"آخر الرجال في حلب": بالقرب من الحياة والموت

29 يناير 2018
(من الفيلم)
+ الخط -
تنفتح الشاشة على أحد رجال الدفاع المدني (أصحاب الخوذ البيضاء) في حلب أثناء حصارها، بينما هو ينظر إلى طائرة في السماء تواصل قصفها للمدينة ويشير لزميله إلى ما ترميه من قذائف، بهذا المشهد يبدأ المخرج السوري فراس فياض في فيلمه الوثائقي "آخر الرجال في حلب" (2017) الذي ضمّته القائمة القصيرة لأفضل الأفلام الوثائقية المرشحة لجائزة أوسكار 2018.

تتجوّل السيارة بعد ذلك في أحياء المدينة التي تدمّرت بفعل البراميل المتفجرة، حيث ركام الأبنية وأنقاض البيوت تتابعها الكاميرا مع شريط مكتوب يوضّح كيف علق أكثر من 250 ألف مدني في آخر مساحة جغرافية في حلب عام 2015، بين خيارات محدودة وموارد شحيحة.

يذهب المخرج إلى ما هو أبعد من تناول قصة خالد ومحمود، وهما شقيقان يعملان في "الدفاع المدني" الذي تأسّس عام 2013 في محاولة لإنقاذ الناس في الأحياء المنكوبة، بل يركّز على تفاصيل حياتهم العائلية وأحاديثهم اليومية حول الخراب الذي فتك بالمكان، وعلاقاتهم الشخصية، ومعظمهم كانوا عمّالاً وطلبة وحين استعرت الحرب اختاروا ألا يحملوا السلاح وأن يكرّسوا وقتهم للعمل الطوعي، كما يوضّح العمل.

اختار فياض أن يقدّم صورة مفصّلة عن القسوة التي تحيط بهؤلاء الناس وتحاصرهم وما يشعرون به من خوف وقلق وفرح وإحاسيس متناقضة ويفكّرون ويحلمون، باعتبارهم الحدث المركزي وأن كلّ ما يقع من حولهم من معارك تدور داخل المدينة، وما يواجهونه من مشاكل مع الأطراف المتقاتلة هو هامشي.

يقدّم الفيلم الأشخاص الذين يشكّلون صلة الربط بين الموت والحياة، وهم يخرجون الجثث أو أشلاءها من تحت الردم أو الأحياء وفي رؤيتهم المباشرة ومتابعتهم لمسلسل الخراب وهم يتنقّلون من موضع إلى آخر بحثاً عن ناجين، ويشتمّون رائحة الخراب والدم والفناء طوال اليوم ويعودون مساءً ليتنفسوا بعض الهواء والدفء والأمل قرب أطفالهم.

تتلاحق المشاهد التي تصوّر واقع الحياة؛ البحث دون جدوى عن دواء مفقود في الصيدليات، والأطفال يدبّ في أوصالهم الرعب حين تقطع الطائرات لعبهم في الساحات العامة، والمظاهرات التي لا تزال تخرج في بعض مناطق المدينة، وتتلاحق المتغيّرات السياسية التي تشير إلى حجم العبث والتلاعب بأقدار البشر، نشرات الأخبار تتوالى على الشاشات تخبر بما يقع من مجازر وتعدّ الضحايا.

ينتهي الفيلم بجنازة خالد الذي قتل خلال أدائه لمهمته الإنسانية، ويتبعه خروج محمود مع من تبقى من رفاقه إلى إدلب، كذلك خرجت زوجة خالد وبناته إلى تركيا، بعد أن وضعت طفلاً أسمته خالد على اسم زوجها؛ ولادة جديدة من الموت الذي حلّ بالمدينة.

دلالات
المساهمون