وقف إنتاج النفط الليبي على وقع أزمة المصرف المركزي.. آثار اقتصادية بخلفيات سياسية

26 اغسطس 2024
الصراع في ليبيا يعطل إنتاج النفط - رأس لانوف 9 مارس 2011 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **فرض حالة القوة القاهرة**: أعلنت حكومة مجلس النواب الليبية وقف إنتاج وتصدير النفط بسبب الاعتداءات على موظفي المصرف المركزي، مما يهدد الاقتصاد الوطني بالانهيار.

- **تأثير القرار على شركات النفط**: بدأت شركة الواحة للنفط تخفيض الإنتاج تدريجياً، مع احتمال إيقافه بالكامل، مما يؤثر على إنتاج النفط الليبي الذي بلغ 97% من المستهدف اليومي العام الماضي.

- **تداعيات القرار على الاقتصاد الليبي**: حذر الأكاديمي رضا انبيه من فقدان الشركاء الأجانب لثقتهم في قطاع النفط الليبي، مما يؤدي إلى نقص السيولة وارتفاع الأسعار، ويزيد من الأزمات المعيشية.

أعلنت حكومة مجلس النواب الليبية فرض حالة القوة القاهرة على جميع الحقول والموانئ والمؤسسات والمرافق النفطية، ما يعني إيقاف إنتاج النفط الليبي وتصديره خلال أزمة تحيط بالمصرف المركزي، بعد قرار المجلس الرئاسي تغيير إدارته والمحافظ.

وفي بيان متلفز لرئيس الحكومة أسامة حماد، حمل عنوان "بشأن اقتحام مصرف ليبيا المركزي"، قال حماد إن حكومته تتابع "تكرر الاعتداءات على موظفي المركزي من مجموعات خارجة عن القانون بتحريض الرئاسي منتحل الصفة، متجاهلة ما صدر عن القضاء من إيقاف للقرارات المعيبة لانعدامها ولكونها تمثل اغتصاباً واضحاً للسلطة".

النفط الليبي رهين الصراع السياسي

وذكر حماد أن "هذه الاعتداءات ومحاولات الدخول بالقوة إلى مقر المصرف نتج عنها إيقاف وعرقلة سير المعاملات المالية للدولة بالكامل"، محذراً من أنها "تعرض الاقتصاد الوطني للانهيار المتسارع، وحذرنا في السابق من الاستمرار في هذه الممارسات الخاطئة والمخالفة للقانون". وأعلن "حالة القوة القاهرة على جميع الحقول والموانئ النفطية، ما يعني إيقاف إنتاج وتصدير النفط إلى حين إشعار آخر"، مبرراً خطوة حكومته هذه بأنها "للحفاظ على قوت الليبيين واحتياطياتهم لدى المركزي، وما سيتم تحصيله من إيرادات النفط إن وقعت تحت تصرف ثلة خارجة عن الشرعية".

ورغم أن قرار حماد بوقف تدفق النفط الليبي جاء في سياق سياسي، خاصة أن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، كان قد هدد بإغلاق حقول النفط إذا اصر المجلس الرئاسي على تنفيذ قراره بشأن تغيير محافظ المصرف، إلا أن إعلان شركة الواحة للنفط، بعد قرار حماد مباشرة، بدءَها بـ"التخفيض التدريجي للإنتاج"، وترجيحها إمكانية إيقاف إنتاج النفط إذا استمرت الاحتجاجات والضغوط، يشير إلى إمكانية صدور قرارات مشابهة من شركات النفط الليبية الأخرى.

وتدير المؤسسة الوطنية للنفط تسع شركات مملوكة للدولة الليبية، وثماني شركات بالمشاركة، بالإضافة إلى ثماني شركات بالمقاسمة في استكشاف النفط وإنتاجه، منها توتال الفرنسية، وإيني الإيطالية، وريبسول الإسبانية. ويعد قرار شركة الواحة الثاني بعد قرار إغلاق الإنتاج في حقل الشرارة مطلع الشهر الجاري، ما يؤثر في حركة إنتاج النفط، إذ بلغ إنتاج الأولى، التي تدير خمسة حقول، خلال العام الماضي 2023، نحو 97% من المستهدف اليومي لإنتاجها الذي بلغ 290 ألف برميل يومياً، بحسب بيانات سابقة لها، في حين ينتج حقل الشرارة، أكبر حقول النفط في الجنوب الليبي، قرابة 300 ألف برميل يومياً.

ولم تعلن المؤسسة الوطنية للنفط، التي تملك حق إعلان قرار القوة القاهرة على الحقول والموانئ النفطية، أي موقف حيال إعلان حكومة مجلس النواب، كما لم يصدر أيضاً أي موقف من جانب جهاز حرس المنشآت النفطية. وعلى الرغم من ذلك، فوفقاً لرأي رضا انبيه، الأكاديمي وأستاذ التمويل والمصارف، فإن مثل هذه القرارات المتشابكة مع الوضع السياسي المتأزم، ستؤدي إلى فقدان الشركاء الأجانب لثقتهم في قطاع النفط الليبي. ويلفت انبيه في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن خطوة قرار وقف الإنتاج الجديد ترتبط بخلافات كبيرة حول أكبر مؤسسة مالية، وهي المصرف المركزي. وأضاف: "الصراع القائم بين المجلس الرئاسي والسلطات الأخرى كمجلس النواب وحكومته يجعل الآثار على قطاع النفط أكثر خطورة، وربما يهدد بمعاقبة الشركات الأجنبية شركاءها في الجانب الليبي، والمطالبة بتعويض خسائرها".

وفي وقت يذكّر فيه انبيه بوقوع النفط الليبي في سياقات صراع دولي بين أقطاب كبرى، مثل روسيا الموجودة قريباً من حقول النفط إلى جانب مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ومخاوف الأوروبيين والأميركان من استغلال الروس للنفط للالتفاف على الحصار النفطي المفروض على منتجات روسيا من النفط، يحذر انبيه من آثار إغلاق النفط على الصعيد الداخلي.

وبحسب انبيه فإن أولى آثار قرار وقف إنتاج النفط هو عدم حصول الشركة العامة للكهرباء على الوقود اللازم لتشغيل محطاتها، بالإضافة إلى القطاعات الحيوية الأخرى التي ستتأثر كثيراً في حال توقف تدفق أموال النفط إلى المصرف المركزي. ويشير انبيه إلى أن قرار وقف إنتاج النفط بالتزامن مع أزمة المصرف المركزي، جاءت في غضون نقص حاد في السيولة النقدية لدى المصارف التجارية، وسط ارتفاع حاد في الأسعار، تسبب فيه فرض ضريبة إضافية على بيع النفط الأجنبي بنسبة تصل إلى 27%.

وقال انبيه: "مظاهر الاختناق المعيشي واضحة بشكل كبير، وآخرها طوابير طويلة أمام محطات الوقود هذه الأيام، ومستوى الخوف والقلق لدى المواطن مرتفع وهو لا يستطيع الوصول إلى أمواله في المصارف، وحتى البطاقات المصرفية التي كانت تشكل متنفساً له توقفت منذ أيام مع قرار وقف المنظومات الإلكترونية للمصرف المركزي".