعناد والتنكيل بالخصوم والقذف بقيادات الحزب المعارض في السجون.

ما يحدث في الولايات المتحدة حالياً، درس مستفاد لحكومات الدول العربية والنامية وأنظمتها، أو تلك الساعية لاتخاذ خطوات نحو الانضمام إلى الدول الديمقراطية التي تحترم ناخبيها وأجهزتها التشريعية.

فقبل شهور، حدث خلاف كبير داخل الولايات المتحدة حول سقف الدَّين العام الذي بلغ ذروته ببلوغه 31.5 تريليون دولار، وهذا السقف هو المحدد سلفاً من قبل الكونغرس، ولا يمكن للحكومة الأميركية تجاوزه، وإلا فستكون قد خالفت القوانين المطبقة، وهو ما يستوجب معاقبتها، بل وعزلها.

هنا كان على البيت الأبيض الذهاب لمجلس النواب والرجوع إليه للحصول على موافقته بزيادة سقف الدَّين حتى تحصل حكومة جو بايدن على المخصصات المالية التي تمكّنها من سداد أعباء الديون الخارجية والداخلية، وتمويل الإنفاق الحكومي، وسداد أعباء الرعاية الصحية ورواتب العاملين في الحكومة الفيدرالية وغيرها من الالتزامات المالية.

لكن المجلس الذي يسيطر عليه الجمهوريون رفض طلب إدارة بايدن التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي برفع سقف الدين، وربط الخطوة بضرورة خفض الحكومة الإنفاق الحكومي وإعادة النظر في بعض النفقات، ورفض بايدن تلك الضغوط، وهدد باللجوء إلى آلية دستورية تمنحه الالتفاف على ما أسماه تعنّت الكونغرس، لكنه لم يفعل.

كما راحت وزيرة الخزانة جانيت يلين تضغط على الكونغرس بتصريحات مثيرة، منها أن الولايات المتحدة مقبلة على أزمة مالية حادة، وربما التعثر والتوقف عن سداد أعباء الديون، وأن عدم رفع سقف الدين سيضر بمكانة الدولار وسمعة أميركا المالية.

ورغم المعركة الكلامية الساخنة، لم يأخذ كل طرف جانباً ويقرر المقاطعة والبحث عن حلول استثنائية تخالف الدستور والقانون، بل دخل البيت الأبيض والكونغرس في جولة مفاوضات بهدف التوصل إلى حلول وسط تمنع انزلاق البلاد نحو أزمة مالية قد تعاني من أثرها لسنوات، خصوصاً أنه يصاحبها خفض في التصنيف الائتماني وشكوك الدائنين في قدرة الولايات المتحدة على سداد أعباء الديون.

وبعد جولات عدة ومفاوضات ماراثونية، توصل بايدن ورئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي، يوم السبت، إلى اتفاق من حيث المبدأ لرفع سقف الدين مع خفض بعض جوانب الإنفاق الحكومي، اتفاق جنب البلاد نشوب مواجهة سياسية تهز ثقة المستثمرين والأسواق العالمية.

اللافت في الاتفاق المبرم بين الحزبين الحاكمين في الولايات المتحدة، أنه لم يعمل على تحقيق مصالحهما الضيقة، بل كان التركيز في المفاوضات على تحقيق مصالح المواطنين والاقتصاد بالدرجة الأولى، وإقرار إصلاحات لاحقة من شأنها أن تنقل الناس من الفقر إلى القوة العاملة، والأهم أنه لا يفرض ضرائب جديدة".

المساهمون