سمير فريد: خمسون عنواناً في الفن السابع وتاريخه

07 ابريل 2017
(تصوير: توبياس شوارز)
+ الخط -

يدين النقد السينمائي العربي لسمير فريد (1943 – 2017) بجملة أشياء من بينها عمله برفقة نقّاد آخرين على تغيير رؤية الناس والصحافة إلى الكتابة النقدية حول السينما وتخليصها من الاتجاهات التي كانت ترى فيها امتداداً للتحرير الفني المتتبّع لهوامش الفن السابع وبريقه.

كان يصرّ على تصنيف كتاباته ضمن مجال النقد السينمائي ووصفه هو بالناقد السينمائي، كتابه الأوّل "سينما 65"(1967) الذي ضم بين دفتيه مقالات متفرقة، جاء للدفع بهذا الهدف المعلن إلى الأمام، فصدور الكتاب حقّق لسمير فريد غايته وصارت المكتبة العربية ترى في النقد السينمائي جاراً لأنواع نقدية أخرى عتيدة كانت مسيطرة لوحدها على اهتمام القارئ مثل النقد الأدبي والمسرحي.

ساهم صاحب "الصراع العربي الصهيوني في السينما" (1992) عن طريق مقالاته التي كانت تنشر في صحيفة "الجمهورية" المصرية وغيرها من الصحف، في وضع مبادئ لقراءة الأفلام منهجياً وبنظرة تحليلية، وهكذا صار النقد السينمائي يجد لنفسه مكاناً بين ما يكتب عن الفن ويزاحم أجناس الكتابة الأخرى على صفحات المجلات والجرائد.

من ناحية أخرى، يدين النقد السينمائي العربي لمنجز سمير فريد، الذي تجاوز خمسين عنواناً، وضع بها اليد على نقاط أساسية تعود نتائجها على السينما وجمهورها على حد سواء. منجز يجمع بين مجالات عديدة أولها تاريخ السينما، فهو إلى جانب مقالاته الغزيرة كان يقوم بعمل موازٍ لا يقلّ في أهميته عن الكتابة عن الأفلام، إذ خطّ اتجاهاً مهماً هو العناية بتاريخ السينما المصرية والعربية، وفي هذا السياق جاءت كتبه "‬الواقعية الجديدة في السينما المصرية" (1992) الذي جمع دراساته التي تتبعت المنحى الواقعي في السينما المصرية، وكتابه "السينما العربية المعاصرة" (1998) وكتاب "تاريخ الرقابة في على السينما في مصر" (2002) الذي اشتغل فيه على فترة طويلة من عمر السينما المصرية وعلاقته بالرقابة (1904-2001)، وكتاب "فصول في تاريخ السينما المصرية" (2002) الذي تتبع فيه السينما المصرية منذ نشأتها مروراً بتيارها الواقعي وصولاً إلى السينما التجارية.

كما اهتم فريد أيضاً في كتاباته بتقاطعات الفن السابع بغيره من الفنون من خلال كتب مثل: "نجيب محفوظ والسينما"(1990)، "أدباء مصر والسينما" (1999)، و"أدباء العالم والسينما" (2004)، و"شكسبير، كاتب السينما" (2002).

أما اهتمامه بالسينما الأوروبية فقد أثمر مشروعاً مهماً في أربعة كتب تحت موضوع واحد "السينما في دول الاتحاد الأوروبي" (2004)، ويمكن النظر إلى هذا العمل الكبير نظرة شمولية كونه توجّه إلى أربعة من أهم المباحث التي تهمّ علاقتنا بالسينما الأوروبية. في الجزء الأول منه "التاريخ والتيارات والأنواع" تطرّق إلى إنتاج الأفلام الروائية الطويلة، وخصّص الجزء الثاني "أعلام الإخراج السينمائي" لأهم الأسماء الأوروبية المعروفة في الإخراج وفق معايير الأهمية ودون النظر إلى الجنسية، كما التفت إلى التجارب التي لم تنل التقدير الكافي في الكتابات النقدية وكذلك التجارب السينمائية الشابة. أمّا في الجزءين الأخيرين "المؤسّسات السينمائية" و"الأسواق والشركات والاستوديوهات"، فقد سدّ بهما فراغا كبيراً في المجال السينمائي العربي هو مجال الاهتمام بالتسويق والمؤسسات المشتغلة بالسينما.

ستظل مسيرة سمير فريد ملهمة لأجيال ونقاد جاؤوا بعده، مسيرة غزيرة لم يفارقها الطموح ولا الجدية. ولم يعكر صفوها سوى لحظات قليلة مثل رئاسته لـ"مهرجان القاهرة السينمائي" في فترة عصيبة قبل فيها الرجل أن يساهم في إنقاذ سمعة المهرجان. لكن كانت هناك أحكام جاهزة تنتظر أي اسم لترميه بسهام النقد. سوى ذلك فلا شيء يمكن أن ينال من مسيرة ناقد كان يعيش للسينما ويفكر بها.

كان عمر سمير فريد 23 سنة عندما حضر لأوّل مرّة "مهرجان كان السينمائي" سنة 1967، وكان المهرجان يبلغ حينها دورته العشرين؛ الدورة نفسها التي شهدت فوز فيلم "بلو آب" لـ مايكل أنجلو أنتونيوني بالجائزة الكبرى. الوصول إلى هذا المهرجان في سنّ مبكرة كان يعني أنه اختار رهاناً صعباً، وقد جعلته هذه البداية يحبّ السينما ولا ينبهر بالسينمائيين. وستستمرّ علاقته بمهرجان كان دون انقطاع حيث شارك في كلّ دوراته لمدّة 45 عاماً.

الرقم 67 سيتكرّر في مهرجان آخر مهمّ في مشواره، فهي الدورة التي كرّم فيها "مهرجان برلين السينمائي" سمير فريد بـ"جائزة "كاميرا البرلينالي" في شباط/ فبرابر الماضي، وهو حدث لا يتكرّر كلّ دورة، إذ وضع هذا التكريم السينما المصرية والعربية في دائرة الضوء عن طريق النقد، وليس عن طريق فيلم أو ممثّل أو مخرج مثلما جرت العادة.

التكريم من جهة ثانية، جاء ليعترف بناقد قضى أكثر من نصف عمره في الكتابة عن السينما وأحوالها والتنقّل بين مهرجانات العالم للكتابة عنها وعن تفاصيلها، وأبرز ما في هذا التكريم أنه جاء أثناء حياته وليس بعد رحيله كما تجري العادة في العالم العربي.

المساهمون