أزمات صناعة السيارات تعكس معاناة اقتصاد ألمانيا

16 سبتمبر 2024
مصنع فولكسفاغن للسيارات الكهربائية في مدينة إمدن شمال ألمانيا، 20 مايو 2022 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تحديات اقتصادية متزايدة:** تواجه ألمانيا تراجعاً في صناعة السيارات مثل "فولكسفاغن" و"بي إم دبليو" بسبب انخفاض الطلب في السوق الصينية وتأثيرات التضخم على الأسر الألمانية.
- **تأثيرات سياسية واجتماعية:** زيادة دعم الأحزاب الشعبوية في الانتخابات وقرار الحكومة بإنهاء حوافز السيارات الكهربائية أثارا جدلاً وزادا من تعقيد الوضع الاقتصادي.
- **تحولات في القطاع المالي:** استحواذ بنك يوني كريديت الإيطالي على حصة 9% في "كوميرز بنك" الألماني يثير تساؤلات حول مستقبل القطاع المالي الألماني.

تتصاعد مخاوف الاقتصاديين من وقوع ألمانيا في أزمة اقتصادية، وسط مؤشرات قوية على معاناة الإنتاج فيها أزمات حقيقية، وهو ما أظهرته صناعة السيارات العملاقة خلال الأيام الماضية.

بينما نجحت ألمانيا في اجتياز جائحة كورونا قبل أربع سنوات، وتجنبت توقفاً كارثياً لقطاعها الصناعي بعد أن قطعت روسيا إمدادات الغاز عنها، في أعقاب فرض الغرب عقوبات واسعة ضد موسكو بسبب غزوها أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، إلا أن ذلك النجاح لم يبدد المخاوف المتعلقة باحتمالية وقوع أزمة اقتصادية. وجاءت أحداث الأسبوعين الماضيين لتؤكد بشكل مثير أن تلك المخاوف كانت مبررة.

فقد شهدت الانتخابات التي أُجريت في ولايتي تورينغن وساكسونيا، شرق ألمانيا، بداية سبتمبر/أيلول الجاري، زيادة في دعم الأحزاب الشعبوية، مما شكل ضربة جديدة للائتلاف الحاكم في برلين وزاد من الشكوك بشأن قدرة ألمانيا على جذب الاستثمارات. وفي اليوم التالي مباشرة، فاجأت "فولكسفاغن"، أكبر شركة لصناعة السيارات في البلاد، الجميع بإعلان نيتها إغلاق مصانع محلية بسبب تراجع الطلب. بعد ذلك، خفضت شركة بي إم دبليو توقعاتها لأرباح العام بأكمله.

وفي تقرير يدعو إلى اتخاذ إجراءات فورية لتعزيز تنافسية الدولة وإصلاح اقتصادها القائم على الصناعة، كتبت رئيسة مجموعة الضغط الصناعي "بي دي أي"، تانيا غونر، أنه "لا جدوى من تجميل الواقع، فألمانيا تواصل التخلف دولياً". وأضافت غونر النائبة البرلمانية السابقة أن تحول ألمانيا "سيكلف الجميع... الاقتصاد والسياسة والمجتمع، لكن عدم التحول سيكلفنا أكثر بكثير".

واشتدت الصعوبات الاقتصادية لفترة من الوقت، إذ تضرر قطاع التصنيع، العمود الفقري للاقتصاد الألماني، بشدة جراء تراجع الطلب من المستهلكين في الصين، التي تُعد سوقاً رئيسية لتصدير السيارات الفاخرة والآلات المتطورة الألمانية. وفي العام الماضي، أثرت موجة التضخم المتصاعدة على الأسر وساهمت في صعود كل من اليمين واليسار المتطرفين.

و"فولكسفاغن" واحدة من أكثر الشركات المصنعة تضرراً من تباطؤ الطلب في الصين، حيث اعتمدت لعقود على الدولة الآسيوية مصدراً رئيسياً للمبيعات والأرباح. ورغم أن الصين لا تزال سوقاً مهمة للشركة، فقد تراجعت حصتها السوقية في الأعوام الأخيرة بسبب المنافسة القوية من الشركات الصينية الأكثر مرونة، وأيضاً من "تسلا" الأميركية، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ.

كما تؤثر المنافسة على حصة "فولكسفاغن" في السوق الأوروبية، حيث لم يعد الطلب على السيارات الجديدة إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا، وواجهت الشركة صعوبة في جذب المشترين لسياراتها الكهربائية. إضافة إلى ذلك، تفاقمت مشكلات الشركة بسبب تراجع الكفاءة والتكاليف المرتفعة، مما أثقل كاهل العملاق الصناعي الذي يوظف أكثر من 600 ألف شخص حول العالم. وازدادت الأمور تعقيداً بسبب قرار الحكومة بإنهاء الحوافز المقدمة لمشتري السيارات الكهربائية بشكل مفاجئ، وهو تنازل مثير للجدل تم التوصل إليه خلال محادثات الميزانية العام الماضي.

وفاجأت "فولكسفاغن" العمال والقيادات السياسية في وقت سابق من الشهر الجاري، بإعلانها نيتها إلغاء اتفاقية عمالية استمرت ثلاثة عقود، منعت خلالها الشركة من تنفيذ تسريحات قسرية. كما أعلنت أنها تدرس لأول مرة في تاريخها الممتد على مدى 87 عاماً إمكانية إغلاق بعض مصانعها في ألمانيا.

هذا التصريح أثار احتجاجاً فورياً من النقابات العمالية القوية التي تتمتع بنفوذ كبير في الشركة، حتى بمعايير ألمانيا. ومن المتوقع أن تكون المفاوضات المقبلة بين الإدارة وممثلي العمال، في محاولة لحل الأزمة، تجربة صعبة ومؤلمة لكلا الطرفين.

وعلى الجانب الآخر، كانت شركة بي إم دبليو أكثر مرونة في التكيف مع التحول نحو السيارات الكهربائية، إلا أن المنافسة الأصغر حجماً للشركة لم تكن بعيدة عن سلسلة الأخبار السلبية هذا الشهر. فقد اضطرت الشركة، التي يقع مقرها في ميونخ، إلى خفض توقعاتها لأرباح العام بسبب تراجع الطلب في الصين، بالإضافة إلى استدعاء 1.5 مليون سيارة نتيجة مشكلات محتملة في أنظمة المكابح.

وشركة كونتيننتال هي الموردة لأنظمة الفرامل السالف ذكرها، وكانت تُعرف بكونها واحدة من أكثر شركات تصنيع قطع غيار السيارات كفاءة وتنافسية في أوروبا، قبل أن تتأثر سلباً بسبب التوسع السريع الذي شهدته خلال الأعوام الأخيرة.

ولا تقتصر مشكلات الشركات الألمانية على قطاعها الصناعي الأساسي فقط. ففي صباح الأربعاء الماضي، فاجأ بنك يوني كريديت الإيطالي المستثمرين بإعلانه الاستحواذ على حصة 9% في "كوميرز بنك" الألماني، مما يجعله ثاني أكبر مساهم في البنك. وكان "كوميرز بنك" قد تلقى صفقة إنقاذ من دافعي الضرائب الألمان في أعقاب الأزمة المالية، وجاءت أنباء استحواذ "يوني كريديت" بعد أسبوع واحد فقط من إعلان الحكومة أنها ستقلص حصتها البالغة 16.5% في البنك لتمهيد الطريق نحو بنك أكثر استقلالية وتنافسية.

هذه الصفقة بدت مفاجئة لكل من إدارة البنك والحكومة الألمانية. والآن، يتعين على البنك الإيطالي يوني كريدت التوصل إلى توافق مع أصحاب المصلحة الرئيسيين في ألمانيا، بمن في ذلك المسؤولون الحكوميون والمساهمون الآخرون وممثلو العمال، الذين أعربوا عن معارضتهم مسبقاً، مؤكدين أن البنوك القوية تشكل أساس دعم اقتصاد محلي متين.

المساهمون