يطرح محللون سؤالا عما إذا كانت أزمة التأشيرات تؤدي دورا في زعزعة مكانة فرنسا الاقتصادية لدى المغرب، خاصة بعدما غادرت شركات فرنسية البورصة وسط مخاوف من تصاعد الآثار الاقتصادية.
وعلى الرغم من رسائل الترحيب المتبادلة بين المغرب وفرنسا لوضع حد لأزمة بين البلدين استمرت أشهراً، إلا أن تداعياتها أرخت بظلالها على العلاقات الاقتصادية.
الحكومة الفرنسية كانت أعلنت، في 28 سبتمبر/أيلول الماضي، تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس، بدعوى "رفض الدول الثلاث إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين من مواطنيها".
ولاحقا، ألغت باريس شروط التأشيرات لمواطني الجزائر وتونس وأبقتها للمغرب، وفق تقارير إعلامية.
واستنكر المغرب التشديد الفرنسي في منح التأشيرات، ووصفه بالإجراء "غير المبرر".
ويرى متابعون أنه "مما لا شك فيه أن العلاقات الاقتصادية المغربية الفرنسية تضررت بفعل الأزمة السياسية". ويرى آخرون أن "العلاقات الاقتصادية بين المغرب وفرنسا متينة ولا يمكن أن تتأثر بسهولة".
تأثير ممتد
وقال نبيل الأندلسي، نائب الرئيس السابق للجنة الخارجية والدفاع الوطني والمغاربة المقيمين بالخارج في مجلس المستشارين المغربي (الغرفة الثانية للبرلمان)، إن "الأزمة بين البلدين سيكون لها تأثير على المستوى الاقتصادي".
وتابع الأندلسي، في تصريح لـ"الأناضول": "من المرجح أن النفوذ الاقتصادي الفرنسي بالمغرب سيتضرر بصيغة أو بأخرى، على اعتبار أن الشركات الفرنسية كانت تستفيد من تسهيلات مهمة، مستفيدة من العلاقات المتميزة بين باريس والرباط". وزاد: "هناك حديث عن انسحاب عدد من الشركات الفرنسية من المغرب، وهو ما يؤكد أن توتر العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين المغرب وفرنسا له تداعيات وتأثيرات اقتصادية وتجارية".
ولفت المتحدث إلى أن "المغرب توجه إلى تنويع شركائه الاقتصاديين، بالتزامن مع بروز وعي شعبي بضرورة القطع مع الاستغلال الفرنسي للمغرب اقتصاديا، بسبب علاقات وصفقات غير متوازنة".
انسحاب شركات
وفي 6 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن المغرب وقف تداول أسهم شركة "سنترال دانون" الفرنسية، في بورصة الدار البيضاء.
وتملك "سنترال دانون" مصنعين للحليب ومشتقاته في مدينتي الدار البيضاء والجديدة.
وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن المغرب وقف تداول أسهم شركة "ليديك" الفرنسية في بورصة الدار البيضاء.
وقال بيان لبورصة الدار البيضاء (حكومية): "شطب أسهم رأسمال الشركة الفرنسية، جاء بناء على العرض العمومي الإجباري للسحب، وبناء على طلب المصدر (شركة ليديك)".
وفي عام 1997، وقع المغرب مع "ليديك" (تشتغل في قطاعي الكهرباء والماء) عقد عمل يمتد 30 عاما، ينتهي العمل به في عام 2027.
ومنذ عام 2005، أدرجت شركة "ليديك" في بورصة الدار البيضاء، وتمتلك 51% من رأسمالها الشركة الفرنسية الأم "سويز".
ويأتي الإعلان عن وقف تداول أسهم الشركتين الفرنسيتين في بورصة الدار البيضاء في ظل توتر في العلاقات المغربية الفرنسية، ظهرت مؤشراته من رفض تأشيرات لمغاربة إلى فرنسا، منهم رجال أعمال وفنانون وطلبة.
علاقات متينة
وقال العمراني بوخبزة، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة تطوان (شمال): "العلاقات الاقتصادية بين المغرب وفرنسا متينة لأنها مبنية على أساس الترابط".
وتابع بوخبزة في تصريح لـ"الأناضول": "لا أظن أنه بهذه البساطة يمكن فك الارتباط بين الطرفين على المستوى الاقتصادي (..) كل ما هناك أن المغرب يطلب من شريك أساسي (فرنسا) أن يحدد موقفه من طبيعة العلاقة المستقبلية، هل هي قائمة فقط على أساس تحقيق أرباح اقتصادية، أم يجب أن تكون على أساس شراكة يستفيد منها الطرفان".
وأوضح بوخبزة أن "المغرب يقدم لفرنسا الكثير من الإغراءات الاقتصادية، خاصة أنه يحظى بثقة شركائه الأفارقة".
دعوة مغربية
والأحد 15 يناير/ كانون الثاني الجاري، طالب عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية، فرنسا، بـ"الخروج من المنطقة الرمادية، وعدم الاكتفاء بلعب دور المراقب بشأن قضية الصحراء المغربية".
وأضاف أخنوش، في تصريح لصحيفة "لوبنيون" الفرنسية: "حان الوقت للخروج من هذه الوضعية، لوجود تطورات كبيرة في قضية الصحراء، عقب اعتراف القوى العظمى بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية".
وتابع: "علاقتنا الاقتصادية مع فرنسا ستتطور، واتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب يحتاج إلى قوة دفع جديدة وإلى ثقة متبادلة".
وخلال سبتمبر الماضي، قالت السفارة الفرنسية في الرباط إن هناك أكثر من 1000 شركة فرنسية توفر حوالي 130 ألف منصب شغل مباشر والآلاف بشكل غير مباشر، في قطاعات مختلفة بالمغرب.
وأضافت السفارة، وفق موقع "هسبريس" المغربي، أن 30% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمغرب مُنجزة من طرف المقاولات الفرنسية.
وفي 16 ديسمبر الماضي، رحب وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بالقرار الفرنسي القاضي بالعودة إلى منح تأشيرات الدخول للمواطنين المغاربة.
(الأناضول)